حبس وغرامة، عقوبة استخدام حساب خاص بهدف ارتكاب جريمة فى القانون    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025    أسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025 بالأسواق    ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب نتائج المحادثات الأمريكية الصينية    الأمم المتحدة: مسلحون وجوعى استولوا على معظم الطحين المنقول لغزة    جوارديولا يتسلم الدكتوراه الفخرية ويلقي خطابا مؤثرا عن غزة بجامعة مانشستر (فيديو)    جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 PDF وتوزيع الدرجات لجميع الشعب نظام قديم وجديد    بينهم أب وبناته الثلاثة.. «المصري اليوم» تنشر أسماء الضحايا المفقودين ب حادث «تروسيكل أسيوط»    الأرصاد تكشف عن حالة الطقس حتى الأحد المقبل    فريق من مديرية عمل الدقهلية يقدم واجب العزاء إلى أسرة الشهيد خالد شوقي (صور)    اليوم، عودة عرض حلقات مسلسل آسر على منصة شاهد    فى أحضان الفراعنة.. عروض فنية لقصور الثقافة بالأقصر في احتفالات عيد الأضحى    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 10 يونيو والقنوات الناقلة    قتيل و4 جرحى حصيلة الهجوم الروسي على أوديسا جنوب أوكرانيا    تحذير عاجل من عبوات "باراسيتامول" بالأسواق، وهيئة الأدوية البريطانية: فيها تلوث قاتل    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 10 يوينو 2025    بتوصية أيمن الرمادي.. الزمالك يفتح الباب أمام بيع نجميه (تفاصيل)    استقرار سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4675 جنيها    الصور الكاملة لحفل «واما» بعد تألقهم ب الساحل الشمالي في عيد الأضحى 2025    خاص| الدبيكي: نعمل على صياغة اتفاقية دولية لحماية العاملين من المخاطر البيولوجية    مباراة السعودية وأستراليا في تصفيات كأس العالم 2026.. الموعد والقنوات الناقلة    ذكريات كأس العالم!    يوميات أسبوع نكسة 1967 في حياة طبيب شاب    ماكرون: الحصار المفروض على دخول المساعدات إلى غزة "فاضح"    ترامب: إيران ستشارك في مفاوضات المحتجزين في غزة.. وسنرى ما سيحدث    استشهاد 3 مسعفين وصحفيا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    السيطرة على حريق شب داخل فيلا بالتجمع    القبض على صاحب مطعم شهير بالمنيا بعد تسمم أكثر من 40 شخصًا    «الأرصاد منعتنا من النزول.. وشركة المقاولات حفرت لوحدها».. اعترافات المتهم الخامس في قضية انفجار خط الغاز ب طريق الواحات (خاص)    الخارجية الإيرانية تعلن موعد الجولة المقبلة من المفاوضات مع واشنطن حول البرنامج النووى    بيروت ودمشق وتحدي الدولة الطبيعية    وفد من أمانة حزب مستقبل وطن بالدقهلية يقدم العزاء لأسرة البطل خالد شوقي عبدالعال    بعد مفاجأة زفافهم ب اليونان.. من هو أحمد زعتر زوج أمينة خليل؟ (صور)    تامر عاشور يشيد بزوجته نانسي نور: قوية وحنونة وتتفهم طبيعة حياتي    حفلين خلال 48 ساعة.. محمد عبده وهاني فرحات يحطمان الأرقام القياسية    حقك لازم يرجع.. وزير الزراعة يزور مسؤول حماية الأراضي المعتدى عليه ب سوهاج    صحة سوهاج: 560 جلسة علاج طبيعي لمرضى الغسيل الكلوي خلال أيام عيد الأضحى    رافاييل فيكي يدخل دائرة ترشيحات الزمالك لتولي القيادة الفنية    انقلاب سيارة مواد بترولية بطريق السويس ونجاة السائق    ب"شورت قصير".. أحدث جلسة تصوير جريئة ل دينا فؤاد والجمهور يعلق    ما حكم الشرع في بيع لحوم الأضاحي.. دار الإفتاء توضح    عاشور: كل لاعب يسعى لتأمين مستقبله.. ولا يوجد ما يمنعنا من التتويج بمونديال الأندية    وزير الصحة الأمريكي يُقيل اللجنة الاستشارية للقاحات    أجواء مشحونة بالشائعات.. حظ برج الدلو اليوم 10 يونيو    حاكم كاليفورنيا ينتقد قرار ترامب بنشر المارينز ويصفه ب "المختل"    خط دفاع تحميك من سرطان القولون.. 