الدكتور هانى الكاتب.. إنسان يملك تواضع العشب.. وقامة النخيل.. وقيمة علمية رفيعة المستوى كشجرة مثمرة وارفة الظلال.. نادته الغابات منذ سنوات بعيدة.. فلبى النداء لتفتح له أبواب عالمها السحرى ليكتشف ويبدع من خلالها وتصبح الغابات هى (مشروع العمر) ويصبح هو خبيرا وعالما مرموقا فى هذا المجال على مستوى العالم يعيش فى ألمانيا منذ 42 عاما بعد تخرجه فى كلية الزراعة جامعة الإسكندرية ويطوف حول قارات العالم حلا لمشاكل الغابات.. ويساهم حاليا بعلمه وخبرته فى مشروع عن (تحسين التعليم والأبحاث فى مجال الموارد المالية) بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى وبمنحة من ألمانيا.. منذ شهور اختير كعضو فى المجلس العلمى الاستشارى لرئيس الجمهورية كمستشار للشئون الزراعية فلم يشغل باله أن يسأل (لماذا اختير فى هذا المنصب المرموق ؟) بقدر ما أصبح مهموما ب(كيفية المساعدة فى خدمة الوطن ؟). معجب إلى حد الانبهار بابتسامة (عبدالصبور) ذلك الموظف الأسوانى البشوش الذى يعمل فى الفندق الذى يقع على ضفاف النيل فى الأقصر، حيث كان يقيم د. هانى فى زيارته الأخيرة لمصر.. ويرى أن ابتسامة (عبدالصبور) الودودة تمنحه طاقة إيجابية عظيمة يفتقدها بشدة عندما يغيب عن مصر.. وفى مدينة الأقصر الساحرة.. كان هذا الحوار الذى حاولنا من خلاله أن نبحر فى عوالم ذلك الإنسان السكندرى.. خبير علم الغابات وتنمية الموارد الطبيعية.. مستشار السيد الرئيس الدكتور هانى الكاتب. • لا أعرف إلا العلم! • من هو دكتور هانى الكاتب (العالم.. والإنسان) فى سطور ؟ - أنا من الإسكندرية درست فى كلية الزراعة جامعة الإسكندرية وسافرت عام 1973 إلى ألمانيا وبدأت أشتغل فى جامعة ميونخ فى مجال الغابات ثم درست إحصاء وكمبيوتر.. وهناك مشاريع كثيرة أشرف عليها فى كل قارات العالم خاصة بالغابات وإدارة الموارد وأحاول حاليا أن أساعد مصر فى مجال تنمية الموارد.. ومتزوج وعندى أبناء وحياتى كلها علمية وعملية وأعمل من 18- 19 ساعة يوميا ولا أعرف سوى العمل والكفاح ولا شيء آخر.. لم يكن هناك سبب محدد لاختيارى ألمانيا وتحديدا ميونخ سوى أننى فى عام 1972 سافرت أتفرج على الأوليمبياد فى ميونخ وعندما قررت عام 1973 أن أستكمل دراستى العليا فى الخارج سافرت إلى ميونخ.. لم تكن الأمور يسيرة مثلما هى الآن فألمانيا ترحب بالشباب المتفوق وتقدم له تسهيلات كثيرة فى الجامعات الألمانية ويمكن لأى شاب الآن أن يضبط أموره هناك حتى قبل سفره وهذا لم يكن متاحا منذ أربعين عاما - على أيامى.. • وهل دراسة الغابات والتخصص فى هذا المجال بالتحديد أنت من اختاره أم هو الذى اختارك ؟! - نستطيع أن نقول إن الغابات هى التى اختارتنى.. فقد كان هناك عقد فى الجامعة لمدة سنة لدراسة الزراعة ودرست علم الإحصاء.. والكمبيوتر.. وكان الدارسون له عددهم قليل جدا فى الجامعة فى ذلك الحين ثم بدأت دراسة الغابات ليتغير مجرى حياتى من الزراعة للغابات.. وتصبح هى مشروع العمر وبدراستى وتخصصى فى مجال الغابات أدركت أهمية النظم الطبيعية، حيث تلعب الغابات دورا مهما جدا فى الزراعة. فالغابات عالم متكامل فيه المياه والأراضى.. والطاقة ولا يمكن إغفال جزء من الكل. ولقد عملت فى جميع قارات العالم واكتسبت خبرات مهمة فى هذا المجال وخبرتى هذه تركت بصمتها على شخصيتى وتفكيرى.. فلو تمعنا فى النظم الطبيعية لن نقول سوى (سبحان الله) فما كل هذه العظمة ؟! وهذه الدقة ؟! • الغابات ضرورة.. وعلاج • هل وجود غابات فى مصر ضرورة أم هو نوع من الرفاهية لا يتحملها واقعنا الآن ؟ - أشكرك جدا على هذا السؤال الجيد.. والإجابة المحددة عنه هى أن الغابات ضرورية جدا وليست رفاهية وسأوضح لك أسباب ذلك تفصيلا.. فقد يرى البعض الغابات مجرد مناطق جميلة خضراء.. وأن من حقنا أن نستمتع بمساحة خضراء فى بلادنا، لكن الغابات ليست هذا فقط.. فوجود الغابات يقلل من الانبعاثات الحرارية وثانى أكسيد الكربون.. كما أن الأشجار بالغابات تحمى الزراعات من أضرار الأتربة والرياح، وبالتالى يزيد الإنتاج الزراعى كذلك فإننا من خلال الغابات يمكننا إنتاج الأخشاب، وبالتالى نوفر الوقود الحيوى.. كما أن الغابات تساعد فى عدم تجريف الأراضى وتزايد التصحر.. وبالنسبة للظروف المناخية فى مصر فإن وجود الرياح والأتربة يسبب لنا أضرارا كثيرة.. كما أن المناطق الزراعية يمكن حمايتها بالأشجار.. وهناك معلومة قد لا يعلمها كثيرون بأن أول مؤسسة علمية للغابات فى العالم كانت فى مصر منذ أكثر من ألف سنة وذلك فى العصر الفاطمى. حيث كانت 50-60% من مساحة مصر خضراء. أما حاليا فالمساحة المنزرعة فى مصر لا تتجاوز 6.3% وتتركز على ضفاف النيل.. وعندما نزرع الغابات فهذا يؤثر على تغير التربة.. المناخ والبكتيريا وحتى الطيور والكائنات الدقيقة.. • معنى هذا أن الغابات من الممكن أن تكون وسيلة علاج لمشاكل البيئة؟ - فعلا هذا صحيح والغابات أنواع.. ووظيفتها تختلف على حسب نوعها.. وكذلك المشكلات التى تعانى منها الغابات تختلف من منطقة لأخرى.. فمثلا فى الصين قررنا عمل غابات فى المناطق الجبلية لحمايتها من التجرف ولحماية القرى الواقعة تحت هذه المناطق الجبلية التى تعانى كثيرا عند سقوط الأمطار.. أما الغابات فى مصر فأهمية التشجير هو تثبيت الكثبان الرملية المتحركة التى تمثل 18% من مساحة مصر وهذه الكثبان إذا لم يتم تثبيتها بالأشجار من الممكن أن تزحف على الأراضى الزراعية وبالتالى يزداد التصحر وهكذا تختلف الغابات وتختلف نوعية الأشجار.. وبالتالى يتنوع الهدف من إنشائها وحاليا المشروع المشترك بين مصر وألمانيا يسعى لتحسين التعليم والأبحاث فى مجال الموارد المائية والأبحاث.. ونحن نقوم بتدريب الزملاء ونعطيهم الخبرة اللازمة لإنشاء الغابات فى مصر، وذلك من خلال 3 نماذج فى الإسماعيليةوالأقصر والغردقة، هذا بخلاف أن مصر لديها 36 منطقة مزروعة بالغابات، حيث مناطق تجميع مياه الصرف الصحى قرب المدن، وحيث تتم زراعة الأشجار الخشبية المروية بمياه الصرف الصحى. أما المشروع المصرى - الألمانى فهو بالتعاون مع وزارة الزراعة وأكاديمية البحث العلمى وقد بدأ المشروع عام 2012 وكان من المفترض أن ينتهى فى عام 2014 لكننا استطعنا أن نمد المشروع لعامين آخرين حتى نستكمله وليحقق نتائج أفضل تضمن استمراريته. • المشروع الأهم • وهل كانت الغابات وخبرتك الدولية هما جواز المرور للمجلس الاستشارى لرئيس الجمهورية ؟! - صدقينى أنا لا أعرف سبب الاختيار.. لكن ما يهمنى أن نساعد فى تنمية بلدنا ونقدم الاستشارات الصحيحة الدقيقة للسيد الرئيس ونسخر خبراتنا ومعلوماتنا فيما يفيد مصر. • إذا ما هو المجال.. والمشروع الذى ترى أنك يمكن أن تساهم من خلاله فى دعم وطنك؟ - أعتقد أن المشروع الأهم هو استخدام الموارد بطريقة صحيحة ومصر تملك موارد عظيمة سواء موارد طبيعية (الشمس -مياه البحر - الصحراء) وكذلك الموارد البشرية. ويمكننا من خلال الشمس والرياح الحصول على الطاقة وبواسطتها يمكننا تحلية مياه البحر، فمصر تمتلك سواحل بحرية تقدر ب 2499 كم 2 وهذه المياه المحلاة يمكن استخدامها فى تعمير الصحراء وبناء مدن جديدة.. ويمكننا كذلك أن ندمج الغابات مع الزراعة لنحقق أكبر فائدة ممكنة من الأراضى المنزرعة. أما الموارد البشرية.. فنحن نملك ثروة عظيمة لكننا نحتاج إلى رفع درجة وعيهم.. والأهم تحسين التعليم حتى ندعم العنصر البشرى بشكل كافٍ.. فأحيانا بعض الناس الذين لديهم إمكانات ومزايا يمكن الاستفادة بها ولكنهم للأسف لا يحبون عملهم، وبالتالى لا يتقنون ولا يملكون رؤية للتطوير والتجديد.. وبالتالى فالمنظومة كلها تفسد.. نحن لابد من أن تكون لدينا رؤية وأمل، وللأسف هذا غير موجود حاليا لدى كثيرين نتيجة شعورهم بالإحباط.. وبصراحة المسئولية تقع على الجيل (بتاعى) فنحن لابد أن نعطى للشباب الفرصة، ويجب كذلك على الإعلام أن يشجع الشباب ويدفعه إلى التنمية بدلا من تكريس اللا مبالاة.. وتشويش الأفكار.. • ومن أين نبدأ ؟! - التعليم ثم التعليم ثم التعليم.. ولا أقصد بالتعليم المناهج العلمية فقط.. ولكن أيضا الثقافة والفن والرياضة.. أتذكر أننى كنت فى مدرسة بها ملاعب جميلة جدا.. فين ده دلوقتى؟! لابد أن يحدث تكامل حتى نفرز شخصية متكاملة.. فالتعليم هو أساس تحسين الموارد البشرية.. وإذا ما حدث خلل ما به لابد أن نعالجه فورا ونتدارك الموقف.. وهذا ما حدث فى ألمانيا بالفعل.. واستطاعوا تداركه أما نحن فقد تراكمت الأخطاء بلا علاج.. ونحن فى المجلس الاستشارى يؤرقنا جميعا كيفية تحسين منظومة التعليم.. خاصة التعليم الحكومى الذى يخدم العدد الأكبر من الطلبة، وهم ما نحتاج إليهم فى نهضة الوطن.. كذلك لابد من تحسين التعليم الفنى، ففى الخارج لا يستطيع أى شخص أن يعمل سباكا أو كهربائيا إلا إذا كان يحمل شهادة تسمح له بممارسة هذه المهن بمهارة.. وبدون هذه الشهاة لا يستطيع العمل لذا فإن بداية الإصلاح لابد من التعليم.. والتعليم المتطور.. والمتكامل. • إهدار الموارد • ماذا تحمل فى ذكرياتك عن مصر؟ وكيف تراها الآن ؟ - ذاكرتى تحمل أشياء كثيرة عن مصر الجميلة.. يعنى أنا حينما كنت شابا أعيش فى الإسكندرية وأحب أن أسافر إلى سيدى عبدالرحمن أو إلى مرسى مطروح.. كنت أرى جمال الساحل الشمالى وعظمة هذا الساحل.. الآن أصبحت لا أرى البحر بل أرى قرى سياحية.. وهذا شيء محزن جدا.. لأن هذا ليس تعميرا بل هو إهدار تام للموارد. فالمفروض أننى أبنى «أفقى وليس رأسى».. وبالتالى لا آخذ كل هذه المساحة.. فهذا (حق أيكولوجى) للجميع.. فمن حقنا جميعا أن نرى البحر ونستمتع به لا أن تحجبه القرى وكثير منها قبيح جدا، بالإضافة إلى أنها قرى مستهلكة وليست منتجة للأسف القبح أصبح أمرا واقعا لدرجة أنه ليس لدينا مدينة واحدة مخططة صح.. ومفيش مدينة جميلة أو عندما نزورها نقول عليها (إيه التخطيط الجميل ده ؟!) وأقصد بالتخطيط أن تحظى مبانيها بإضاءة طبيعية.. وتهوية طبيعية.. وتدفئة طبيعية.. • سرقة المستقبل! • ماذا تقصد بالحق الأيكولوجى؟ - المقصود به أن الموارد الموجودة فى العالم كله محدودة، وليس من حقنا أن نستخدم ونستغل هذه الموارد التى تكونت على مدار آلاف السنين لخدمة جيل واحد بينما الأجيال القادمة لا تجد ما يمكن أن تنتفع به.. نحن للأسف (بنسرق المستقبل.. ونبيعه فى الحاضر) وهذه مقولة (بول هوكن) وأنا متفق معه فيها تماما وهذا للأسف لا يقتصر على دولة واحدة بل هذا تعامل الإنسان بصفة عامة على وجه الأرض فبدلا من أن يحافظ على الموارد الطبيعية يسيء إليها.. ويستنزفها بدلا من استخدامها بشكل مستدام.. فالحضارة الإنسانية معتمدة على توافر الموارد بينما العالم كله الآن يستهلك أكثر مما تتحمله الموارد المتاحة على الكرة الأرضية ولابد من أن نغير سلوكنا وإلا فالإنسانية كلها مهددة بالفناء. • وماذا ترصد فى مصر عن سوء إدارة واستخدام مواردنا الطبيعية؟! وتعتبره استنزافاً مدمراً لثرواتنا؟ -استنزاف المياه.. فرغم أننا نعانى من الفقر المائى فإن طرق استخدامنا للمياه مهلكة.. وفظيعة.. كذلك الطاقة.. فبناء البيوت فى مصر لدرجة أنها (لازقة فى بعض) يجعلنا نفرط فى استخدام الطاقة لأن الضوء لا يدخلها وسبل التهوية الطبيعية فيها غير متاحة. بالإضافة إلى المخلفات.. استحالة أن تكون شوارع مصر بهذا الشكل.. المخلفات مورد مهم كيف نهدره بهذا الشكل لابد من إعادة تدويرها.. • د. هانى الكاتب أنت مغرم بالطبيعة فماذا تمثل لك؟ - أنا باحترم كل شىء من خلق الله.. وبأشعر بجمال كل شىء فى الطبيعة.. أحترم الطوبة فى الأرض.. وأعجب بجمال الطماطم، الطبيعة منحتنا أشياء جميلة جدا فكيف كإنسان لا أحافظ على هذه الطبيعة وأحترم أى شىء مهما كان صغيرا أو بسيطا فيها.. الطبيعة علمتنى الجودة.. والإتقان، ولكن للأسف كثير منا نسى الجودة كما نسينا الفن. • هل ترى الفرصة سانحة والأمل متاحا؟! - أنا باشتغل 18-19 ساعة متواصلة يوميا.. إذا لم يكن هناك أمل أشتغل ليه.. وعايز أقول للشباب هناك أمل بالفعل ومصر ستكون بلدا جميلا بكم. نحن فعلا نعانى من تراكم هائل فى المشاكل.. لكنها قابلة للحل لأننا نملك من الموارد الكثير مثل الغابات التى نزرعها فى مصر حاليا ومعدل النمو يفوق معدل نموها فى ألمانيا 4 أضعاف ونصف، وذلك لأن الشمس فى مصر تساعد على سرعة النمو، بالإضافة إلى أن استفادة هذه الأشجار والغابات من المواد الغذائية الناتجة من استخدام الصرف الصحى تساعد أيضا فى سرعة نموها. ونحن الآن نقوم بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى بمراجعة كل الأبحاث التى تمت ولم يستعن بها لنضعها فى حيز التنفيذ خاصة فيما يرتبط بتحلية مياه البحر أو فى المجال الزراعى.. وسنعمل كلنا مع بعضنا لنفتح الأبواب أمام كل مبتكر ومتطوع.. وباحث لتستفيد مصر من علمه بشكل عملى.. وسأتابع هذا من خلال زياراتى المتكررة لمصر (كل شهرين تقريبا باكون فى مصر) لمتابعة مشروع الغابات، وأيضا بناء المدن الخضراء التى تتداخل فيها الأنشطة الزراعية المتنوعة ومختلفة الارتفاع مع الأشجار والغابات حتى يمكن الاستثمار بشكل صحيح وعلمى للموارد الطبيعية دون إهدارها أو استنزافها. •