لا يمكن أن نتحدث عن الأقباط فى مصر دون أن نتكلم عن تلك العلاقة التى يحاول البعض تهديدها وضربها بين الحين والآخر وتثبت هى فى كل مرة أنها علاقة أقوى من كل الفتن.. علاقة المسلم والمسيحى فى بلد مطمع للبعض فى الداخل والبعض الآخر فى الخارج.. تلك المطامع التى دفعت هؤلاء إلى محاولة إشعال نار الفتنة لتكون بداية تنفيذ لمخططاتهم فى هدم الوطن وتقسيمه لكن فى كل مرة ومهما حدث من تفاصيل فتنة هنا أو هناك تنتصر تلك العلاقة فى النهاية. والذى يجب أن نتوقف عنده أيضا أن أحداث الفتن فى معظمها لا علاقة لها بالدين ربما يكون وراءها أحيانا قصة حب أو خناقة عادية أو لعب عيال أو غيرها من الصغائر التى يستغلها البعض لإشعال نيران الفتنة ورغم أن هناك من ينساق وراء تلك المحاولات ويقع بالفعل فى فخ الفتنة لكن فى النهاية سرعان ما تخمد الفتن عندما تصطدم بعلاقة سنوات طويلة من العشرة والحياة المشتركة بكل همومها وطموحاتها أيضا. بالتأكيد هناك مشاكل على الأرض ويشعر الأقباط بالتمييز أحيانا، خاصة أن هناك بعض المجالات الموصدة أمامهم وأمام أبنائهم وهناك فتاوى خرجت تجرحهم وتسبهم وتمنع حتى إلقاء السلام عليهم لكنهم يدركون أن مثل هذه الفتاوى وأصحابها لا علاقة لهم بالإسلام السمح الذى يعرفونه، وبالتأكيد أيضا أن طريقة معالجة ما يقع من فتن لم تكن على المستوى المطلوب فى كثير من الأحيان وغرقت فى بحر الشكل التقليدى من التقاط صور بين رجال الدين وتبادل القبلات والعبارات المكررة، دون أن يدرك الكثيرون أن ما حدث من وأد للفتنة لم يكن بسبب هذا الأسلوب التقليدى المكرر، وإنما لوجود علاقة قوية حقيقية بين الطرفين هى التى تشفع فى النهاية عند وقوع مشكلة. والذى نشأ مثلى فى حى شبرا يدرك جيدا قوة تلك العلاقة وكيف يمكنها أن تصمد أمام كل محاولات الفتن، فلا أحد يمكنه أن يعرف المسلم من المسيحى إلا عندما يتجه أحدهما للمسجد والآخر للكنيسة فاللقمة تنقسم على اثنين والعادات والطباع وطريقة المعيشة والأصول كلها واحدة، وليس غريبا أن تجد قبطيا يدخل إلى أى مكان فيلقى تحية الإسلام «السلام عليكم» أو يطلب شيئا ولو من مسيحى مثله فيسبقه بكلمة «والنبى» وليس غريبا أيضا أن تجد مسلما يطلب من مسيحى قبل بدء الكلام أن يمجد سيده، وليس غريبا أن يتشارك الجميع فى حلاوة المولد وفى الاستمتاع بإجازة عيد الميلاد ويتبادلوا التهنئة بمناسبتين لا يفصل بينهما سوى أيام قليلة.. قمة البساطة فى التعامل والحياة المشتركة التى ربما تدهش مجتمعات أخرى لا يتعايش فيها الناس مع بعضهم بسبب اختلاف الدين بمثل هذه القوة والبساطة فى نفس الوقت. وأتذكر كلمات للراحل قداسة البابا شنودة كان يتحدث فيها عن الانتخابات البرلمانية ووقتها أكد للأقباط الذين كانوا يسمعونه أهمية أن يختاروا الشخص المناسب لتمثيلهم وأضاف: «هناك مسلمون يهتمون بكم وبأحوالكم أكثر مما تهتمون أنتم لأنفسكم». المؤكد أن الفتنة ستظل موجودة ونائمة والمؤكد أنه بين الحين والآخر سيكون هناك من يحاول إيقاظها سواء فى الداخل أو من الخارج لأهداف ليست خفية على أحد وكانت واضحة وجلية خلال السنوات الأربع الماضية بكل المؤامرات التى تعرض لها الوطن والتى حاول البعض أن يراهن فى نجاحها على إشعال فتنة طائفية هنا وهناك كل هذا سيظل موجودا، لكن ستظل تقاومه علاقة لا يعرفها هؤلاء الطامعون فى بلدنا لأنهم لم يعيشوها.. علاقة شقيقين مسلم ومسيحى تقف صامدة لأنها أقوى من الفتن.•