وزير التعليم يتخذ قرارات جريئة لدعم معلمي الحصة ورفع كفاءة العملية التعليمية    توجيه مهم من السياحة للشركات قبل الحج 2025 -(تفاصيل)    سفيرة الاتحاد الأوروبي: نحرص على تعزيز الشراكة مع مصر ودعم مشروعات التنمية المستدامة    النائب عاطف مغاوري يطالب بإسقاط مشروع قانون الإيجار القديم وتدخل الرئيس السيسي    سفير فلسطين بالقاهرة: نكبة 1948 تسببت في تهجير نحو 850 ألف فلسطيني    حماس: أكثر من 120 شهيدا في أقل من يوم وعائلات فلسطينية أبيدت بالكامل    الأهلي يهزم الزمالك ويتعادل في نتيجة سلسلة نصف نهائي دوري سوبر السلة    إيداع نجل الفنان محمد رمضان لدار رعاية    حسين فهمي من مهرجان كان: السينما المصرية تنهض مرة أخرى    "ملف اليوم" يسلط الضوء على غياب بوتين عن مباحثات السلام مع أوكرانيا بتركيا    6 أبراج تحب الحيوانات.. هل أنت منهم؟    شام الذهبي تحتفل بعيد ميلاد والدتها أصالة نصري ال 56 وتوجه رسالة لها    أمين الفتوى: التجرؤ على إصدار الفتوى بغير علم كبيرة من الكبائر    البحيرة: الكشف على 637 مواطنا من مرضى العيون وتوفير 275 نظارة طبية بقرية واقد بكوم حمادة    استعدادا للامتحانات، أطعمة ومشروبات تساعد الطلاب على التركيز    خبير دولي: روسيا لن تتراجع عن مطالبها في أوكرانيا.. والموارد تلعب دورًا خفيًا    في اتصال مع مبعوث ماكرون.. المنفي: لا تساهل مع من ينتهك وقف إطلاق النار    أتلتيكو مدريد يسقط أمام أوساسونا بثنائية في الدوري الإسباني    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة مطروح لجميع المراحل (رسميًا)    شكرًا للرئيس السيسي.. حسام البدري يروي تفاصيل عودته من ليبيا    إعلان الفائزين بجائزة «المبدع الصغير»    مهرجان العودة السينمائى يُكرّم أحمد ماهر وسميحة أيوب وفردوس عبد الحميد    «ملامح من المنوفية» فى متحف الحضارة    وفد اللجنة الأولمبية يدعم اتحاد الدراجات ويشيد بتنظيم بطولة أفريقيا للمضمار    ما حكم الأذان والإقامة للمنفرد؟.. اعرف رد الإفتاء    هل يجوز الزيادة في الأمور التعبدية؟.. خالد الجندي يوضح    بمشاركة واسعة من المؤسسات.. جامعة سيناء فرع القنطرة تنظم النسخة الثالثة من ملتقى التوظيف    مد الفترة المخصصة للاستديوهات التحليلية في الإذاعة لباقي مباريات الدوري    طريقة عمل القرع العسلي، تحلية لذيذة ومن صنع يديك    دايت من غير حرمان.. 6 خطوات بسيطة لتقليل السعرات الحرارية بدون معاناة    ضبط سيدة تنتحل صفة طبيبة وتدير مركز تجميل في البحيرة    حبس عامل مغسلة 4 أيام بتهمة هتك عرض طفلة في بولاق الدكرور    تعزيز حركة النقل الجوى مع فرنسا وسيراليون    لابيد بعد لقائه نتنياهو: خطوة واحدة تفصلنا عن صفقة التبادل    محافظ الجيزة: عمال مصر الركيزة الأساسية لكل تقدم اقتصادي وتنموي    استعدادًا للصيف.. وزير الكهرباء يراجع خطة تأمين واستدامة التغذية الكهربائية    تحديد فترة غياب مهاجم الزمالك عن الفريق    