أزمة معيشية جديدة تعصف بالمواطن المصرى.. ففى الوقت الذى نعانى فيه كشعب من تبعات الأزمة الاقتصادية الطاحنة وما تخلفه كل يوم من عدم استقرار سعر الدولار وبالتالى غلاء الأسعار وركود كبير فى حركة البيع والشراء؛ طل علينا مجلس الوزراء ليوافق الأسبوع الماضى على زيادة أسعار الدواء الأقل من 30 جنيهًا بنسبة 20%، معللا القرار بكونه فى صالح المريض المصرى، حيث إن «انخفاض أسعار الدواء فى السوق المصرية أدى لاختفاء 4 آلاف صنف دواء؛ لعدم قدرة الشركات على إنتاجها محليًا لارتفاع تكلفتها»... وبإعمال المنطق؛ فإذا كانت الأدوية التى تقل عن 30 جنيها قد زادت بنسبة 20% فمن الطبيعى جدا أن تزيد أسعار جميع الأدوية باهظة الثمن والأخرى التى كنا نأخذها «فوق البيعة» كشريط الريفو مثلا فبعد أن كان سعر الشريط ب 75 قرشا والعلبة ب 15 جنيها أصبح الشريط ب 2.75 قرشا والعلبة ب 55 جنيها أى بمعدل زيادة 400%. تأتى كل هذه القرارات فى الوقت الذى يستعد فيه المواطن نفسه لدخول شهر رمضان الكريم وما يتطلبه من توفير السلع الغذائية «التى طبقت عليها أيضا أسعار تفوق الخيال» وبعدها العيد وبعدها موسم دخول المدارس والجامعات. ويبقى السؤال الملح هل من الذكاء السياسى أن يتم تحميل كاهل المواطن بكل هذه الأعباء باعتبار أن المواطن المصرى «حمول وصبور» أم أننا أمام خطة ممنهجة لطحن المواطن؟! سألنا المواطنين عن هذه الأزمة وكانت تلك ردود أفعالهم. تقول هدير مدحت 29 عاما محاسبة بأحد البنوك الحكومية: «أصبحنا ضحية لمافيا تجارة الأدوية: فرجال الأعمال أصحاب شركات الأدوية بدءوا يستثمرون الأدوية برفع أسعارها معللين ذلك مساهمة منهم فى إلزام الشركات المنتجة لتوفير الأدوية ... وبعد رفع أسعار الدواء؛ أصبح كل بيت مصرى ملزما أن يضع ميزانية خاصة للدواء مثل ميزانية المدارس والمصيف وأشهر رمضان الكريم ولكن الاختلاف الآن أن الدواء ليس من الكماليات التى يمكن الاستغناء عنها.. فعلى الأقل داخل كل بيت مريض بالصداع المزمن أو بالسكر ولو لم يأخذ علاجه بشكل دورى سيحدث له مضاعفات لذلك لابد من وقف التلاعب بأسعار الدواء لأنها بلا شك ستعود بالضرر على المواطن البسيط الذى بالكاد يستطيع أن يوفر قوت يومه.. فعلى سبيل المثال يوجد العديد من الأدوية المتداولة التى لا يتجاوز سعرها الأربعة جنيهات الآن ارتفعت إلى الضعف مثل مرهم «كيناكومب» الذى لا تستغنى عنه أى فتاة فى حقيبتها الشخصية؛ كان يباع بأربعة جنيهات ونصف الان أصبح يباع بتسعة جنيهات ونصف.. هذا بغض النظر عن وجود بعض الصيدليات التى تغالى فى رفع أسعار الدواء بعيدا عن رقابة وزارة الصحة وتضع لافتات مدون عليها «لا نستطيع بيع الأدوية بالأسعار القديمة المخفضة خوفا من المساءلة القانونية»! • أدوية شحيحة: شيرين مدكور (27 عاما) مهندسة وأم لطفلة لا تتجاوز الأربع سنوات وتنتظر قدوم مولودتها الثانية تقول: «من المفترض أننى آخذ مرتين يوميا حقنة اسمها ابيدرون تعمل على اكتمال رئة الجنين، كانت الحقنة ب 2.5 جنيه وبعد الزيادة أصبحت ب 4.5 جنيه.. ليست المشكلة فى الزيادة - إذا وصلت لهذا الحد مقدور عليها- لكن للأسف الحقنة غير متوفرة :يذهب زوجى إلى كبرى الصيدليات كى يصرفوا له هذا الدواء فلم يكن من الصيدلى إلا أن يصرف له إلا علبة واحدة رغم أن زوجى يرى أن الرف يوضع عليه 4 أو 5 عبوات وعندما سأله عن سبب الامتناع عن صرف سوى علبة واحدة يقول الصيدلى إن الشركات التى يورد منها الأدوية للصيدلية ترفض