فى أثناء رحلة بحثى عن هدية لأمى ولحماتى هذا العام، تبادر إلى ذهنى تساؤل: هل من الممكن أن أعطيهما الفلوس لتختارا الهدايا التى تناسبهما.. كما يفعل معى أولادى؟! ثم طردت الفكرة فوراً من رأسى بعد أن رن صوت أمى وحماتى الغاضبتين معاً فى رأسى: «خلاص مش فاضية تجيبيلنا هدية.. خلى فلوسك معاكى».. وقلت لنفسى: «اشمعنى أنا بجيب هديتى لنفسى»؟! ولكنى أدركت الفارق الكبير بين جيلينا، فأغنية الرائعة فايزة أحمد «ست الحبايب يا حبيبة.. يا أغلى من روحى ودمى».. بأجوائها الرقيقة الجميلة ومشاعر الحنية المرهفة التى ينطق بها هذا اللحن الرائع، كانت تشبه إحساسنا ونحن أطفال في شهر مارس عندما يأتى عيد الأم، وبالرغم من عشرات السنين التى كانت تفصلنا نحن مواليد السبعينيات والثمانينيات عن هذه الأغنية الأبيض والأسود إلا أنها كانت تمسنا وتؤثر فينا كلما ترددت فى التليفزيون فى هذا الشهر، فنعصر مخنا لنتذكر كل تفصيلة ترشدنا لشىء حلمت به أمنا يوماً أو أبدت إعجابها به لنفرحها به فى عيدها ونغنى لها فى حفلة المدرسة «صباح الخير يا مولاتى». ونفتح حصالاتنا ونشترى بما ادخرناه هديتها.. هااا...أياااااااام! أمهاتنا أيضاً كن يفرحن بأى شىء حتى لو بسيط جداً، ويرونه أغلى من الدنيا وما فيها ويوصلن لنا هذا الإحساس، بل يهتممن بالكارت وما نكتبه فيه، وأمى الجميلة تحتفظ بهذه الكروت وتقرأها لأولادى اليوم.. أيضاً.. أيااااام. فأين أولادنا اليوم من هذه المشاعر والأحاسيس؟ وأين نحن أمهات اليوم من هذا الرضا والسعادة بهدايا أولادنا؟! فأى أم اليوم تنزل مثلى لتشترى هدية لأمها، وباليد الأخرى تشترى هدية لنفسها بعد أن أعطاها أولادها الفلوس، التى أخذوها من أبوهم.. ويقف دورهم عند ذلك، فتشترى هى ما تريده، وما تحتاجه.. وعلى رأى الجيل الجديد «فكك من جو عيد الأم والكلام دا.. وخدى الفلوس وهاتى حاجة تعجبك ..» ولأكون منصفة فقد حاول أولادى شراء هدايا لى فى الأعوام السابقة، ولكن عن نفسى أفضل أن تكون الهدية شيئا أحتاجه وعلى ذوقى، صحيح أن عنصر المفاجأة رائع، ولكن الأروع أن تعجبنى الهدية. وخلال السطور القادمة حاولت استطلاع آراء أمهات اليوم حول هل شراء الهدايا لأنفسهن، وهل يفقد ذلك الهدية معناها، أم أن هذا هو «عين العقل» من وجهة نظرهن! دا كان زمان ندى محمد 36سنة ربة منزل ترى أن قيمة الهدية فى أن ابنها وابنتها يتذكراها ويبحثان عما يقدمانه وليس فى مجرد شرائها لنفسها فتقول: «عندما كانوا صغاراً كانوا يتفننون فى إخفاء الهدية حتى يوم عيد الأم» وأعمل نفسى مش واخدة بالى، ليزيد إحساسهم بالفرح بأنفسهم والحماس لمفاجأتى، ولكن كل ما بيكبروا تضيع تلك الأحاسيس للأسف.. فيأتى ابنى فى الثانوية العامة ويقول: «يامامى شوفى حاجة انتى محتاجاها وجبيها وهاحاسبك بدل ما أنزل وأدور وبعدين أجيب حاجة متعجبكيش»، وطبعاً هو عنده وقت يقعد فى الكافيه مع صحابه، لكن يلف على هدية لأمه «تضييع وقت»! طبعاً باكلها بمزاجى وأشكره على الهدية اللى اشترتها لنفسى.. أما بنتى فى أولى ثانوى فتنزل معى نقيس ونختار ما يعجبنى، ولكن لاشك أن عنصر