حبنا الأول ليس حبنا الأكبر، هكذا تعلمت بعد أن وصلت إلى سن العشرين، بأن قصص الحب تكبر كلما كبرنا وتتحول من قصة صغيرة إلى قصة أكثر عمقا، واكتشفت أن الحب الأول ما كان إلا بروفة لحب أكبر ينتظرنا.. فمن خلال قصص الحب نكتشف أنفسنا.. حقيقى وقتما نبدأ قصة نعتقد أن تتويجها سيكون بالمأذون لكننا نفاجأ بفراق ودموع وآهات لم تكن فى الحسبان، ويعتصرنا الألم للحد الذى نجزم أننا لن ننزل مرة ثانية إلى بر الحب.. لكن هيهات فإنه الحب الذى يأمرنا فنذهب له صائغين لكن تكون تجربة الحب السابقة - خاصة لو تكررت لأكثر من مرة - قد أثقلتنا لتأخذ بأيدينا إلى حبنا الأكبر !! وتذكرت وأنا طفلة، أحلامى الصغيرة عن فارس الأحلام التى كنا نتخيلها أنا وصديقاتى الصغيرات والتى تبدأ بقصة أولها نظرة إعجاب تقطع بيننا المسافات لنتعارف ثم نتحدث خاصة إذا كان من نحب أكبر منا سنا، فيجذبنا اهتمامه وحتى مجرد كلمة إعجاب مثل «انت جميلة» لأن البنت الصغيرة تنتظر من يثنى عليها فتشعر بأنوثتها، هكذا نظل نتحدث سواء فى الهاتف أو بعض اللقاءات بأحد الكافيهات ونتفنن كى نبدو أكبر سنا وأجمل شكلا ونظل هكذا مقتنعين أننا نعيش أجمل قصة حب فى الدنيا نتممها بمشاهدة الأفلام الرومانسية. ولا نسمع أية نصائح أخرى قد تتعارض مع هذا الحب بأنه لن يستمر أو قد يكون مجرد تمهيد لحب آخر سيظهر لنا عندما نكبر ونصم أذننا عن كل ما يشكك فى هذا الحب أو يقتله بكلماته ونظل هائمين فى هذا الجو الرومانسى لأننا نتمنى أن نغرق فى مثل هذه القصص حتى تمر بنا السنوات وينضج عقلنا الصغير وتتحول قلوبنا إلى حب أنضج تختلف فيه المعايير والتفكير ونكتشف بعد وقت طويل أن قصص الحب التى كنا ندافع عنها هى بروفة تنتهى مع أول حب حقيقى يمحو كل ما قبله. • بروفات التسخين حين تحدثت معها أخذت تسمعنى بإصغاء شديد ثم قالت: أنت جعلت حياتى تمر أمامى كشريط سينما! فأنا الآن أم وزوجة بعد قصة حب جميلة وزوجى مختلف تماما عمن أحببتهم، فقد تمت خطبتى مرتين قبل زواجى، لكن حينما أنظر الآن إلى قصص الحب التى عشتها وكنت سعيدة خلالها أجد أننى تعرفت على ما الذى يمكن أن أتحمله ما الذى أريده من الطرف الثانى، وتعرفت كذلك كيف أتعامل مع نصفى الآخر، لكنها قصص رسمت حياتى بحلوها ومرها.. «على صبحي» شاب فى الثلاثين من عمره يرى أن بروفات الحب الصغيرة أصبحت الآن شيئًا طبيعيًا وضروريًا فيقول: هذه البروفات تعتبر «تسخين» ما قبل الحب الكبير على الرغم من أنها تتسبب فى الكثير من الآلام، ولكن هذا على حسب طول مدة العلاقة.. بالتالى على كل شاب أن يحسم موقفه من البداية حتى لا يتسبب فى أوجاع لنفسه ولغيره.. وهذا دائما ما أقوله لنفسى وأتبعه أيضا فى أى علاقة أنوى الدخول فيها.. والتى كثيرا ما تفشل بسبب عدم التوافق الفكرى بينى