5 أطعمة غنية بالألياف أبرزها التفاح    سباليتي يعترف: من العدل أن أرحل عن تدريب منتخب إيطاليا    إجراء 2600 جلسة غسيل كلوي خلال إجازة عيد الأضحى بمحافظة قنا    استقبال 13108 حالة طوارئ بالمستشفيات خلال عيد الأضحى بالمنوفية    سعر السكر والأرز والسلع الأساسية ب الأسواق اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025    كيفية إثبات المهنة وتغيير محل الإقامة ب الرقم القومي وجواز السفر    سعر الحديد والأسمنت ب سوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025    برلمانية: مصر تستعد للاستحقاقات النيابية وسط تحديات وتوترات إقليمية كبيرة    موعد أول إجازة رسمية بعد عيد الأضحى المبارك .. تعرف عليها    هل تنتهي مناسك الحج في آخر أيام عيد الأضحى؟    ما حكم صيام الإثنين والخميس إذا وافقا أحد أيام التشريق؟.. عالم أزهري يوضح    دار الإفتاء تنصح شخص يعاني من الكسل في العبادة    دعاء الخروج من مكة.. أفضل كلمات يقولها الحاج في وداع الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى مهرجان قرطاج (2) الربيع العربى ينافس خريفه.. والأفلام الوثائقية تتحدى الروائية
نشر في صباح الخير يوم 22 - 11 - 2016

عشرة أيام قضيتها فى مهرجان قرطاج فى احتفاليته «الخمسينية»، ودورته السابعة والعشرين، التى امتدت فى الفترة من 28 أكتوبر إلى 5 نوفمبر الماضى.. شاهدت خلالها الكثير من الأفلام العربية والأفريقية الحديثة، التى اخترت بعضها للكتابة عنه هذه المرة، مركزا على أفلام المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة.
الأوضاع السياسية الراهنة وما يدور فى المنطقة العربية من تغيرات جذرية وأحداث دموية، تركت تأثيرها بالطبع على الكثير من أفلام المهرجان، وقد ظهر هذا منذ اللحظة الأولى فى فيلم الافتتاح «زهرة حلب» للمخرج التونسى رضا الباهى، الذى شاركت فى بطولته هند صبرى، ولعبت فيه دور أم تونسية مطلقة لفتى مراهق مشتت بين حبه للموسيقى ورغبته فى الحب والحياة وبين البحث عن انتماء وقضية يصرف فيها طاقاته المكبوتة، وينجح سماسرة التطرف والموت فى تجنيده وإقناعه بالسفر إلى سوريا للمحاربة فى صفوف «الإسلاميين» ضد «الكفرة»، فيجد الشاب نفسه وقد أصبح قاتلا محترفا ووحشا لا يعرف الرحمة، وعندما تعلم أمه تسافر خلفه مدعية أنها ترغب فى الانضمام للمجاهدين، وتكتمل المأساة عندما تضع الظروف كلا من الابن والأم على طرفى المواجهة بين فصيلين «جهاديين» متصارعين!
قصة الفيلم تعتمد على وقائع حقيقية تحدثت عنها الصحافة التونسية والعالمية، عندما تم الكشف عن سفر عدد من الشباب التونسيين إلى سوريا والعراق للانضمام لصفوف «داعش»، وفى جزء من الفيلم نجد مزجا بين القصة المتخيلة ولقطات وثائقية من «اليوتيوب» لأمهات تونسيات يروين أحداثا مشابهة ويطالبن الحكومة والمجتمع الدولى بمساعدتهن على استعادة أولادهن الذين انضموا إلى «داعش».