المفاجأة له طعم آخر بس دا كان زمااان، أما أمى وحماتى فلازم أنزل أشترى لهما الهديتين وأذهب يوم عيد الأم، فهذا الجيل ليس عنده من المرونة لتقبل مثل هذه التصرفات ولا حتى من المجهود لينزل ويلف على المحلات». أجيب اللى محتاجاه المهندسة سارة محمود 33سنة تقول: «ابنتى كانت تنزل مع زوجى وتحضر بوكيه ورد كبير، ودبدوبة وكارت فى عيد الأم، كنت أفرح بها جداً، خاصةً أنها كانت صغيرة، ولكن بعد كذا سنة شعرت أنها «فلوس فى الأرض»، فالورد غالٍ خاصة فى هذا اليوم وكذلك الدباديب أو القلوب لا أستعملها، فاقترحت عليها أن أنزل معها أشترى هديتى، وإحساسى بأنها تذكرتنى فى عيد الأم يكفينى ويشعرنى بالسعادة، لكن الأفضل أن أحضر ما أحتاجه، كما تختار هى هديتها فى عيد ميلادها... حاولت إقناع والدتى بنفس المبدأ ولكنها تحرج وتقول: «أنا مش محتاجة حاجة مالهاش لازمة الهدية تعالوا أشوفكم وخلاص»، فأشترى لها بنفسى لأنها ترفض أن تكلفنى وتشترى لنفسها هدية على حسابى». لازم أقيس الهدية توافقها الرأى ابتسام عدلى 36 سنة محاسبة فى إحدى شركات البترول فتقول: «أنا أحب الملابس والأحذية وزوجى وأولادى يعلمون ذلك، وأنا أطلب منهم أن أنزل معهم أو حتى أنزل بمفردى لأختار هديتى لأنه حدث قبل ذلك أن اشتروا ملابس ليست على ذوقى، أو ليست على مقاسى، لذا اتفقنا أنه يجب أن أقيس هديتى.. ومجرد أنهم فكروا فى إسعادى هذا كافٍ لكن اختيار الهدية يسعدنى أكثر، وعلى فكرة أنا أتفق مع أمى أيضاً على شراء ما تريده، ولكن بعد إلحاح منى لإقناعها بإعلامى بما يناسبها». مافيش وقت «مافيش وقت يعرفوا أنا بحب إيه!! مافيش وقت ينزلوا يلفوا ويدوروا!! مافيش وقت زى زمان..» هكذا بدأت ريهام كمال 35 سنة مدرسة لغة إنجليزية حديثها معى، وتكمل: «للأسف مع أن أولادى معى فى المدرسة نفسها إلا أننا ندور فى ساقية المذاكرة والواجبات والدروس، ومع احتفالاتنا فى المدرسة بعيد الأم، إلا أننا كنا زمان نفكر كيف نفاجئ أمهاتنا، وننزل نشترى الهدية ونحن أطفال من المحلات البسيطة حولنا، لكن جيل اليوم مظلوم ومثقل بالمناهج، والمولات والمحلات بعيدة، ومافيش غير يوم الإجازة بننزل سوا نختار الهدية، الحياة تغيرت والواقع فرض مستجدات، ولكن مع الاختلاف تبقى قيمة عيد الأم، وتبقى فرحتها بالهدية حتى لو هى اللى اشترتها». حقيبة كل سنة رغدة 40 سنة مديرة تسويق ثبتت هديتها لتسهل على أولادها واختارت «حقيبة» تقول: «بدلا من أن يحضر أولادى هدايا لا أستعملها ويتعبوا فى اللف «على الفاضى»، اتفقت معهم أن هديتى كل سنة حقيبة وهم يعرفون المحلات التى أشترى منها والألوان المفضلة لدى فأتركهم وأنا مطمئنة يشتروها لى، فأوفر عليهم الوقت والتفكير واللف على الهدية، وأوفر على نفسى هدية لا تناسبنى. ولا أرى فى ذلك تقليلا من مجهودهم، ولكن مع ماما وحماتى الأمر مختلف فهما لا تفضلان الحقائب مثلى ولا أظن ستعجبهما فكرة ثبات الهدية كل عام، فأنا أنزل معهما وأرى ما يعجبهما فأشتريه دون علمهما وأفاجئهما به فى عيدهما وشىء طبيعى كل شىء بيتغير فلماذا نحن الأمهات وطريقة تفكيرنا لا تتغير؟».•