التأمينات الاجتماعية تقدم بوكيه ورد للفنان عبدالرحمن أبو زهرة تقديرًا لمكانته الفنية والإنسانية    إحالة 3 مفتشين و17 إداريًا في أوقاف بني سويف للتحقيق    تيسير مطر: توجيهات الرئيس السيسى بتطوير التعليم تستهدف إعداد جيل قادر على مواجهة التحديات    الإعدام شنقا لربة منزل والمؤبد لآخر بتهمة قتل زوجها فى التجمع الأول    الأهلي يبحث عن أول بطولة.. مواجهات نصف نهائي كأس مصر للسيدات    تصل ل42.. توقعات حالة الطقس غدا الجمعة 16 مايو.. الأرصاد تحذر: أجواء شديدة الحرارة نهارا    لانتعاش يدوم في الصيف.. 6 إضافات للماء تحارب الجفاف وتمنحك النشاط    موريتانيا.. فتوى رسمية بتحريم تناول الدجاج الوارد من الصين    "الصحة" تفتح تحقيقا عاجلا في واقعة سيارة الإسعاف    أشرف صبحي: توفير مجموعة من البرامج والمشروعات التي تدعم تطلعات الشباب    "الأوقاف" تعلن موضع خطبة الجمعة غدا.. تعرف عليها    رئيس إدارة منطقة الإسماعيلية الأزهرية يتابع امتحانات شهادة القراءات    خطف نجل صديقه وهتك عرضه وقتله.. مفاجآت ودموع وصرخات خلال جلسة الحكم بإعدام مزارع    إزالة 44 حالة تعدٍ بأسوان ضمن المرحلة الأولى من الموجة ال26    فرصة أخيرة قبل الغرامات.. مد مهلة التسوية الضريبية للممولين والمكلفين    شبانة: تحالف بين اتحاد الكرة والرابطة والأندية لإنقاذ الإسماعيلي من الهبوط    فتح باب المشاركة في مسابقتي «المقال النقدي» و«الدراسة النظرية» ب المهرجان القومي للمسرح المصري    جهود لاستخراج جثة ضحية التنقيب عن الآثار ببسيون    وزير الخارجية يشارك في اجتماع آلية التعاون الثلاثي مع وزيري خارجية الأردن والعراق    جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    مؤسسة غزة الإنسانية: إسرائيل توافق على توسيع مواقع توزيع المساعدات لخدمة سكان غزة بالكامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أميرة سيد مكاوى.. أوقاتى بتحلو معاك
نشر في صباح الخير يوم 20 - 09 - 2016

ومن يحبك مثلى يا مولانا العزيز الغالى؟ السؤال الذى تردد فى ذهنى عندما نويت كتابة موضوع عن سيد مكاوى وإجراء حوار مع ابنته «أميرة» فأنا إذا تصادف وسمعت إحدى أغنيات سيد مكاوى فى الراديو.. فهى كفيلة بتحويل حالتى المزاجية أيا كانت إلى الأفضل والأجمل والشعور بالبهجة والسعادة.

السلام على روحك الغالية الطاهرة يامن زرعت البهجة فى أرواحنا، أرواح أجيال أتت بعدك ولكنها التمست فى صوتك الدفء والحب والبهجة فى زمن افتقدنا فيه كل ما يُضيء أرواحنا - اللهم إلا أسباب قليلة للبهجة - أحدها أغانيك، خير إرث لبناتك ولأمة بأكملها تركته لنتذكرك بالخير دائما ولا نستطيع تكريمك وإيفاءك حقك مهما قلنا أو فعلنا، ذهبت للقاء «أميرة سيد مكاوى» التى ورثت بهجة والدها وطاقته الإيجابية وظهر هذا فى تلقائيتها الشديدة وطلتها المحببة إلى القلب، فى جلسة كلها دفء وحنين إلى ماض تمنيت الاقتراب منه وذكريات لرجل له فى قلبى وروحى الكثير.