منحه الكميات التى يريدها حتى بعد زيادة أسعار الدواء والسبب أن الشركات أصبحت تنتج الأدوية بكميات شحيحة للغاية وبالتالى فتقلص من حصة كل صيدلية فى الأدوية التى توردها لها.. كذلك «تعذب فى البحث عن دواء للكالسيوم اسمه كالماج ولا أجده وبالمناسبة هو سعره 50 جنيها وأصبح بعد الزيادة 70 جنيها فنحن أصبحنا نعانى من عدم توافر الأدوية علاوة على زيادة أسعارها.. كما أن والدتى - بالمعاش- أصبحت تحمل هم توفير أدوية حساسية الصدر والبخاخات وخلافه.. فهذه الأدوية بطبيعتها غالية تتجاوز ال 70 جنيها أما الآن بعد الزيادة أصبحت تتجاوز المائة جنيه. • المستورد أم المصرى: أما محمود الدسوقى 37 عاما موظف بإحدى الشركات الحكومية يقول: «ابنتى الصغيرة ذات الخمس سنوات تعانى من التهاب حاد فى الشعب الهوائية وعليه قرر الطبيب أن علاج ابنتى يستلزم أخذ كورس علاجى لمدة 6 شهور متواصلة بدواء اسمه «كتاكاست» كان الدواء ب 7 جنيهات للعبوة وكنت بالكاد أستطيع أن أعيش وأدبر الدواء مع مصاريف المنزل.. أما الآن فأنا أعيش كارثة حقيقية فالدواء الذى كنت استغلى ثمنه أصبح غير متوفر وكلما سألت عنه لم أجده وأضطر أن ابتاع المستورد منه الذى يكلفنى 40 جنيها للعبوة... فما العمل كيف لى أن أدبر قوت يومى وفى نفس الوقت أن أنجو بطفلتى من الموت!! الحل من عندك يارب..!! • صيدليات بلا أدوية: نعانى نقصا حادا فى الأدوية.. هكذا قال محمد صلاح طبيب صيدلى بإحدى الصيدليات الخاصة ويستطرد قائلا: «كما أن هناك أيضا أكثر من 300 صنف لا بديل له محليا مثل تلك الأدوية التى يأخذها المرضى الذين قاموا بعمليات زرع الكلى أو الكبد.. وهناك نقص حوالى 4000 نوع من الأدوية وخاصة ألبان الأطفال المدعمة التى يتم صرفها أول الشهر فقط وبكميات قليلة، حيث إن هناك فئة كبيرة من الناس ليس لديها إمكانية دفع مبالغ كبيرة فإذا كان لديه فرصة دفع لبن الأطفال المدعم من 18 جنيها حتى 22 جنيها فلن يكون قطعا لديه إمكانية دفع من 53 جنيها إلى 70 جنيها للعبوة الواحدة.. ونحن على أمل أن تعود الشركات المنتجة للأدوية للعمل بكامل طاقتها فالفرصة الآن أصبحت سانحة لهم بعد زيادة أسعار الأدوية وبذلك تعود سوق الدواء للانتعاش بعد كل هذا الركود خاصة أن الدكتور أحمد العزبى رئيس غرفة صناعة الدواء، قد حذر من دخول مصر فى أزمة كبيرة بسبب النقص الحاد فى الأدوية قائلا إحنا داخلين على مصيبة وربنا مع المريض لأن الحكومة مش مستوعبة فهناك اختفاء فى أدوية الغسيل الكلوى والتجلط ونقص المناعة. • عزوف تام: أما مروان طاهر - 29 عاما طبيب صيدلى بإحدى صيدليات منطقة السيدة زينب يصف المشهد قائلا: «بعد تطبيق الزيادة فى أسعار الدواء أصبحنا نرى مشاهد موجعة للغاية»: يدخل علينا رجل بالمعاش ويطلب دواء الضغط الخاص به وعندما يأتى عند الخزينة كى يدفع لا يجد فى جيبه ما يكمل بقية الحساب.. فنضطر بشكل إنسانى أن نطلب منه أن يحضر بقية المبلغ المستحق فى أى وقت وندفع نحن الباقى من جيوبنا.. تدخل علينا أيضا امرأة لتبتاع أدوية السكر لزوجها وأدوية حساسية خاصة بها فعندما تجد المبلغ مبالغا فيه فتتنازل عن أدويتها فى مقابل أدوية زوجها.. حالات عديدة عندما تجد الأدوية المصرية غير متوفرة فنعرض عليها المادة الفعالة من الدواء المستورد ترفض من الأساس وتخرج رافضة شراء الدواء لأنه غال وميزانيتها لا تسمح... فالحقيقة نحن نتأثر بما نراه ولا شيء بإمكاننا فعله سوى أن نصبر لعل الله يغير الحال إلى الأفضل. •