وبين الشريكة الأخري.. مما يجعلنى مترددا كثيرا فى الإقبال على هذه الخطوة الكبيرة وهى خطوة الارتباط!!.. ثم يضيف قائلا: الحب الذى نراه فى الأفلام والرومانسية الجميلة التى نتمناها وليست الرومانسية المبتذلة أصبحت غير موجودة.. وهذا ما يقوله الواقع الذى نعيشه الآن.. فإن الحالة المادية المزرية التى يعانى منها الشباب، تجعلهم غير قادرين على استكمال العلاقة بسبب الضغوط المادية التى يتعرضون لها من جانب أهل البنت.. ولهذا ظهرت البروفات وتجارب الحب الصغيرة التى تؤهل الشباب وتجعلهم أكثر وعيا فى الوصول إلى الحب الكبير. • بروفة واحدة تكفى! بينما دعاء أشرف - 26 سنة - كان لها رأى آخر، حيث تقول: لا أحب هذه الألقاب التى تطلق على الحب.. فالحب خلق من أجل السعادة والشعور بالأمان مع الشخص الذى فضلته على العالم كله ليكمل حياته معى ويكون سندى فى وقت ضعفى.. هذا هو الحب الذى أبحث عنه وسأظل أبحث عنه إلى أن أموت.. فأنا لا أعترف بهذه البروفات والتجارب.. رغم التجارب التى مررت بها.. فبعد أن أحببته وفتحت له باب قلبى بعد ضغط من أصدقائي، اكتشفت أن له حياة أخرى على فيس بوك.. ومن وقتها قررت أن هذه التجربة ستكون الأولى والأخيرة.. وبالتالى أرفض هذه النوعية من الارتباطات.. لأنها أخذت الكثير من مشاعرى وظللت بعدها فترة طويلة أعانى من تأثيرها.. ووجدت أصدقائى يقولون لى «عادى تجربة وعدت، انسيها عشان تعرفى تدخلى فى اللى بعدها!!».. وبعدها اكتشفت أن هذا هو سوق الحب المتعارف عليه الآن!! ثم توضح قائلة: هذه البروفات والتجارب مؤلمة للغاية، فكيف أدخل نفسى فيها إذ لم أكن واثقة من مشاعر الطرف الآخر؟!.. لذلك فهذه البروفات بها تزييف كبير فى المشاعر بل وتمثيل واضح.. ولا أحب أن أرى نفسى فيها.. لأننى مخلصة فى حبي.. فمن الصعب أن أستهلك قلبى مرة أخرى من أجل هذه التجارب والبروفات المزيفة.. أصدقائى يتوقعون أننى لن أتزوج، لأن أكثرهم ارتبطوا بهذه الطريقة فجزء منهم وصل إلى ما يسمى بالحب الكبير وآخرون انهاروا وكسرت مشاعرهم.. فالموضوع فى الأول والآخر نصيب وسأرضى بما يكتبه الله لي. • حياتى كلها بروفات.. أحمد سامى بدأ كلامه معى قائلا: نحن الآن فى عصر الإنترنت والواتس أب والشاتينج.. وهذه الأشياء أصبح لها دور كبير وفعال فى تجارب الحب أو حتى التعارف.. فأنا حياتى كلها تعارف عن طريق هذه الوسائل.. وأرى أن هذه التجارب تعتبر شيئا جيدا لأنها تعطى مساحة أكثر للبنت والولد للتعرف على شخصيات مختلفة ومتنوعة واختيار الأنسب لشخصيته.. رغم أنها كثيرا ما تسبب أوجاعًا ولكنها تعتبر بمثابة الحصانة بالنسبة لهم بعد ذلك.. وهذا ما أفعله، فبعد خروجى من أى تجربة أكتب ما فيها من إيجابيات وسلبيات وما أضافته لى وأخذته أيضا مني.. حتى أتجنبه فى التجربة