ذكريات عن الفنان القريب من آل البيت ونشأ فى جوارهم ولم يجد غضاضة فى الجمع بين الفن الهادف ورسالته وبين القرآن والمديح.. ذكريات عن هذا الفيلسوف، قرابة الساعتين قضيتهما مع أميرة سيد مكاوى وحضرة الشيخ سيد مكاوى وذكريات الأب والفنان الذى لم يأت من يملأ فراغه فى الموسيقى ولا فى قلوب بناته أو قلوب محبيه.
• الشيخ سيد مكاوى والبداية
ولد فى 8 مايو عام 8291 فى حارة قبودان فى حى عابدين السيدة زينب بالقرب من حارة السقايين، ولد طفلاً فى أسرة فقيرة، والدته كانت ربة منزل ولا تعمل، أصابه مرض فى عينيه غير معروف حتى الآن وهو عمره عامان ولم يكن هناك علاج معروف وقتها فلجأ أهله إلى الطب الشعبى مما زاد الأمر سوءا، وظل حتى عمر ست سنوات يستطيع تمييز الأضواء إلى أن فقد البصر تدريجيا، وأرسلوه إلى الكُتاب لأن وقتها كان الكتاب وحفظ القرآن هو الملجأ الوحيد لفاقدى البصر لكى يصبح شيخا حافظا للقرآن.
كان الشيخ فى الكُتاب قاسيا فى معاملته معه وكان يضربه بالعصا وكان يتحايل على هذا بوضع مخدة فى ظهره أسفل ملابسه لأن الشيخ أيضا كان فاقد البصر وكان هذا يخفف من الألم، إلى أن ترك هذا الكتاب وذهب إلى كُتاب آخر، وهناك قابل شيخا أحبه وكان السبب فى حفظه للقرآن من هنا تعلم المقامات وبدأ يعمل مقرئا للقرآن وأصبح يصرف على أسرته، ومن ثم بدأ يقترب من الموسيقى بعد تعلم المقامات ويتعلق بها وندهته - على حد قوله - ندهته النداهة، ثم تعرف على الشيخ درويش الحريرى وهو المعلم الأساسى لكل المقرئين الكبار مثل الشيخ زكريا أحمد.
بدأ ينتشر موضوع حبه للمزيكا، ففى إحدى المرات كان يؤذن فى الجامع فسمعوه فى الميكروفون وهو يدندن قبل الأذان والميكروفون مفتوح فكانت مشكلة كبيرة له وقتها وابتعد عن الغناء فترة، ثم بدأ يحفظ أغانى بعد ذلك، والده لم يكن سعيدا بفكرة تعلقه بالغناء ولكن بدأت والدته بمساعدته بشراء أسطوانات له من بائعى الروبابيكيا رغم أن أمه كانت جاهلة بالقراءة والكتابة، إلا أنها لم تكن جاهلة بالحياة وباهتمامات ابنها وموهبته الفطرية، فسمع كل الأغانى التى كانت قبله وحفظها كلها تقريبا، فتشبع بها بشكل كبير، وكان هناك أخوان من أصدقائه عازفين ومهتمين بالموسيقى فدعماه بشكل كبير وبدأ يحترف الموسيقى.