رضا الباهى أحد أعلام السينما التونسية ينتمى إلى جيل الرواد الذى دخل عقده السابع والذى يضم نورى بو زيد وناصر خمير وفريد بوجدير، والباهى له أفلام متميزة عديدة مثل «شمس الضباع» «1977» و«الملائكة» 1984 و«دائما براندو» 2011، ولكن كما يحدث عادة عندما يغلب الهم السياسى الراهن على المشهد يتراجع الفن مخليا الساحة للمباشرة والتعليمية، فقد تحول «زهرة حلب» إلى برنامج درامى إخبارى وتثقيفى عن سلبيات إهمال أولادنا والتساهل مع «وسطاء» الإرهاب، ويبدو أيضا أن الفيلم تم تنفيذه على عجل للحاق بالأحداث، أو لضيق الوقت المتاح للتصوير، فجاء مرتبكا «مسلوقا» على مستوى السيناريو والإخراج الرغم من أنه كان يحمل إمكانية فيلم عظيم.
لا يمكن إنكار شجاعة صناع الفيلم، خاصة هند صبرى التى قبلت أن تؤدى دور أم تقترب من الأربعين، وبالنسبة للنساء وللنجمات خاصة تعتبر هذه جرأة كبيرة، وقد حاولت هند صبرى أن تقدم بعض التمثيل، وهو نفس ما حاوله الممثل التونسى المخضرم هشام رستم فى دور الأب المهمل، ولكن لا الحوار ولا الإخراج ساعداهما على هضم الدور أو التعبير عنه بشكل مدروس، فجاء أداؤهما خارجيا مفتعلا أحيانا، وللأسف كان الأمر أسوأ مع بقية الممثلين، خاصة الشاب باديس الباهى، ابن المخرج، الذى لعب دور المراهق المتطرف، وحتى الموهوب محمد على بن جمعة لم يجد ما يقدمه سوى الأداء النمطى للإرهابى ذى الوجه الواحد.
كذلك لا يمكن إنكار شجاعة الفيلم إنتاجيا، وأهمية القضية التى يطرحها، وهو اختيار مناسب جدا لافتتاح المهرجان لعدة أسباب، أسماء صناعه والمشاركين فيه من النجوم العرب، وموضوعه وكونه تونسيا فى مناسبة الدورة الخمسينية.
نأتى إلى أقسام المهرجان الرئيسية التى تتكون من مسابقة الأفلام الطويلة، للروائى والوثائقى وخلافه، ومسابقة العمل الأول للأفلام الطويلة، روائية ووثائقية وخلافه، ومسابقة الأفلام القصيرة، روائية ووثائقية وخلافه، التى تضم أيضا جوائز للأفلام «الواعدة» للطلبة والهواة.
مبدئيا لدى عدة ملاحظات على هذا التقسيم الجديد لفئات المسابقات، سوف أتعرض لها بعد قليل.
• مسابقة الفيلم الطويل
شارك فى مسابقة الفيلم الطويل 18 فيلما أفضلها فى تصورى الفيلم المغربى الفرنسى Divine أو «إلهيات» للمخرجة الشابة هدى بن يمينة، الذى يتناول حياة مراهقتين تعيشان فى إحدى عشوائيات صفيح المهاجرين العرب والأفارقة فى فرنسا، وتدفعهما الظروف إلى التحول لتاجرتى مخدرات، والتورط فى السرقة والعنف، ويعرض الفيلم قصة بطلتيه وأسرتيهما على خلفية من المقدمات التى سبقت أحداث الشغب فى أحياء المهاجرين فى فرنسا منذ عدة سنوات. . الفيلم يتسم بلغة سينمائية متمكنة ومفعمة بالحيوية وتمثيل طبيعى انتزع من لجنة تحكيم «قرطاج» جائزة أفضل تمثيل نسائى لبطلتيه، وإن كان الفيلم يستحق أكثر من هذه الجائزة اليتيمة بكثير.
عالم مشابه يطرحه المخرج التونسى المخضرم كريم دريدى، الذى يعيش ويصنع أفلامه فى فرنسا، وذلك من خلال فيلمه «شوف»، التى تعادل بالمصرى كلمة «ناضورجى»، أى مخبر عصابات المخدرات الذى يحذرهم من قدوم الشرطة.
يدور «شوف»، مثل «إلهيات»، داخل أحياء المهاجرين العرب الفقيرة، ولكنه يركز أكثر على تجار المخدرات، ويروى قصة شاب تدفعه الظروف إلى التخلى عن حياته المسالمة الشريفة والانخراط فى العنف بعد أن يقتل أخوه بواسطة إحدى هذه العصابات.
