كان ذلك رائعا.. كان مثل شجرة ضخمة وارفة تبتسم، التقيت الروائى والكاتب الكبير فتحى غانم فى ثمانينيات القرن الماضى، كنت وقتها أتدرب على الكتابة الصحفية فى مجلة «روزاليوسف»، دخلت إلى مكتبه وفى يدى أوراقى وأفكارى.. فقرأ ما سطرت بعناية وكان من بينها فكرة لحوار مع حسن حنفى عن «اليسار الإسلامى» وهو تيار فكرى يرى السياسة فى ثقافة الأمة ونهضتها وظهر التيار بمصر ومن أبرز منظريه حسن حنفى، وقمت بإجراء الحوار، وقرأه فتحى غانم ليكون هذا الحوار أول موضوع غلاف لى على مجلة روزاليوسف. كان يملك روح المكتشف ويتمتع بما يتمتع به الأستاذ من روح التواضع وتشجيع الموهوبين، إذا تحدثنا عنه فى هذا المجال وحده نذكر أنه أول من قرأ رواية زينب صادق، «شهور الصيف» وكتب عنها فى مجلة «صباح الخير» وكانت الرواية تقدم الفتاة المصرية فى عهد جديد هو عهد الثورة، وفتحى غانم هو الذى قدم للأوساط الثقافية رواية «انفجار جمجمة» للكاتب الراحل إدريس على بمقدمة بقلمه على الرغم من رفض العديد من الناشرين تبنيها أو نشرها. منذ لقائى به تعلقت بأدبه خاصة روايته: «الرجل الذى فقد ظله» وهى الرواية التى تدور أحداثها فى كواليس عالم الصحافة المصرية فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، وهى رواية «أصوات» إذ تروى رؤيتها للأحداث من وجهات نظر مختلفة، حيث جسد كاتبنا مساحة البطولة والفداء وهى تمتزج على نحو عجيب بالضعف البشرى مناقشا مفهوم البراءة والمكر، والخيط الرفيع بين مواءمة الظروف والنفاق كاشفا الشخصيات التى تشق طريقها إلى القمة فى عالم الصحافة وأولئك الذين يفقدون ذواتهم فى رحلة الصعود إلى القمة. ظل فتحى غانم مشغولا طوال عالمه الروائى بعلاقة المثقف بالسلطة وصورها فى روايته «زينب والعرش» وحتى آخر رواية له وهى «قط وفأر فى قطار» التى صدرت عن دار الهلال عام 1995 وهى تصور أيضا أزمة المثقف الذى يبدو متأرجحا بين ضميره وولائه، بين مسئوليته الاجتماعية وعلاقته بالسلطة، فهو يعرب عن شغفه المستمر بتقصى أسباب خراب الروح وفساد الشخصية الإنسانية أمام الإغراءات المختلفة للمال والسلطة والشهوة. أثارت الرواية اهتمام النقاد، فكتب عنها الناقد الراحل فاروق عبدالقادر فى مجلة روزاليوسف يقول إنها: «ثورة يوليو فى قطار»! ويقصد أنها رواية تحاكم العلاقة بين المثقف والزعيم وهما بطلا الرواية.. وفى رأيى تناقش فكرة الزعامة نفسها بل وفكرة التغيير وهى الفكرة التى انطلق منها فتحى غانم أيضاً فى روايته «الجبل» وجوهر الفكرة التى تبناها أن التغيير الذى يريده لابد أن يقوم به المرء بإرادته وليس بإرادة أحد آخر حتى ولو كان الزعيم، هكذا كان يرى فى روايته «قط وفأر فى قطار» وكذلك رصد فى روايته «الجبل» فكرة الإجبار على سكنى منازل أو بيوت دون الاهتمام بمشاعر ساكنيها وأفكارهم وتقاليدهم وطريقتهم فى النظر إلى الأمور، وهى التجربة التى استمدها من رفض أبناء الصعيد ترك مساكنهم التقليدية فى الجبال ليسكنوا قرية نموذجية ذات بيوت حديثة «القرنة» فى ضواحى الأقصر. أسس فتحى غانم نسيجه الروائى بتفرد وعيه الإنسانى ورؤيته المتميزة لواقع مجتمعه وصراعاته المتنوعة فأنتج فنا راقيا فكان حريصا على أن يبدأ رواياته وقصصه من الواقع أو من الإنسان لا من النظريات والأفكار لدرجة أن جمهور القراء والنقاد كانوا يترجمون بعض شخصياته الروائية إلى شخصيات معروفة، وصرح هو نفسه بذلك على صفحات مجلة آخر ساعة بتاريخ 9/4/1965 يقول: القصة مواقف وذكريات وآراء عندما أجلس لكتابتها لا أعرف كيف ستكون؟ دائما أعرف فقط شخصياتها وأحداثها العريضة، ومن هذه المادة الخام أجلس للكتابة فتكون عملية الكتابة نفسها بمثابة النار التى تنضج عليها المادة الخام فينصهر العمل الفنى ويستوى ويخرج كاملا. أثرى فتحى غانم حياتنا الأدبية برواياته المثيرة ومنها: «الأفيال» «حكاية» و«تلك الأيام» و«قليل من الحب.. كثير من العنف» و«بنت من شبرا» و«الغبى» و«ليمون بنزهير» و«سهرة فى هوليوود»، وقد نشرت الروايات الثلاث الأخيرة على صفحات مجلة «صباح الخير» كما أصدر العديد من المجموعات القصصية منها: «تجربة حب» 1957، و«سور حديد مدبب» 1964، و«الرجل المناسب» 1984، و«عيون الغرباء» 1997. وقد شغل فتحى غانم عدة مناصب مهمة منها: رئيس مجلس إدارة وكالة أنباء الشرق الأوسط عام 1966، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير، ورئيس تحرير مجلة صباح الخير عام 1959، ورئيس تحرير جريدة الجمهورية 1968، ورئيس تحرير مجلة روزاليوسف عام 1973.•