• السيدة زينب
• هل اثرت نشأة سيد مكاوى فى حى السيدة زينب على شخصيته؟
- من استقراءاتى الشخصية أن كل الناشئين فى أحياء شعبية هم أكثر الناس فنا وصدقا، حتى القادمين من القرى وليسوا من أبناء العاصمة، فهم فيهم حميمية وجرأة مختلفة ويكونون أحن، خاصة فى الزمن البسيط الذى يحمل هذه الحميمية والبساطة والفن والإحساس المختلف، وهو بشكل مختلف كان يحمل مشاعر دافئة رغم أنه لم يكن مبصرا إلا أن لديه بصيرة، خاصة لقربه من منطقة بها آل البيت والحضرة والسيدة زينب والمدح ولآخر عمره كان يظل على قرب من هذه المناطق وأهلها وأنا لمسته بشكل شخصى عندما كنت أصحبه فى مكان ما وتتزاحم عليه الناس كان فى منتهى السعادة أن الناس تتزاحم عليه ولم يكن نخبويا رغم ان لديه أصدقاء من النخبة وقتها، ولآخر عمره لديه أصدقاء من هذه المناطق ومن الحرفيين والعمال وأصحاب الورش فى خان الخليلى فالقرب من الناس يشكل فارقا كبيرا فى حياة الناس وهو الأصدق والأبقى ويجعله دائما الأقرب لهم ويجعل لدى الفنان مشاهد وذاكرة مرجعية يعود إليها دائما وتظل فى مخزونه الفكرى ليحولها إلى إبداع، فأنا كنت أجلس بالقرب منه وأستمع إلى حكاياته وذكرياته - وهو كان حكاء عظيما بالمناسبة - كان يحكى لى عن الصنايعية فى خان الخليلى الذين كانوا يمرون لجمع التراب المتبقى من ورش الذهب ويأخذون التراب المستخدم فى الورش ويعيدون نخالته ليبيعوا الذهب المتبقى فيه فكنت أتعجب من هذه الخبرة التى اكتسبها والدقة فى التفاصيل.
• حلم سيد مكاوى الذى لم يتحقق
كان لديه حلم متعلق بمكان نشأته وهو أصبح حلمى أنا الآن وهو أن يأتى من يؤرخ لنداءات البائعين فى مصر فهو كان يرى أن البائعين يغنون أثناء الترويج لبضاعتهم وأصواتهم جميلة والزجل الذى كانوا ينظمونه يحتاج إلى التوثيق، فأنا الآن وأنا أسير فى منطقة شعبية مثل العتبة مثلا لا أستمع إلى نداءات البائعين فهى اختفت ولم تعد بالشكل الفنى والإبداعى الذى كانت عليه قديما بل أصبحوا يسجلون نداءاتهم على فلاشة ويضعونها على مكبرات الصوت ويعيدونها بشكل أوتوماتيكى، فنحن نفتقد الشكل القديم ومع الوقت سيندثر تماما، لذلك نحن فى حاجة إلى توثيق هذا. وكان هذا حلمه خاصة أنه قال إنه تعلم منهم.
• سيد مكاوى والطريق من الغناء إلى التلحين
تقدم للإذاعة كمطرب وليس كملحن وأُجيز فى الإذاعة كمطرب بأغنية بلحن عبدالعظيم محمد، ثم بدأ يعمل كملحن لأغان كان أولها لحن لأغنية للسيدة ليلى مراد أغنية «حكايتنا إحنا الاتنين»، وظل ملحنا لفترة طويلة إلى أن حدث العدوان الثلاثى والنكسة فبدأت تنتشر الحفلات وجمع التبرعات للجيش وبدأ يغنى فى هذه الحفلات ومن هنا تحول من ملحن إلى ملحن ومطرب.
• البهجة فى صوت سيد مكاوى
حين أستمع لأغنية لسيد مكاوى حتى على الراديو أستشعر البهجة فى طبقات صوته وأكاد أراه وهو يبتسم أثناء غنائه.
على مستوى الحياة العادية كان شخصا كارها جدا للنكد وكارهاً للحزن ولا أعلم هذا السبب يعود إلى نشأته البسيطة وإلى ظروفه الصحية المختلفة وفقدانه للبصر أم أنها جزء من تكوينه النفسى أم بسبب تدينه المفرط وقربه من الله وتعمقه فى قراءة القرآن وحالة شبه التصوف وأنه وصل أن «الدنيا مش مستاهلة»، حتى فى أغانيه كانت تحمل البهجة باستثناء أغنية أو اثنتين مثل «الدرس انتهى لمو الكراريس» على مدرسة بحر البقر وأغنية «هنحارب» أثناء النكسة كلمات أستاذ صلاح جاهين.