على السطح يبدو سيناريو الفيلم كأنه أحد أفلام المصرى محمد رمضان، «عبده موتة» أو «قلب الأسد»، أو مسلسله الأخير «الأسطورة»، ولكن الفارق بالطبع هو الإتقان فى الكتابة والإخراج والجدية فى التعامل مع الموضوع، وأيضا «التأثير الكلى» للعمل الذى ينفر المشاهد من العنف بدلا من أن يحببه إليه.
«شوف»، حصل على جائزة أفضل ممثل لبطله الشاب فؤاد نابا، وجائزة أفضل موسيقى تصويرية، وهما جائزتان مناسبتان تماما، لا أكثر ولا أقل.
حياة المسلمين فى أوروبا هى الشاغل الأول بالطبع للسينمائيين من أصول عربية المقيمين فى أوروبا، ولكن بالنسبة للسينمائيين العرب فشاغلهم الرئيسى هو غالبا أحداث الربيع العربى العاصف وما تلاه من تغييرات وعنف، ويمكن أن نجد ما يشبه خريطة لهذه الدراما المستمرة فى العديد من الأفلام التى شاركت فى «قرطاج».
بجانب فيلم الافتتاح «زهرة حلب» ضمت المسابقة الرسمية عددا من الأفلام التى تدور فى أجواء الثورات العربية والإفريقية وما أعقبها، من أفضل هذه الأعمال فيلم «غدوة خير» للمخرج التونسى لطفى عاشور، الذى شاركت الممثلة التونسية الموهوبة أنيسة داود فى تأليفه وإنتاجه.
يميز فيلم «غدوة خير» انتماء صناعه بوضوح للثورة التونسية، وللوجه المدنى الديمقراطى العلمانى منها، فى مواجهة النظام الشائخ المغتصب القديم وقوى الظلام الرجعية متمثلة فى جماعة «الإخوان المسلمين» التى سعت لركوب هذه الثورة، ولكن أهم ما يميزه أنه فيلم سينمائى قبل كل شىء.. إخراج على مستوى عال خاصة فى التصوير والمونتاج، وقصة درامية جيدة الحبكة، وشخصيات حية واضحة وتمثيل مقنع بداية من اختيار الممثلين إلى تفاصيل الأداء فى كل مشهد.
تبدأ أحداث الفيلم بعد الثورة بسنوات، ولكننا نتعرف على الحكاية عن طريق الفلاش باك، والتى بدأت وقائعها ليلة هروب الرئيس السابق على زين العابدين، حيث المظاهرات والمطاردات بين الثوار ورجال الشرطة التى جمعت بين صديقتين وشاب صغير مختبئين فوق أحد الأسطح، لتختتم بمأساة يغتصب فيها الشاب على يد ضابط شرطة عجوز، ويتعرض الضابط للضرب المبرح من الشبان الثلاثة يصاب بسببه بعجز مستديم.. لتتواصل أحداث الدراما بعدها بسنوات.
• اشتباك
كما ذكرت الفيلم مصنوع جيدا، متوازن ومتناغم العناصر، مشوق ومؤثر، والدراما الإنسانية فيه أعلى وأسبق من الأفكار، وهو يتجاوز الفخ الذى يقع فيه كثير من الأعمال التى تدور عن الأحداث السياسية الراهنة، كما حدث مع «زهرة حلب» على سبيل المثال.
مع هذا خرج «غدوة خير» من مولد الجوائز خاوى اليدين، لسبب غير معلوم، غير أن أصوات لجنة التحكيم لم تجتمع عليه.
بالمناسبة ضمت لجنة التحكيم المخرج الموريتانى عبدالرحمن سيساكو، رئيسا، والمخرج المصرى خالد يوسف، والمخرجة الجزائرية يامينا بن شويخ، والكاتب والناقد التونسى عبدالحليم المسعودى والمخرجة السنغالية ديانا فاى والكاتبة الإيطالية جيوفانا تيفانى والمنتج الفرنسى مارك إرمار.
