أبطال من نار.. أبطال الجوية الذين لا تعرف قلوبهم الخوف شرف لى أن ألتقى بهم ليتذكروا معى يوميات الحرب والطيران من فوق سماء القناة.. قابلتهم ووجدتهم ممشوقى القوام، لم تختلف هيئتهم كثيرا عن أيام الحرب، وكيف يتغيرون، وهم طيارون مقاتلون.. طيارو الضربة الجوية الأولى. تحدثت مع اللواء طيار سمير عزيز نسر من نسور الضربة الجوية الأولى، فقال لي: الضربة الجوية هى مفتاح النصر، لأنها فتحت الباب أمام قواتنا للعبور، وضربت العدو ودمرته قبل أن يفيق، فقد دمرنا أهدافا مهمة جدا أولا: ضربنا صواريخهم فى سيناء، ثم ضربنا مراكز القيادة التى تتحكم فى الجيش بأسره، بعدها استهدفنا مراكز التشوين للأسلحة والذخيرة فضاع مخزونهم، تلاه ضرب المواقع القوية حتى لا تتصدى لقواتنا أثناء العبور، ضربنا مطاراتهم حتى لا يقوموا بأى عمل أو تسول لهم أنفسهم ضرب أهدافنا. يتذكر اللواء طيار سمير عزيز يوم المعركة كأنها حدثت بالأمس، قائلا: كنت فى هذا الوقت عريسا جديدا لم يمر على زواجى شهران، والطريف أننى كنت مضربا عن الزواج خشية أن تقوم الحرب فأستشهد وأترك زوجتى أرملة، لكن عندما تأخرت الحرب وفقدت الأمل قررت الزواج، بعدها بشهرين قامت الحرب. فاصطحبت زوجتى معى إلى المنصورة حيث كان هناك مكان وحدتى، كنت أعمل نهارا، وأعود لأبيت فى المنزل. لكنى يوم 5 أكتوبر لاحظت تحركات غريبة فى طائراتنا، فالقوات تتحرك بشكل غريب وكل الطائرات تتزود بالوقود، فطلبت من زوجتى أن تعود إلى القاهرة خشية أن يحدث شيء. وبالفعل جاء يوم 6 أكتوبر واجتمع بنا قائد اللواء وأخبرنا أننا سنحارب الساعة 2 فدعوت الله أن تأتى الساعة الثانية بسرعة.. لأننا كنا ننتظرها على أحر من الجمر. الساعة 2 إلا خمسة انطلقنا بطائراتنا، وقد كنت قائد تشكيل أربع طائرات ومسئولا عنهم، وحلقنا فوق القناة ودمرنا صواريخ الهوك كلها، ومواقع الذخيرة، ومراكز القيادة، التى عندما كانت تنفجر كانت تملأ الجو سحابات سوداء كثيفة جدا وعلى الرغم من ذلك كانت أصوات الانفجارات بالنسبة إلينا سيمفونيات مبهجة. يوم 7 أكتوبر هجمت علينا طائرات الأعداء وتولتها بجدارة صواريخ الدفاع الجوى، وذهبنا نحن إلى القناة لنمنع الطائرات من التعرض لقواتنا هناك. كانت هناك أيضا عدة معارك يوم 21، 41، 42 أكتوبر والأخيرة كانت الأصعب حيث كان هناك 021 طائرة مصرية تواجه 021 طائرة اسرائيلية، لكننا وبفضل الله انتصرنا. أما عن إصابته، فيقول البطل: طائرتى حدثت بها مشكلة، فالخزانات لم تكن تنفصل، والطائرة كانت ثقيلة جدا، ولم أشأ العودة لأننى كنت قائد التشكيل، ولا ينفع أن أترك زملائى الطيارين وأعود، فظللت أهاجم حتى أصبحت سرعتى صفر، فأصابونى لكنى الحمد لله نقلت إلى المستشفى، ومكثت للعلاج مدة ستة أشهر، وخرجت بعدها، وعدت للطيران. سألت اللواء سمير عزيز: بعد مرور كل هذه السنوات، ما أكثر مشهد إنسانى لا تستطيع نسيانه حتى الآن، فأجابنى وهو يتذكر مبتسما: يوم 7 أكتوبر هجمت إسرائيل، ومن كتر رعبهم كانوا يلقون الصواريخ فى الحقول، فوقعت قنبلة أمام استراحة الطيارين لكنها لم تنفجر، وأصبح نصفها فى الرمل والنصف الآخر فوق الأرض، فقلق الجميع. فجاء لى قائد السرب اللواء مجدى كمال رحمه الله، وقال لي: ماتيجى نروح نشوف القنبلة، وقتها لم أدر إلا وأنا أقول له: يلا بينا، فقد ألقى الله فى قلوبنا الطمأنينة والثبات، وذهبنا معا. أخذنا عربتنا وذهبنا إلى القنبلة ولفينا حولها لفتين، فقال لي: من الممكن أن يكون موعد تفجيرها متأخراً، ورجعنا مرة أخرى إلى الاستراحة، فتشجع الطيارون، والمهندسون الميكانيكيون وذهبوا وأخذوا القنبلة وفجروها بعيدا. لا أنسى أبدا هذا الموضوع. •