ما أعظمها من منزلة وأفخمها من مكانة تلك التى تحتلها مجلة «صباح الخير» فى قلوب أبنائها، هذه المجلة الفريدة من نوعها فى عالمنا العربى والتى أصبحت موطنا لأصحاب المواهب ومنصة لانطلاق المبدعين.. أول مرة أدخل فيها هذه المجلة كان لى من العمر أربع سنوات دخلتها مع الولد الشقى أبويا الجميل السعدنى الكبير رحمه الله فيها وجدت فتحى غانم وإحسان عبدالقدوس وصلاح حافظ وحسن فؤاد وجمال كامل وأبوالعينين وبهجت والبهجورى والليثى ومصطفى محمود ولويس جريس ومفيد فوزى وصالح مرسى.
لم أكن أعلم أننى على موعد مع التاريخ وأنا محاط بكل هذه الكوكبة النادرة من التحف البشرية، ولذلك وعندما أنهيت دراستى فى كلية الإدارة والاقتصاد فى بغداد توجهت فى العام 1983 إلى محبوبتى بل إلى جمهوريتى «صباح الخير»، وصباح الخير بالفعل دولة داخل الدولة عندما انتميت إليها وحصلت على جنسيتها أو عضويتها تعاقب على سبعة رؤساء للتحرير فى عين العدو تماما كما هو حال جمهوريتنا الأكبر التى تعاقب عليها منذ ناصر حتى السيسى سبعة رؤساء ومن حسن طالعى أننى عملت إلى جانب لويس جريس ومفيد فوزى ورءوف توفيق ورشاد كامل ومحمد عبدالنور وأتوقف قليلا أمام محمد هيبة وجمال بخيت فالأول بالنسبة إلى كل من عمل معه يمثل شيئا عجيبا بالفعل فهو كيان ممتلئ بالحنان يفيض بمشاعر المودة والوفاء وهو لايقابل السيئة إلا بإحسان، معه تشعر أنك لست مع صديق ولا أخ ولكن أنت فى رحاب أم حنون بكل معنى الكلمة فهو يحتضن الجميع ويبتلع كل السخافات والحماقات ولديه قدرة عظيمة على امتصاص الغضب وإشاعة جو من الألفة بين الجميع.. جاء محمد هيبة فى منصب رئيس التحرير فى أيام سوداء أسود من أسفلت الشوارع فى عصر الإخوان المسلمين وكان فى استطاعته أن يهادن ويوالس ويمضى مع الركب مزمراتى ومطبلاتى، ولكن هيبة القادم من الحى الشعبى الأصيل وقف موقف ابن البلد وأبى أن يسير فى المولد واختار السباحة ضد التيار وتحولت صباح الخير أيام الإخوان إلى شوكة فى الحلق وصادف هيبة كل ألوان الغتاتة وكل أشكال الضغط لينحرف عن الطريق ولكن هيبة ومن خلفه كتيبة صباح الخير وقفوا لكل المحاولات وأفشلوها فى مهدها وعندما انتهت المأساة برحيل محمد مرسى وإخوانه وتكاتكه شعر هيبة أن على المقاتل أن يستريح وأن السفينة فى حاجة إلى قائد جديد وقد جاء بالفعل جمال بخيت فى موعده ليرتفع بالبناء شأنه شأن كل رؤساء جمهورية «صباح الخير» ولكن بمقاييس وأعراف «صباح الخير» فنحن فى مجلتنا لا نهيل التراب على أى رئيس سابق وقبل أن نفتح ذراعينا بالمراحب الحارة للرئيس الجديد.. نقوم أولا بتكريم وتبجيل الرئيس السابق ويظل السابق دائما فى مكانة مخملية فى قلوبنا وله الأولية والسبق دائما حتى بالنسبة لرئيس التحرير الجديد ومن حسن طالعنا أن لنا على قيد الحياة ولله الحمد سبعة رؤساء تحرير أطال الله فى أعمارهم جميعا حضر منهم حفل التسليم والتسلم خمسة فى عين العدو «برضه» فهم الكبير مقاما مفيد فوزى والمعلم الفاضل رءوف توفيق والصديق رشاد كامل ومحمد هيبة وجمال بخيت وغاب الكبير لويس جريس لأسباب صحية وتغيب محمد عبدالنور لظروف خاصة وهو أمر أحزننى كثيرا فهو رفيق رحلة الصعود من القاع حيث بدأنا معا وحملنا «القفه» كما أشار علينا الأستاذ لويس وقال.. لو عاوزين يا أساتذة تبقوا صحفيين بحق وحقيقى.. لازم