على العكس واضح أن اللجنة أحبت الفيلم المصرى «اشتباك» للمخرج محمد دياب، فمنحته ثلاث جوائز منها التانيت الفضى لأحسن فيلم «الجائزة الثانية فى المهرجان» بجانب جائزتى أفضل تصوير لأحمد جبر وأفضل مونتاج لأحمد حافظ.
«اشتباك» فيلم جيد، ومشرف للسينما المصرية، و«حديث» زمنيا، وهى صفة لصالح العمل فى عصر التحولات السريعة اللاهثة التى نعيش فيها، ورغم كل ما قيل فى مصر من اتهامات عبثية حول الفيلم من انحيازه إلى الإخوان، إلى تجميله للداخلية، فالحقيقة أن الفيلم «متوازن» وفوق هذا ينجح فى الارتفاع بموضوعه الذى يدور حول عربة ترحيلات تضم عددا من «الناشطين» السياسيين من مختلف الاتجاهات عقب ثورة 30 يونيو ضد حكم الإخوان، ليصبح فيلما عن صعوبة العيش فى زمن الانقسامات السياسية الحادة والعنيفة، وهو موضوع يصلح لكل مكان وزمان.
ينجح «اشتباك» فى تجسيد الموقف الاجتماعى الإنسانى عقب انتفاضة الشعب المصرى فى 30 يونيو، والفوضى التى نتجت عن تناقضات المواقف السياسية بين أنصار السلطة الحاكمة وقوى المعارضة المختلفة والعنف المتولد فى الشوارع وما سببته الخلافات السياسية من خلافات داخل المجتمع وبين أفراد الأسرة الواحدة أحيانا، والمهم أن الفيلم يعبر عن هذه الفكرة من خلال دراما قابلة للتصديق وشخصيات واقعية غالبا، بالرغم من جنوح الفيلم إلى «التعليمية» والرمزية الفجة فى الجزء الأخير منه.
• تلا مون أمور
من الأفلام الأخرى التى تناولت أحداث الربيع العربى الفيلم التونسى «تلا مون أمور» أو «تلا حبيبتى» للمخرج مهدى هميلى، الذى يتناول أحداث الثورة التونسية من خلال سجين سياسى سابق وحبيبته القديمة التى تتعرف عليه عبر «كليب» على اليوتيوب، ورغم أن عناوين الفيلم تشير إلى أن أحداثه مستقاة عن قصة حقيقية، ورغم أنه يخلو من المبالغات الدرامية إلا أن هناك حاجزا قويا يحول دون اندماج المشاهد معه، وهذا الحاجز يتمثل فى تواضع عناصره الفنية السينمائية، وهو ما يؤكد للمرة الألف أن الموضوع الجيد لا يصنع بالضرورة عملا فنيا جيدا، وأن الفن مسألة صعبة.. ومعقدة جدا.
الأمر نفسه ينطبق على الفيلم الوثائقى السنغالى «الثورة لن تبث تليفزيونيا» للمخرج راما تيوا، الذى يوثق الأحداث الحقيقية لاندلاع الثورة الشعبية فى السنغال ذات يوم من ربيع عام 2011 بالتزامن مع الثورات العربية، وذلك عقب قيام ثلاثة شبان يشكلون أعضاء فرقة موسيقية بإشعال الغضب فى قلوب الجموع.
مرة أخرى، بالرغم من الموضوع العظيم لهذا الفيلم والمواد التوثيقية الرائعة التى صورها المخرج، إلا أن البناء والإيقاع وغيرهما من العناصر الفنية اللازمة لأى عمل جيد متواضعة جاءت أقل من موضوع الفيلم وأقرب إلى التقارير الإخبارية، مع ذلك وجدت لجنة التحكيم نفسها مضطرة إلى منحه جائزة لجنة التحكيم الخاصة، ربما مكافأة للمخرج على تواجده فى المكان والزمان المناسبين، أو لأنهم وجدوا أنه الفيلم الإفريقى الوحيد فى المسابقة الذى يمكن منحه جائزة، وقد أشار رئيس لجنة التحكيم فى كلمته بحفل الختام إلى ضعف مستوى الأفلام الأفريقية المشاركة.
