البيانات والتقارير الرسمية فى مصر تؤكد أن مساهمة النساء فى قوة العمل لاتتجاوز 22%، وأن هذه النسبة من أقل المعدلات فى العالم. لكن الأرقام التى تقدر قيمة المساهمة الفعلية للنساء فى الاقتصاد عن طريق تقدير قيمة ساعات العمل المنزلى غير مدفوع الأجر التى يعملنها، تقول إن النساء يسهمن بأكثر من 46% من ساعات العمل المدفوعة وغير المدفوعة معا.. التفاصيل جاءت فى أول دراسة من نوعها صدرت قبل أيام عن مؤسسة المرأة الجديدة، بالاعتماد على أرقام الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
طبقا لنظام الحسابات القومية الذى تلتزم به الدول الأعضاء فى الأممالمتحدة ومنها مصر، يستبعد العمل المنزلى غير مدفوع الأجر، لأنه لا يمثل نشاطا موجها للسوق، لكن لجنة الإحصاء بالأممالمتحدة اعترفت فى 2008 بضرورة إعداد حساب مكمل للحساب القومى، يختص بالعمل المنزلى غير مدفوع الأجر كالخدمة المنزلية ورعاية الأطفال وكبار السن والأعمال التطوعية للمجتمع، ويتضمن عدد ساعات العمل المنزلى لكل من النساء والرجال، وعدد ساعات العمل المدفوع وغير المدفوع بين الرجال والنساء. دوليا أظهرت هذه الحسابات فى مختلف دول العالم أن العمل المنزلى غير المدفوع يساهم فى رفع مستوى معيشة الأسرة، وأن عدد ساعات العمل الإجمالية للنساء أكبر من عدد ساعات عمل الرجال، وبالتالى ينخفض عدد ساعات الراحة والترفيه التى يحصلن عليها. ودفعت هذ النتائج إلى المطالبة بتحقيق التوازن بين مسئوليات الحياة والعمل بين الرجال والنساء داخل الأسرة، والمساواة فى الأجور، وأعاد بعض المجتمعات النظر فى قوانين إجازات رعاية الطفل، بما يزيد من نصيب الرجال فيها، ومنحت بعض الدول إجازة للأب عند ولادة الطفل مدفوعة الأجر لعدة أيام، وتمتد فى بعض الدول لعشرين أسبوعا، مقابل نصف الأجر، وحددت دول أخرى نسبة من إجازة رعاية الطفل للأب فقط، ومنحت بعض الدول مكافأة للأسرة التى يقتسم فيها الوالدان إجازة رعاية الطفل. • ثمن ساعة عمل البيت وكانت أول دراسة مصرية لقياس ساعات العمل المنزلى للنساء وأثر الزواج على زيادة هذا النوع من العمل، وتخفيض الوقت المتاح للعمل بأجر، تلك التى قام بها منتدى البحوث الاقتصادية عام 2010. لكن دراسة الدكتورة سلوى العنترى الخبيرة الاقتصادية، هى الدراسة الأولى التى تقدر قيمة نقدية للعمل المنزلى للنساء فى مصر، ونسبته إلى الناتج المحلى الإجمالى، كخطوة لتقدير إجمالى المساهمة الحقيقية للنساء المصريات فى الاقتصاد، مقارنة بإجمالى مساهمة الرجال، لدعم المكانة الاجتماعية للنساء وحقهن فى المشاركة فى صنع القرار، وفى تحقيق التوازن بين مسئوليات الحياة والعمل. الدراسة اعتمدت على المسح التتبعى لسوق العمل فى مصر، الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بالتعاون مع منتدى البحوث الاقتصادية، عام 2012، فى تقدير ساعات العمل المنزلى غير مدفوع الأجر، والعمل للسوق، وساعات العمل الكلية للنساء والرجال فى مصر، فى الشريحة العمرية «15 وحتى أقل من 65 سنة». البحث الذى أجرى على نحو 50 ألف شخص فى 12 ألف أسرة تمثل المجتمع المصرى فى الريف والحضر وفى المحافظات المختلفة، أوضح أن النساء اللاتى يمثلن 49% من هذه الشريحة يعملن أكثر من 46% من إجمالى ساعات العمل المدفوع وغير المدفوع الأجر، مما ينفى مقولة انخفاض مساهمة النساء المصريات فى النشاط الاقتصادى. وتراوحت تقديرات قيمة العمل المنزلى للنساء بين 307 مليارات و 455 مليار جنيه، بما يمثل على التوالى ما يتراوح بين 20% و30% من الناتج المحلى الإجمالى فى السنة المالية المنتهية لعام 2012، اعتماداً على بيانات المسح التتبعى لسوق العمل فى مصر 2012 ، أى أن مساهمة العمل المنزلى للنساء فى مصر تمثل نحو 25 % من الناتج الإجمالى المحلى، وهو ما ينفى بقوة مقولة انخفاض مساهمة النساء المصريات فى النشاط الاقتصادى. • الرجال يفضلون التسوق وأظهر البحث أن متوسط عدد ساعات العمل المنزلى الأسبوعى للنساء فى مصر هو 