منذ سنوات دعا نواب من مدينة أطلنطا بالولايات المتحدةالأمريكية وفدا مصريا من وزارة الآثار وبعض الصحفيين لحضور متحف للآثار المصرية كان ملكا لأحد الأثرياء ويريد بيعه.. فما كان من سكان المدينة إلا رفض خروج المتحف لمكان آخر وقرروا جمع تبرعات من الأهالى لشراء المتحف وفى خلال أيام قليلة تم شراء المتحف.. هذا ما تذكرته عندما علمت بالأزمة التى يعانى منها أهم متحف معمارى وأثرى لصاحب فكرة بناء حى مصر الجديدة وسألت نفسي: هل من الممكن لسكان الحى الراقى العريق إنقاذ قصر البارون كما فعل الأمريكان لمتحفهم. وفى هذا الإطار التقى الدكتور خالد العنانى وزير الآثار مع اللواء مدحت الشريف عضو مجلس النواب، لمناقشة خطة الوزارة بشأن ترميم وإعادة تأهيل قصر البارون إمبان بشارع العروبة، وذلك بمقر وزارة الآثار بالزمالك وبحضور محمد عبدالعزيز مدير عام القاهرة التاريخية. ترميم وتأهيل وأكد د.العنانى أن مشروع ترميم وتأهيل القصر يأتى على قمة أولويات الوزارة فى الفترة الحالية خاصة فى ظل الحالة الراهنة له من الناحية الإنشائية والمعمارية، ولكن نظراً لقلة الموارد المالية للوزارة فى الفترة الحالية بسبب تراجع السياحة الوافدة لمصر فسوف يتم وضع تصور وخطة للعمل للخروج بحل سريع وقاطع لدرء الخطورة عن القصر بصفة مبدئية لحين البدء فى ترميمه. ومن جانبه أعرب د.مدحت الشريف عن كامل استعداده للتعاون والتنسيق مع وزارة الآثار لإنقاذ هذا الأثر لما يحمله من أهمية كبيرة لدى الشعب المصرى عامة وسكان مصر الجديدة خاصة. فيما أضاف عبدالعزيز أن وزير الآثار قد بحث مع الحضور مدى إمكانية إقامة معرض داخل قصر البارون فى أقرب وقت يضم عددا من الصور الفوتوغرافية للقصر وتراث مصر الجديدة والمخطوطات التى تحكى تاريخ القصر, بالإضافة إلى عمل زيارة تخيلية 3D «ثلاثية الأبعاد» لزائرى المعرض وذلك بالتنسيق مع مركز التراث الحضارى. حكاية قصر يصحبنا للحديث عن القصر الأستاذ محمد عبدالعزيز مدير عام القاهرة التاريخية فيقول: قصر البارون إمبان، تحفة معمارية فريدة من نوعها شيده المليونير البلجيكى البارون إدوارد إمبان، الذى جاء إلى مصر من الهند فى نهاية القرن التاسع عشر بعد قليل من افتتاح قناة السويس، يقع القصر فى قلب منطقة مصر الجديدة بالقاهرة، تحديداً فى شارع العروبة على الطريق الرئيسى المؤدى إلى مطار القاهرة الدولى ويشرف القصر أيضاً على شارع ابن بطوطة وابن جبير وحسن صادق. قرر البارون إقامة قصر، فكان قصراً أسطورياً، وصمم بحيث لا تغيب عنه الشمس، حيث تدخل جميع حجراته وردهاته، وهو من أفخم القصور الموجودة فى مصر على الإطلاق، وتضم غرفة البارون بالقصر، لوحة تجسد كيفية عصر العنب لتحويله إلى خمور، ثم شربه حسب التقاليد الرومانية وتتابع الخمر فى الرءوس، أى ما تحدثه الخمر فى رءوس شاربيها. استلهمه من معبد أنكور وات فى كمبوديا ومعابد أوريسا الهندوسية. صممه المعمارى الفرنسى ألكساندر مارسيل وزخرفه جورج لويس كلود واكتمل البناء عام 1911. تبلغ مساحة القصر نحو 12.5 ألف متر وترجع فكرة بنائه إلى البارون إمبان الذى عرض على الحكومة المصرية فكرة إنشاء حى فى الصحراء شرق القاهرة واختار له اسم هليوبوليس أى مدينة الشمس، وحيث إن المنطقة كانت تفتقر إلى المرافق والمواصلات والخدمات، وحتى يستطيع البارون جذب الناس إلى ضاحيته الجديدة فكر فى إنشاء مترو ما زال يعمل حتى الآن وأخذ اسم المدينة مترو مصر الجديدة إذ كلف المهندس البلجيكى أندريه برشلو الذى كان يعمل فى ذلك الوقت مع شركة مترو باريس بإنشاء خط مترو يربط الحى أو المدينة الجديدة بالقاهرة، كما بدأ فى إقامة المنازل على الطراز البلجيكى الكلاسيكى، بالإضافة إلى مساحات كبيرة تضم الحدائق الرائعة، وبنى فندقاً ضخماً هو فندق هليوبوليس القديم الذى ضم مؤخراً إلى قصور الرئاسة بمصر. من هو مالك القصر الحقيقى؟! سألت محمد عبدالعزيز: هناك الكثير من الأحاديث عن من هو المالك الحقيقى لهذا القصر وهل هى وزارة الآثار أم ورثة الأمير إمبان؟ أجاب قائلا: قصر البارون إمبان مسجل فى عداد الآثار الإسلامية والقبطية ويخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983. وقد تمت مقايضة بين ملاك قصر البارون إمبان بمصر الجديدة وبين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة عن طريق مبادلة القصر والأرض المشيد عليها بقطعة أرض تم تخصيصها لملاك القصر بمساحة 115 فدانا بالقاهرة الجديدة وتم التصديق عليها من مجلس الوزراء بجلسته رقم 17 المنعقدة بتاريخ فى مارس 2005. ونظراً لأهمية القصر باعتباره من الآثار المهمة والفريدة فى جمهورية مصر العربية فقد وافق مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بجلسته بتاريخ فى فبراير 2007 على نقل أصول القصر والأرض المشيد عليها للمجلس الأعلى للآثار بدون مقابل وتم اعتماد محضر الاجتماع من رئيس مجلس الوزراء بتاريخ فى مارس من نفس العام. بتاريخ 2007/7/25 تم تحرير محضر اللجنة المشتركة من المجلس الأعلى للآثار وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة والمشكلة بالقرار رقم 1848 بتاريخ يوليو من نفس العام لتسليم القصر للمجلس الأعلى للآثار. ثم استكمل قائلا: لأن القصر ومنذ هذا التاريخ فى حوزة وزارة الآثار ويعانى من خطورة إنشائية ومعمارية داهمة لعدم توفير الاعتمادات المالية اللازمة لترميمه وصيانته واستغلاله وتوظيفه بما يتناسب مع مكانته والمنطقة المحيطة به وبما يحقق عائدا ماديا يسهم فى تعزيز موارد وزارة الآثار، وبناء عليه الوزارة تبذل مجهودا لإيجاد موارد مالية لإنقاذ هذا الأثر المتميز. تركت القصر وأنا أفكر فى أن الحل فى يد نواب وسكان مصر الجديدة فهل يفعلونها؟ •