كان ضحوكا وبساما ويحب الضحك والبهجة والتفاؤل كانت فلسفته فى الحياة ورأى فى حياته ما يكفى أن يقاوم الدنيا بالابتسام والتفاؤل. وانتقاءاته على مدى عمره دليل على هذا، عمله مع فؤاد حداد فهو لحن له ديوانا كاملا اسمه «نور الخيال وصنع الأجيال» وقدماه فى حلقات إذاعية، ففؤاد حداد شخص ليس عاديا ولا شاعرا عاديا وذا مفردات مختلفة، ولكنه فيلسوف، ما الذى يجعل سيد مكاوى كملحن يقرر أن يخوض هذه التجربة رغم أنه قد يكون على علم أنها ليست تجربة تجارية إطلاقا وستنجح مثل أغانيه العاطفية، ما الذى جعله يلحن رباعيات صلاح جاهين وكذلك ألحانه العديدة للمسرح بعيدا عن المسرح التجارى، كان يلحن لى مواد دراسية فى المدرسة ليُسهل على حفظها أيضا، كل هذا يؤكد فلسفته فى الحياة وتحديه مع نفسه أنه يستطيع أن يقدم كل شيء فى كل المجالات وسينجح فيها.
• سيد مكاوى.. الأب
نحن شقيقتان الفرق بيننا حوالى عشر سنوات إيناس شقيقتى تعمل فى جامعة الدول العربية وأمى فنانة ورسامة من دمنهور، خريجة كلية فنون جميلة وكان بينها وبين والدى أصدقاء مشتركون، فذهبت مع أصدقائها لمشاهدة بروفات الليلة الكبيرة وبمجرد التعارف بينهما طلب والدى الزواج منها فوافقت على الفور وكانت بينهما قصة حب جميلة ووالدتى امرأة عظيمة وبالفعل لولاها ما كان وما كنا نحن، كانت تعمل مدرسة رسم ثم التحقت بالاتحاد الاشتراكى وقتها ثم مجلس الشعب وكانت وكيل وزارة لجنة التعليم والبحث العلمى.
حياتنا الأسرية كانت أكثر من بسيطة وكنا كأى أسرة عادية ولكن تصادف أن رب هذه الأسرة يعمل فى وظيفة جعلت منه شخصا مشهورا وكان هذا الاستثناء الوحيد، دون هذا كان تعاملنا داخل وخارج المنزل عاديا جدا، لدرجة أن زميلاتى فى الدراسة كان لديهن تصور عن شكل منزلنا وحياتنا أننا نعيش كالصورة التى تعكسها الأفلام عن حياة الفنانين ومنازلهم وعندما زارتنى إحداهن فى المنزل تفاجأت أننا نعيش حياة عادية ومنزل بسيط مثل كل الأُسر.
وكان معظم أعماله يقوم بها فى مكتبه وليس فى المنزل ولا يمنع أن بعض المقربين له من الوسط الفنى كانوا يتواجدون فى منزلنا بحكم الصداقة مثل أستاذ صلاح جاهين وأستاذ عبدالوهاب محمد، أستاذ حسن فؤاد وأستاذ فؤاد حداد، فمجموعة «صباح الخير» و«روزاليوسف» كانوا هم جزءا كبيرا فى حياته وهو جزء مهم منهم.