رئيس اللجنة أشار أيضا إلى غلبة السياسة والقضايا الاجتماعية على الأفلام، وبالفعل حتى عندما قررت اللجنة البحث عن عمل جيد يدور حول موضوع غير الربيع العربى عثرت على هدفها فى موضوع عن «الخريف العربى»، وذلك فى الفيلم الفلسطينى «3000 ليلة» للمخرجة مى المصرى، الذى يتناول حياة السجينات السياسيات الفلسطينيات فى السجون الإسرائيلية، خاصة اللواتى يضطررن إلى الولادة وتربية أطفالهن فى السجون.
مى المصرى مخرجة أفلام وثائقية فى الأصل، وفيلمها روائى لكنه يعتمد على مواد وثائقية كما يحمل روح الفيلم الوثائقى.
الفيلم حصل على جائزة أفضل سيناريو بالإضافة إلى التانيت البرونزى لأفضل فيلم، أما العمل الذى وجدت اللجنة أنه الأفضل والأحق بالجائزة الكبرى - التانيت الذهبى - فهو الفيلم الوثائقى التونسى «زينب لا تحب الثلج» للمخرجة كوثر بن هنية، الذى يصور وقائع حقيقية لأسرة تونسية تنتقل للعيش فى كندا من خلال مشاعر وآراء الطفلة الصغيرة لهذه الأسرة.
«زينب لا تحب الثلج» فيلم صعب و«متعوب عليه» على الرغم من السهولة التى يبدو عليها ظاهريا، وهو مطعم ببعض العناصر «الروائية» التى تجعله مناسبا للتسابق فى مهرجان روائى بالأساس. ولكن بشكل عام هناك بعض الملحوظات على سياسة، أو «موضة»، جمع الروائى بالوثائقى التى تتبعها كثير من المهرجانات فى الآونة الأخيرة.. وذلك منذ أن قام مهرجان «كان» من حوالى عشر سنوات بضم بعض الأفلام «الوثائقية» إلى مسابقته الرئيسية، وبالتحديد فيلم «فهرنهايت 11/9» للمخرج مايكل مور، الذى فاز بالسعفة الذهبية وقتها.
للأسف العديد من المهرجانات العربية، مثل «القاهرة» و«قرطاج» ساروا وراء هذه «الموضة» دون فهم لما فعله مهرجان «كان» وبعض المهرجانات الغربية.
• غير واضحة
هناك فرق كبير بين الفيلم الروائى الصرف والفيلم الوثائقى، أى التسجيلى، الصرف، ولا مجال للجمع بينهما فى إطار مسابقة أو معايير واحدة للتقييم، وبين الاثنين هناك أنواع ودرجات ويمكن أن نضع قاعدة أو إطار عام يقول: إن كل ما هو غير روائى صرف لا يمكن اعتباره وثائقيا، بينما كل ما هو غير وثائقى صرف يمكن اعتباره روائيا.
يعنى إذا كان هناك فيلم روائى مطعم بعناصر وثائقية فلا يعنى ذلك أنه فيلم وثائقى لأن هذه العناصر الروائية مهما كانت قليلة وضعيفة تمنعنا من النظر إليه باعتباره «وثيقة» أو «تسجيلا للواقع»، وعادة ما يطلق على هذه الأعمال «وثائقية روائية» feature documentary مثل أفلام مايكل مور.
من ناحية ثانية إذا كان هناك فيلم وثائقى مطعم ببعض العناصر الروائية، مهما كانت قليلة وضعيفة، إلا أنها تضع الفيلم فى خانة الأعمال الروائية.
للأسف هذه القاعدة غير واضحة بالنسبة لمعظم المهرجانات خاصة العربية، وهو ما يحدث بلبلة تبدأ من لجان الاختيار ولا تنتهى عند لجان التحكيم.. لأن هناك فروقا كثيرة بين الأفلام الروائية والوثائقية، كما أن هناك أنواعا كثيرة من الأفلام الوثائقية، تبدأ بالتقرير الإخبارى وتنتهى على حدود السينما التجريبية والروائية.
وهذه المخاوف من اختلاف واختلاط معايير التقييم بين السينما الروائية والوثائقية عبرت عنها المخرجة كوثر بن هنية نفسها فى كلمة تسلمها للجائزة، وبالرغم من أنها بدت سعيدة لأن اللجنة اختارت فيلمها، إلا أن كلماتها تظل صحيحة، وستظل تثير النقاش والجدل لسنوات قادمة. •


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.