فى مثل هذا اليوم منذ أربع سنوات، وفى الأجواء المصاحبة لثورة يناير 2011، خرجت مجموعات من نساء مصر إلى ميدان التحرير يحتفلن بيوم المرأة العالمي، مفعمات بالأمل فى عهد جديد يتمتع فيه كل مواطن مصرى بكامل حقوقه فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، على أساس من المواطنة الكاملة لجميع المصريين ونفى كل صور التمييز البغيض. فوجئت نساء مصر بجحافل قوى الظلام تتحرش بهن وتؤكد لهن بكل العنف وعلو الصوت أنهن مجرد إماء وسبايا! ولكن نساء مصر استمرت تشارك بتصميم وعزم فى كل المعارك التى خاضها الشعب على مدى السنوات الأربع الماضية لإزاحة قوى الظلام وتحقيق أهداف الثورة. الدستور أقر مبدأ عدم التمييز ونص على مساواة المرأة للرجل فى جميع الحقوق والواجبات، ومع ذلك فإن العقلية الذكورية مازالت تأبى الاعتراف للمرأة المصرية بحقوق المواطنة الكاملة. عدد النساء فى التشكيلات الوزارية المتعاقبة وفى الحركة الأخيرة للمحافظين تؤكد ذلك؛ رفض قبول أوراق الفتيات اللائى تقدمن للعمل كوكلاء نيابة يؤكد ذلك؛ معركة تمثيل المرأة فى قوائم انتخابات البرلمان تؤكد ذلك؛ ارتفاع معدلات البطالة بين الإناث إلى أكثر من ضعفى معدلات بطالة الذكور تؤكد ذلك؛ فجوة الأجور بين الذكور والإناث فى القطاع الخاص بأكثر من 22% طبقا للبيانات الرسمية تؤكد ذلك، استبعاد عاملات الخدمات المنزلية من قانون العمل تؤكد ذلك، انخفاض معدلات تغطية النساء بخدمات التأمين الصحى لتقتصر على نحو 18% فقط من الإناث فى الفئة العمرية 15 59 عاما تؤكد ذلك.. والقائمة تطول. العقلية الذكورية مازالت تنظر للمرأة المصرية باعتبارها عالة على الرجل، وبما أن من يملك يحكم فليس من حق المرأة المشاركة فى صنع القرار. وكيف لا والبيانات الرسمية تزعم أن مساهمتها فى النشاط الاقتصادى لا تتجاوز 22% وأنها تعزف عن العمل وتفضل البقاء فى المنزل! الأرقام الرسمية تتجاهل ما أقرته البشرية والمنظمات الدولية ونظم الإحصاءات القومية من أن مستوى معيشة ورفاهية المجتمع يتحدد بكل السلع والخدمات المتاحة لهذا المجتمع سواء تم شراؤها بثمن أم تم الحصول عليها مجانا فى داخل الأسرة. العقلية الذكورية تأبى الاعتراف بأن نساء مصر يعملن داخل المنزل وخارجه. تأبى الاعتراف بأن الدور الذى تقوم به النساء فى توفير الوجبات وخدمات النظافة وغسل الملابس ورعاية الأطفال والمرضى والمسنين هو الذى يمكن كل صاحب عمل من تخفيض تكلفة الأجور، وأنه لولا تلك الخدمات المجانية لتعين دفع أجور أعلى للعاملين للحفاظ على مستويات معيشة الأسرة عند نفس مستوياتها الحالية. باختصار، نساء مصر يقدمن دعما لكل صاحب عمل بقيمة هذا الفرق فى تكلفة الأجور. العقلية الذكورية تأبى الاعتراف بأن تربية الطفل بالتحديد، والتى تقع مسئوليتها بالأساس على النساء تمثل عملا من أعمال الخدمات العامة، واستثمارا بشريا للمجتمع ككل وإعدادا لقوة العمل التى تكفل استمرار الانتاج فى المستقبل. العقلية الذكورية تتجاهل أن الأممالمتحدة تطالب الدول المختلفة عند إعدادها لحساباتها القومية أن تقوم بإعداد حسابات تكميلية تختص بإحصاءات العمل المنزلى غير المدفوع وتوزيع ساعات ذلك العمل بين النساء والرجال. البيانات الخام للمسح التتبعى لسوق العمل فى مصر، الذى يجريه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بالتعاون مع منتدى البحوث الاقتصادية، تكشف حجم المساهمة الحقيقية لنساء مصر فى النشاط الاقتصادى وفى مستوى معيشة المصريين وما يتمتعون به من سلع وخدمات. المعلومات التى يمكن استخراجها من البيانات الخام لذلك المسح توضح أن متوسط ساعات العمل الكلية داخل المنزل وخارجه للمرأة المصرية بوجه عام تصل فى المتوسط إلى نحو 37 ساعة أسبوعيا أى بما يمثل نحو 90% من إجمالى ساعات العمل الكلية للرجل المصرى داخل المنزل وخارجه. أما بالنسبة للنساء المشتغلات فالصورة تختلف إلى حد كبير، لأنهن ببساطة يعملن ساعات عمل كلية أطول من الرجال. المرأة المصرية العاملة تتحمل عبء ورديتى عمل كاملتين إحداهما داخل المنزل والأخرى خارجه بواقع 69 ساعة فى المتوسط أسبوعيا مقابل 54 ساعة فى المتوسط للرجال. المعلومات التى يمكن استخراجها من البيانات الخام للمسح التتبعى لسوق العمل فى مصر توضح أن النساء يمثلن نحو 49% من الشريحة العمرية للسكان فى سن قوة العمل، وفى مقابل ذلك يسهمن كحد أدنى بأكثر من 46% من إجمالى ساعات العمل الكلية فى المجتمع المصري. أقول كحد أدنى ، لأننى أزعم أن المسح لم يتمكن من أخذ كل صور عمل النساء فى الريف المصرى فى الاعتبار، وأظهر ساعات عملهن الكلية بأقل من حقيقتها. مبدأ المناصفة الذى طالبت به النساء فى لجنة إعداد الدستور، والذى قاومته العقلية الذكورية بكل شراسة، لم يكن مجرد لغو، بل حق يسنده واقع وحقيقة موضوعية تقول إن نساء مصر لسن عالة على أحد وأنهن يقدمن نصيبهن العادل من إجمالى ساعات العمل التى يعيش عليها هذا المجتمع. بل إن القيمة النقدية لعملهن المنزلى وحده تعادل أكثر من 30% من الناتج المحلى الإجمالي، وفقا لمتوسط أجر ساعة العمل فى مصر. تحية لنساء مصر فى يوم المرأة العالمي. كل عام وهن بخير، ويواصلن النضال من أجل حقهن وحق كل مواطن مصرى فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى