الشاعر الغنائى «عزت الجندى» صاحب مشوار كبير من الأغانى والكتابة للدراما، ولكنه لم ينكر أن هناك علامات مميزة فى مشواره، منها أول أغنية غناها له كارم محمود من خلال الإذاعة المصرية، وأغنية «لولاكى» التى كانت نقلة نوعية فى شكل الأغانى واتجاهًا لاستخدام مفردات غير معتادة، وكذلك «سيدى وصالك» التى غنتها أنغام، عن ذلك المشوار وعن مشاكل جمعية المؤلفين والملحنين تحدث إلى «صباح الخير». عن البداية وفضل الإذاعة المصرية يقول عزت الجندي: أعتبر البداية الحقيقية منذ أول عمل قمت بكتابته، وكان هذا العمل الذى قدمته الإذاعة بعنوان «مصر كل شيء» وغناها كارم محمود، وأنا لم أكن أعرفه وقتها ولتوى كنت قادما من الصعيد - المنيا - وكان عمرى حوالى 22 سنة، كتبت الأغنية وقدمتها للجنة نصوص الإذاعة كما كان متعارفا وقتها، وأجازت اللجنة الأغنية وكانت إدارة الغناء برئاسة الأستاذ عبدالرحيم نويرة، وكانت الأغنية من نصيب كارم محمود، فكانت الإذاعة بعد أن تجيز الأغنية توفر لها المطرب والملحن المناسبين والاستوديو لتسجيلها، ولم أكتف بها وقدمت أغنية أخرى بعدها مع كارم محمود من خلال الإذاعة أيضا وغنى لى أيضا أغانى من إنتاج الإذاعة الليبية. الإذاعة كانت أشبه بجامعة شعبية تربى أجيالا متلاحقة، وتنتقى فنانين وملحنين، وأى أغنية تمر على لجنة من كبار الفنانين لتقييمها وتحديد ما إذا كانت تصلح أم لا، فى الثمانينيات بدأ دور الإذاعة فى التقلص، وهذا من سوء حظ فنانى هذا العصر، لأنها صعبت الأمور عليهم وهذا أسهم أيضا فى تدهور حال الأغنية وخضوعها لمعايير سوق الكاسيت المتعلقة بالمكسب والخسارة، وبدأت المعايير تختلف فأصبح المقياس «اللى يبيع أكثر» ومتطلبات الناس فى الشارع ومن هنا بدأ الانحدار فى الفكرة والتعبير! وأصبح أى فنان يعتمد على حصده الذاتى.. لم يعد لدينا المؤسسة التى تصنع النجم أو الفنان وتُشكل موهبته وتُصقلها، وبدأت الإذاعة بالتخلى عن الإنتاج واكتفت بالمناسبات الدينية والوطنية. • برامج اكتشاف المواهب، ألا تقوم الآن بالدور المؤسسى لصناعة النجم ودعمه؟ - هذه البرامج هدفها فقط الshow الإعلامى والربح الذى يعود على القناة ليس إلا، والدليل هو أين النجوم الذين خرجوا منها وماذا قدمت لهم بعد فوزهم بتلك الألقاب؟! • «ياسين» خارج الإذاعة.. كانت أول أغنية أقدمها هى «ياسين» مع الفنان محمد العزبى، واشتهرت باسم «بهية وياسين» لارتباطها بالأسطورة، وبعدها أغنية «غدار طبع الهوا» و«يريد الله» مع عماد عبدالحليم و«على فكرة» و«على سهوة» مع عمر فتحى، وكانت شكلا جديدا ومختلفا. • من أغانيك، ما هى الأغانى التى تعتبرها نقاطا فاصلة؟ - «سيدى وصالك» و«عمرى معاك» مع أنغام رغم أننى لم أكن أتوقع الصدى الذى حققته، وقصتها غريبة، فأثناء وجودى فى سقارة لاستكمال مسلسل «الهودج» الذى قمت بكتابة السيناريو والحوار الخاص به، وجدت ملحناً شابا عرفنى بنفسه عرض على لحنا لأسمعه، وبالفعل كتبت «سيدى وصالك زاد عليا حنينى، زادنى دلالك عشق وأنت ناسينى» وعرفت فيما بعد أن أنغام هى التى أرسلت إلى الملحن ليعرض عليا اللحن دون أن تكلمنى هى بشكل مباشر، رغم أن هذا لم يكن التعاون الأول لى معها، وقالت له بعد سماعها للحن (مفيش حد هيعملك كلمات اللحن ده فى مصر غير عزت الجندى)، وحملت الأغنية بعض المصطلحات الخاصة بلهجة القبائل العربية، فلكل منطقة مفردات خاصة بها واحتوت الأغنية على بعض هذه المفردات وأعتقد أن هذا سبب تميزها. • «لولاكى» وهجوم مفاجئ • لولاكى مرحلة مهمة جدا ونقلة نوعية فى شكل الأغنية ولكنك هوجمت عليها هجوما شديدا. - لولاكى أغنية كانت مكتوبة بكلمات جميلة جدا ولحن جميل جدا وتنفيذ جميل جدا.. ولكن ما شكل حالة تعجب للناس وسبب الهجوم وقتها، هو شكل المطرب على الغلاف، بالإضافة إلى الصوت واللهجة المختلفة عليهم رغم أن صوت على جبلى ومميز جدا وقبل لولاكى كان معتمدا كمطرب فى الإذاعة، وكنا تقابلنا ذات يوم على العشاء فى منزله مع على سامى الحفناوى، وأسمعتها كلمات أغنية (لولاكى ماغنيت ولا هزت الأنغام كيانى، لولاكى ما مشيت خطوة ولا رديت مكانى، ما إنتى إللى قلبى عليه ما خلانى رقدت الليل) هذه كانت مقطوعة شعر فى برنامج إذاعى كنت أقوم بكتابته اسمه «بكره يبتدى النهار» فقال لى سامى الحفناوى إن كلمة «لولاكى» لم يلحنها من قبل ويريد أن يلحنها وأمسك بالعود وبدأ فى تلحينها، وكتبنا الأغنية وأكملناها قبل الغداء - المبكبكة الليبى والحمام - الذى طبخه «على حميدة»، ونزلت الأغنية ولم يكن فى بالنا أن تحقق هذا التأثير وتخلق هذه الحالة من الجدل أبدا، لدرجة أنى وسامى الحفناوى ملحنها أثناء سيرنا فى الشارع لم نكن نصدق ردود الفعل للناس فى الشارع وباعت أكثر من 50 أو 60 مليون نسخة. هى خلقت نقلة فى الغناء، خاصة لنزولها فى فترة بعد رحيل العظماء وبزوغ نجم جيل جديد مثل على الحجار ومحمد الحلو ومحمد ثروت وهانى شاكر، فجاءت لولاكى بشكل جديد وخط مختلف وكلمات ولهجة مختلفين ولفتت الأنظار ناحية الصحراء ولهجة البدو. قدمنا بعدها شريطا اسمه «كونى ليَّ» ونجحت شرائط كثيرة لعلى حميدة بعدها ولكنها لم تحقق نفس الصدى مقارنة ب «لولاكى». • الأغانى المكتوبة بالعامية.. لماذا تكون أقرب للناس وتخلق هذه الحالة؟ - بالتأكيد لأنها لهجة الناس والقريبة منهم ومن آذانهم، ولكن أيضا الأغنية المكتوبة بالفصحى تتعلق بها النفس كالأطلال على سبيل المثال، فالمهم هو العمل الجيد الذى يصل بمضمونه إلى قلوب الناس والفكرة والمضمون هما الأساس. • نعيش فى عصر سريع وإيقاعه لاهث، هل لدى الناس الصبر والوقت لسماع أغانى طربية وقصائد؟ - المسألة أعتقد أنها طبقية إلى حد ما، ففى المرحلة ما بين 67 و73، كانت طبقة العاملين فى المهن الحرفية وغير المتعلمين لهم لغة وأسلوب تعبير وعندما يجد أغنية قريبة من فهمه ومن لهجته يحبها ويتعلق بمطربها الذى يراه يشبهه وهكذا، ولكن الطرب مازلنا نحتاج إليه ونهرب معه من إيقاع الحياة، والدليل أن الناس مازالت تستمع إلى أغانى أم كلثوم التى تمتد إلى ساعات. • بمناسبة أم كلثوم واختلاف الأجيال، هل نعانى من انفصال بين الأجيال؟ - لا أعتقد أن هناك فجوة أو انفصالا بين الأجيال، ولكن أرى أن الأجيال تمتزج، ولعل ما تقولينه ينطبق على أجيال من المطربين الرجال.. اللهم إلا نماذج قليلة ولكن بالنسبة للأصوات النسائية لدينا مى فاروق وريهام عبدالحكيم وأنغام، وآمال ماهر، ومن الأشياء الطريفة التى أقولها إننا لدينا فجوة فى أجيال المطربين ولاعبى الكرة، فالمشكلة تكمن فى أن بعضهم يصدم بالنجومية المبكرة ولا يستوعبها ولا يستوعب مسئوليتها.. فيفلت زمامه ويضيع مستقبله ولدينا نماذج كثيرة على هذا من نجوم سواء الغناء أو الكرة، سطعوا مبكرا وخفت نجمهم سريعا. • ظاهرة الكلمات السوقية فى الأغانى خاصة أغانى الأفلام بمبرر أنها القريبة من الناس والشارع؟ - لا، الناس لا تريد هذه السوقية والابتذال، كما أن هناك فرقا بين اللغة العامية التى يتحدثها الناس والقريبة منهم وبين المفردات السوقية، وهذه ظاهرة مؤقتة وستنتهى وعمرها قصير، لأنها مرتبطة بمنتج فى مفهومه الشخصى وتركيبته الشخصية أنه سيقدم فيلماً يقدم جوا يحبه ويعيشه فى مكان ما ومتضمن الراقصة والمطرب الشعبى يريد أن يقدمه على الشاشة ويوقع عليه باسمه ظنا منه أن هذا هو الذوق العام. وتجد هذه التركيبة قبولا عند طبقة معينة ومن على شاكلته فى المجتمع فينجح لفترة قصيرة وينتهى وتذاع الأغنية لشهر أو اثنين وتنتهى من الذاكرة للأبد. • كشاعر غنائى، بماذا تشعر بعد سماع هذه النوعية من الأغانى والكلمات؟ - أشعر «بالقرف». • كعضو فى مجلس إدارة جمعية الشعراء والملحنين.. ما هى أبرز المشاكل التى تواجهها الجمعية؟ الجمعية كانت مؤسسة بدأت حوالى عام 44 لحق المؤلف وكان اسمها «المكتب المصرى لحق المؤلف» وفى عام 56، المؤلفون المصريون احتلوا مقرها، فأصبحت جمعية المؤلفين والملحنين والمكتب المصرى لحق المؤلف، ونقوم بأخذ تحصيلات من الإذاعة والتليفزيون والمؤسسات لحق المؤلف، وفى بلاد الشرق تكمن مشكلتنا أننا لا نحب أن ندفع، ولكن نحب أن نقبض وهنا تتمثل مشكلة الجمعية، فهناك قنوات تدفع مقابل الأداء العلنى مقابل ما تبثه من أغان على شاشتها، فى حين أن هناك قنوات أخرى، نضطر لرفع قضايا عليها لتحصيل تلك المبالغ، كما أن هناك بعض المشاكل نتيجة اشتباه سرقة لحن أو اقتباس ما كما حدث مع ابنة الملحن «عبدالعظيم محمد» التى قدمت شكوى ضد الملحن مصطفى كامل لتشابهها مع أغنية والدها «هل البدر بدرى» التى غنتها شريفة فاضل، وأقمنا لجنة للتظلمات، فيما عدا ذلك فإن المطربين يأخذون الإذن من أسر شعراء وملحنين قدامى لإعادة تقديم الأغنية فلا يحدث أى مشاكل! •