القادمة.. كما أن هذه البروفات أضافت لى الكثير من الخبرات.. جعلتنى أتجنب الأخطاء التى ارتكبتها فى التجارب السابقة وأصبحت أتلاشاها الآن فى التجارب الحالية. • لابد من تحديد المفاهيم أولا الدكتورة سوسن فايد - خبيرة علم نفس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية - حاولت الغوص فى النفس البشرية وحللت لنا الموقف بقولها: لقد أصبح هناك عشوائية وخلط للأمور تحتاج إلى تحديد المفاهيم ووضع النقط على الحروف بالنسبة للشباب فى هذا الموضوع.. بمعنى أن الأسرة الآن لم تعد تقوم بدورها فى توضيح الفرق بين الحب الذى يؤدى إلى الزواج وبين هذه التجارب والعلاقات العشوائية.. وما هو مفهوم الحب والزواج بالنسبة للشباب؟!.. فبالتالى هذه القصة تحتاج إلى توضيح وخصوصا من الأسرة ومن الأمهات تحديدا.. لأنها هى المعلم الأول بالنسبة للبنت أو الولد.. فعليها أن تعلم أبناءها كيفية اختيار شريك الحياة والأسس التى يجب أن يلتزم بها.. كما يجب أيضا أن يكون هناك مواد تدرس فى المناهج التعليمية حول هذا الموضوع لتوعيتهم، لكننا للأسف نفتقد هذا!!. وتوضح قائلة: لكى يحدث تعلم صحيح لمعنى الحب وبناء العلاقة الزوجية وبناء أسرة يجب أن يكون هذا الحب مبنيًا ليس مجرد على العاطفة التى يكون بها نزوة بل أيضا على العقل.. بمعنى أن هذا الحب يشبع ما فى ويكملنى ويطمئننى ويدعو للاستقرار وأن تكون به ثقة وإذا تحققت هذه الأشياء وقتها سأعرف هل هذا حب حقيقى أم لا، وبالتالى يجب أن يكون هناك نقطتان أساسيتان هما اللتان ستحددان استكمال العلاقة أم لا.. أولا: التوافق النفسى بمعنى أن يكون هناك تكامل وميول مشتركة وتوافق بينهما.. لأن هذا يدعو إلى استمرارية العلاقة.. ثانيا التكافؤ الاجتماعى الذى يضمن الحياة المستقرة الهادئة.. لأن إذا بنيت العلاقة على عدم التكافؤ الاجتماعي، سيكون هناك نفور فى العلاقة وتوتر وارتباك يؤدى إلى عدم نجاح العلاقة.. فإذا تعلم الشباب هذه الركائز من الأم والأب وبعدها أصقلها بالمواد التعليمية.. سيكون هناك وضوح ولن يكون هناك فشل وستنجح التجارب من أول مرة. • المشاعر غير خاضعة للتجارب أما الدكتورة منال زكريا - علم اجتماع كلية آداب جامعة القاهرة - فتقول: أنا أرفض هذه الأسماء والمصطلحات التى يطلقها الشباب على الحب.. لأن المشاعر غير خاضعة للتجربة.. وبالتالى لا أعترف بهذه الأسماء.. لأن هناك أساسيات يجب أن يقوم عليها الحب وهى التكافؤ والتقارب والانسجام بين الشخصين.. وأن تكون العلاقة قائمة على الحب وليس على أشياء أخرى كالمظاهر والماديات!!.. وكل ما كان عمر البنت والولد أكبر كان نجاح العلاقة مضمونا لأن خبرتهما تكون أكبر.. فالبنت بطبيعتها أحادية المشاعر.. وبالتالى من الصعب عليها أن تحب بنفس المقدار الذى أحبت به أول مرة.•