30 ساعة، مقابل 4 ساعات فقط للرجال، وأن أعمال الخدمة المنزلية تأخذ الجزء الأكبر من وقت النساء فى العمل المنزلى غير مدفوع الأجر، بما يقترب من نصف هذا الوقت تقريبا، بواقع 14 ساعة أسبوعيا، مقابل 27 دقيقة للرجال. وأن رعاية الأطفال وكبار السن والمرضى مازالت مسئولية النساء بالدرجة الأولى، فبلغ متوسط عدد ساعات عمل النساء أسبوعيا فى هذا المجال أكثر من 10 ساعات، مقابل ساعة واحدة للرجال، وعندما سئلت النساء عمن يقوم برعاية أطفالهن عند تغيبهن فى العمل، جاءت الإجابات لتوضح أنه فى 56% من الحالات يعهد بهذه المهمة لنساء الأسرة، الأم أو الحماة أو الابنة أو الأخت أو الجدة.. وأظهرت البيانات انخفاضا كبيرا فى نسبة الذين أجابوا بنعم من الرجال عند سؤالهم عما إذا كانوا قد قاموا بأعمال منزلية خلال الأسبوع السابق، مقارنة بنسبة النساء اللاتى أجبن بالإيجاب، واقتصرت نسبة الذين ردوا بالإيجاب على مشاركتهم فى إعداد الطعام وغسيل الأطباق والملابس وتنظيف البيت على 4% من الرجال مقابل 88 % من النساء.. لكن عندما سئل الرجال عن مشاركتهم فى التسوق للمنزل، بما فى ذلك شراء الطعام وملابس الأسر، ومستلزمات المنزل أو توصيل أحد أفراد الأسرة لأنشطتهم، قال 35% من الرجال إنهم يشاركون فى هذا، مقابل 62% من النساء. الطريف فى بيانات البحث كان التقارب بين الوقت الذى يبذله النساء والرجال فى أعمال بناء منزل الأسرة أو أعمال الصيانة فى المنزل، لتصل إلى 19 دقيقة أسبوعيا للنساء، مقابل 20 دقيقة للرجال، رغم التصور السائد بأن هذه الأعمال من نصيب الرجال. • الزوج يفضلها ست بيت تنخفض نسبة المشتغلات من النساء بأجر إلى 18 % مقابل 70% من الرجال، وهذا لا يعود لتفضيل النساء البقاء فى المنزل، ولكن ما كشفه البحث عند سؤال المبحوثات اللاتى توقفن عن العمل بأجر عن السبب الرئيسى لعدم استمرارهن، جاء فى مقدمة الأسباب رفض الزوج أو الخطيب فى 44% من الحالات، فى حين شكلت رعاية الأطفال سببًا لعدم الاستمرار فى العمل فى 15% فقط من الحالات، وشكل عدم وجود عمل مناسب وأجر مناسب، أو عدم وجود عمل أصلاً سببا للبقاء فى المنزل لنحو 17% من الحالات، وعندما سُئِلن عما إذا كن يرغبن فى العودة للعمل يومًا ما، أجاب أكثر من 60% بالإيجاب. كما تقول الباحثة: يؤكد هذا كله أكذوبة عزوف النساء فى مصر عن العمل، ويشير إلى أن قهر الزوج هو السبب الرئيسى لعدم استمرارهن فى العمل بأجر، فضلاً عن صعوبة العثور على عمل بأجر مناسب أو حتى أى عمل، خاصة أن التقارير تؤكد أن نسبة البطالة بين النساء تبلغ حوالى 24% مقابل 9% للرجال. • وردية عمل مزدوجة ولا يؤدى عمل النساء فى السوق بمصر إلى أى تخفيض فى أعباء العمل المنزلى، بل تستمر مسئوليتهن عن القيام بتلك الأعمال، فتعانى النساء فى مصر من ظاهرة «وردية العمل المزدوجة»، إحداهما فى السوق والثانية فى المنزل، لنصل إلى أن النساء يعملن فى المتوسط 37 ساعة عمل فى الأسبوع للسوق ونحو 31 ساعة أخرى للمنزل، بإجمالى 68 ساعة فى الأسبوع مقابل نحو 53 ساعة للرجال. وأظهر البحث أن النساء فى الطبقة المتوسطة مطحونات أكثر من الطبقات الفقيرة، وأن الزواج يخفض من الوقت الذى كان يمضيه الرجل فى الأعمال المنزلية، بينما يتضاعف الوقت الذى كانت تؤديه الفتاة فى أعمال المنزل، بعد الزواج. • الحق فى الترفيه الدراسة كما ترى د. سلوى العنترى، تعتبر محاولة تحتاج إلى استكمال، لإعادة توزيع أعباء العمل والحياة لأن كل إنسان له الحق فى الحصول على العمل والترفيه، وهو ما يتطلب اعتراف الأجهزة الإحصائية الرسمية بأهمية العمل المنزلى غير مدفوع الأجر، وتقدير قيمته النقدية ودوره فى رفاهية المجتمع وفى اقتصاده. وأن مشاركة المرأة فى سوق العمل، لا ينبغى أن يكون ثمنها أن تحصل المرأة على وردية عمل مزدوجة، خارج المنزل وداخله. نحتاج أيضًا إلى سن قوانين تحقق المساواة فى الأجر عن العمل المتكافئ بين الرجال والنساء فى سوق العمل بمصر، وتحقق بيئة عمل صديقة للأسرة.•