كان أبا عظيما توفى وأنا فى الرابعة والعشرين لم أشهده مرة بصوت مرتفع أو حالة غضب، كانت تحدث خلافات كأى أسرة وحين كان يغضب كان يصمت وكان هذا هو العقاب الأشد والأقسى وكان عقابه لى هو أنه لا يتحدث معى وكان هذا أسوأ شيء قد يحدث معى لأنه شخص حنون ويهتم بأدق التفاصيل فى اليوم بداية من نهوضى من النوم والذهاب إلى المدرسة والأكل فإذا لم يتحدث إلى وانقطع كل هذا الاهتمام ولم أتناقش معه فى تفاصيل يومى كان بمثابة أسوأ شيء قد يحدث، أنا كلى وشخصيتى نتاج هذا الشخص و«حتة منه وأحيا به وبتفاصيله»، غير لى نظرتى للأمور وطريقة استيعابى لأدق التفاصيل اليومية فأنا اعتدت مصاحبته فى بعض المشاوير وكان يسألنى «شايفة إيه»؟ فأبدأ فى سرد ووصف ما أراه فبدأت أرى الأشياء بطريقة مختلفة وأرى أشياء لم أشاهدها من قبل كل هذا من خلال التفاصيل وبالتالى إحساسى بالحياة كلها قد تغير والشخوص وغيرها، هو رجل عظيم كنت أتعمد أحيانا أن أسير فى المنزل وأنا مغمضة عينى لأحاول فهم واستيعاب ما يشعر هو به وإلى أى مدى سأتحمل وشعرت وقتها كم هو عظيم أنه يستطيع التكيف مع هذا، والتعامل معك بشكل عادى كأنه يراك، فأنا أحيانا كنت أشك أنه لا يستطيع الرؤية فهو كان يقوم ببعض الأمور بمفرده تماما وإصلاح أعطال ما فى المنزل أو معرفته بوجودى بعد عودتى من المدرسة لدرجة أننى فى مرحلة ما من عمرى كنت أعتقد أنه يرى مثلنا، وجوده فى حياتى ترك بداخلى أشياء كلها جميلة.
• الأقرب لقلبه من أعماله
كان تلميذا نجيبا للشيخ زكريا أحمد وللشيخ سيد درويش وأنا تعلمت منه كيف يكون الإنسان وفياً لأستاذه ويبجله ويحترمه فأنا لم أشاهد أبويا أبدا يغنى فى جلسة خاصة وسهرة إلا وغنى فى البداية أغنية تخص سيد درويش وزكريا أحمد ثم يبدأ فى غناء أغان تخصه هو، وكأنه يقول لنفسه ولغيره «لو عندك أستاذ أذكره أولا ثم تكلم عن نفسك»
لا أعتقد أنه لحن أو غنى إلا ما هو قريب إلى قلبه، ولكن أعتقد أن الأقرب لقلبه هى الأعمال التى قدمها مع فؤاد حداد ومع صلاح جاهين، كل الأغانى التى تتكلم عن مصر وعن الناس هى دائما الأقرب إليه، فهو كان يختار من الفن ما يجعله سعيدا وراضيا ودائما ما يختار الأقرب له، لذلك كان يصل إلى الناس وقلوبهم دون مسافات وكل أعماله كانت صادقة جدا.
وهو كملحن لم يُجهد مطربا فى الغناء بهدف استعراض قدراته بل كل من غنوا له كان صوتهم فيها من أجمل ما يمكن واختار أجمل مناطق صوتية لديهم ليغنوا منها والأغانى التى غناها أعتقد أنه أحبها بشكل كبير.
• هنحارب
هذه الأغنية كانت فى وقت النكسة وكان الناس فى أمس الحاجة إلى ما يرفع الحالة المعنوية السيئة جدا آنذاك فاتفق هو وصلاح جاهين فى يوم على تقديم أغنية فتوجها إلى الإذاعة وعملا على الانتهاء من الأغنية ولكنهما لم يجدا أحدا يغنى أغنيتهما فاستعانا بالسعاة والفراشين ومهندسى الصوت وخرجت الأغنية للنور.
• المسحراتى
هذا العمل هو حالة غريبة، لم تكن تُقدم بسيد مكاوى فى البداية بل كانت برنامجا تقدمه الإذاعة المصرية بعدة ملحنين وعدة مؤلفين فكان لكل حلقة مؤلف وملحن إلى أن جاء الدور على سيد مكاوى وفؤاد حداد وفى درس من دروس الإيثار العظيمة لهذا الجيل أن هذا العمل عُرض على صلاح جاهين ولكنه قال «إزاى تطلبوها منى وفى فؤاد حداد فى الدنيا» فقدمها سيد مكاوى على شاكلة أخرى غير التى قدمها باقى الملحنين فاستعان هو بالطبلة وهى الأداة المميزة جدا للمسحراتى وهى رمزه وقدموها ولاقت استحسانا شديدا جدا وأُسند المسحراتى من وقتها للشيخ سيد مكاوى والشاعر فؤاد حداد، ومن هنا كان هذا العمل المهم جدا جدا والحلقات التى قدمت منه فى التليفزيون ليست مثل ما هو موجود منها فى الإذاعة فى الإذاعة أضعاف وأنا أخشى ما أخشاه أن يُفقد هذا التراث العظيم ويضيع لأن ما فى التليفزيون يبلغ حوالى 06 حلقة من أصل مائة وأكثر، المسحراتى مشاهد كاملة لمصر ولمن يريد أن يرى مصر يستمع إلى المسحراتى.