تبدأوا من الصفر وتشيلوا القفة وبالفعل عملنا معا فى سكرتارية التحرير ولذلك فإن بلوغ عبدالنور منصب رئيس التحرير كان نجاحا للجيل بأكمله ونفس الشىء ينطبق على العزيزين هيبة وجمال بخيت ولأننا نحترم ونقدر القامات العملاقة فى دنيا صباح الخير فقد بدأ الكلام أستاذنا الكبير الشهير كما الأهرامات مفيد فوزى بعد فاصل من السخرية من هذا الميكروفون الذى تحول إلى قطعة من الديكور وألاحظ أحمرار يكسو وجه رئيس مجلس الإدارة المهندس عبدالصادق وهو المدير الذى نجح كما تفيد التجارب فى كل مجال تصدى له.. إلا حكاية الميكروفون المهم أن الأستاذ وكأنه يقرأ ما هو مكتوب على الوجوه التى اجتمعت احتفالا بالمناسبة قال ملحوظة غاية الأهمية عندما شكر الله وحمد فضله على أن رئيس التحرير جاء من بين أبناء المؤسسة.. وهذه الملحوظة لو تعلمون عظيمة القيمة.. ذلك لأن لصباح الخير وضعا خاصا فهى مثل البنى آدم مهما حاولت أن تزرع فيه عضوا من خارجه فإن الجسد بأكمله ينتفض ومعه جيش جرار من الأجسام المناعية تنتفض على الغريب وتنهش فى لحمه وتلقى به إلى الخارج مهزومًا مكسورًا مجروحًا مصدومًا.
صحيح أن جمال بخيت خرج على المعاش ولكن هو ابن أصيل من أبناء الدار وهو أحد النبهاء الذين أنجبتهم صباح الخير وهو حلقة من السلسلة الفريدة من شعراء العامية الذين نبتت موهبتهم فى حضانة صباح الخير وهو أيضا أحد هؤلاء الذين وقفوا بفهم فى مواجهة تيار التخلف الأزلى الذى حكم مصر لعام كامل وأتحفنا برائعته «دين أبوهم اسمه إيه» ولا أخفى على حضراتكم أن عددًا كبيرًا من الزملاء تقدموا إلى لجنة الترشيح من أجل الفوز بهذا الشرف الرفيع وكنت أحد هؤلاء، ولكن فرحتنا جميعًا كانت طاغية بمجىء جمال بخيت لعدة أسباب أهمها: أن جمال حقق نجومية وإشعاعا من خلال موهبته الشعرية وحلق فى العلالى فى السنوات الماضية، وصباح الخير دائمًا تكتسب بعضا من بريق رئيس تحريرها وهو الأمر الذى تكرر من قبل على مدى تاريخها مع أحمد بهاء الدين وصلاح جاهين ولويس جريس ومحمود السعدنى وحسن فؤاد ومفيد فوزى ورءوف توفيق.. واليوم يحمل الراية جيل جديد ننتظر على يديه انطلاقة لصباح الخير مجلة القلوب الشابة والعقول المتحررة وهى المجلة التى تمتلك عدة أجيال لو أحسن قيادتهم لأصبح لدينا فى كأس العالم للصحافة فريق يضاهى البرازيل فى عالم الكورة، وهذا الأمر أكده المعلم الأكبر وأستاذ جيلى رءوف توفيق وأعاد صياغته على طريقته الخاصة زميلنا العزيز رشاد كامل.. بل إنه وفى لفتة تخص صباح الخير وحدها وضع رئيس التحرير السابق «زمنا» محمد هيبة كل وقته وجهده وإمكانياته وخبرته تحت أمر رئيس التحرير الجديد وفوق ذلك أبدى أحد أساتذتنا الكبار وصاحب الأسلوب البديع والقلم الذى يسرق عقلك ويستحوذ على فكرك أستاذنا منير عامر. قالها أمام كل الأجيال.
أنا على استعداد للعمل فى مجال التحقيق الصحفى!!
بصراحة أخجلتم تواضعنا أيها الأساتذة الأجلاء الذين زرعتم البذرة التى أنبتت كل هذه المواهب، فانطلقت وتفجرت ينابيع تروى الصحافة العربية والمصرية بنوع خاصة من الكتابة ليس له نظير فى الكون موطنه الأصلى مجلة «صباح الخير» هذه المجلة التى يذوب فيها الكل فى واحد من أول الساعى حتى رئيس التحرير الكل يساهم فى إخراج هذه المطبوعة التى كانت وسوف تظل مجلة القلوب الشابة والعقول المتحررة.