• الليلة الكبيرة
الليلة الكبيرة توثيق مهم جدا وتخطى كونه عملا مبهجا للأطفال وأصبح توثيقا وتأريخا لجزء مهم من الكيان الثقافى المصرى فنحن جزء كبير من موروثاتنا الثقافية تندثر مثل نداءات البائعين التى أخبرتك عنها والليلة الكبيرة عمل يوثق احتفالنا بالمولد فى مصر الذى يعد موروثا ثقافيا ودينيا مهما جدا شئنا أم أبينا أن المولد والاحتفال به سيختلف خلال العشرين عاما القادمة فالذى كنت أحضره وأنا طفلة غير الذى مازلت حريصة على حضوره حتى الآن، لذلك تظل الليلة الكبيرة توثيقا مهما لما كان عليه المولد قديما ومرجعية لمن يريد التعرف على هذا الطقس. سيد مكاوى قدم أعمالا تخطت قيمتها الفنية ومسألة اللحن الجيد والكلام الرائع لكن أصبح علامة وتوثيقا، مثل اعمال الفنان سيد درويش التى حملت توثيقا لهذا الزمن.
قدم كذلك لمسرح العرائس «الفيل النونو الغلباوى» و«صحصح لما ينجح» والكتكوت الأخضر و«حمار شهاب الدين» وهو على حد قوله كان يقول إن حمار شهاب الدين كان عملا أهم من الليلة الكبيرة.
• الأعمال الدينية.. فلسفة التنوع عند سيد مكاوى
قدم أعمالا دينية عديدة للإذاعة المصرية وقدم أعمالا مع الشيخ محمد عمران، وضع اللحن الشهير لأسماء الله الحسنى وهى بصوت 53 شيخا وهناك تسجيل آخر بصوته مع المشايخ، الخمسة والثلاثون شيخا الذين قدموها كانوا من أهم المشايخ فى مصر وقتها منهم الشيخ محمد عمران والشيخ الفيومى وغيرهما، وهو أول عمله فى الإذاعة المصرية، لحن أعمالا دينية كثيرة كانت جميلة جدا وعذبة وقدم «مولد الهادى» و«حيارى على باب الغفران» للأستاذة ليلى مراد وأدعية رمضانية مع الفنانة وردة، أسماء الله الحسنى أرى أنه لو لم يقدم غيرها فى حياته يكفينى فخرا وشرفا أن يخبرنى أحد أنه حفظها بسببه.
• أجمل أغانيه
أجمل الأغاني والذكريات التي تركها لنا «سيد مكاوي» نعيش عليها، تمنحنا لحظات من التفاؤل والنور والبهجة، طاقة أمل ونور في ظل عصر عبثي مجنون نعيشه، أسمع الأغنية عبر أثير الراديو وأكاد أرى الشيخ «سيد» يبتسم وهو يقول «أوقاتي بتحلو» فكيف لصوت أن يحمل لك بين طبقاته هذه الابتسامة وينقلها إلى وجه المستمع مخترقا كل الحواجز «بينهما»، وبأغانى مثل «عندك شك ف إيه»، «حلوين من يومنا والله»، «وحياتك يا حبيبى»، «ليلة امبارح»، «كده أجمل انسجام»، «يا حلاوة الدنيا». •


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.