«إننى أرى صورة الطفلة أمامى، وأسمع صوت بكائها وتوسلاتها، وأشعر بآلامها، وأرى ذلك الأب الذى لم يرحم ابنته، وتبلدت مشاعر الأبوة لديه، واقتادها، لمركز الحرمين الذى لايحمل من مسماه شيئا، وثبتت سوء نية الطبيب..» ..بهذه الكلمات المؤثرة بدأ ممثل النيابة العامة مرافعته فى القضية التى نظرتها محكمة أجا بمحافظة المنصورة الخميس الماضى، ضد الطبيب فضل حلاوة ووالد الطفلة سهير الباتع 13 سنة، لاتهامهما بالتسبب فى وفاتها، بإخضاعها لعملية ختان الإناث، المجرمة قانونا فى يونيو 2013. ووجه ممثل النيابة فى نهاية مرافعته رسالة إلى كل أم مصرية «ارعى ابنتك واحميها من الختان، وربيها على العفة والأخلاق»، وختم المرافعة بقوله «لا أزال أسمع صوت الفتاة يتردد فى ساحة المحاكمة تطالب بحقها وتتساءل عن ذنبها بما لحق بها، وتطالب بتطبيق مواد القانون على من تسببوا فى قتلها، حماية لأطفالنا.
المحكمة كانت قد أجلت نظر الدعوى فى 22 مايو الماضى، للإعلان بالدعوى المدنية وسماع مرافعة النيابة، وأجلتها هذه المرة إلى 10 يوليو القادم لإطلاع محامى المتهمين على أوراق القضية بحسب طلبه، وللإعلان بالدعوى المدنية التى قدمها المجلس القومى للسكان.. وهى المحاكمة الجنائية الأولى ضد طبيب وأب لممارسته ختان الإناث، منذ تجريمه فى يونيو 2008.. وتنص المادة 242 مكررا من قانون العقوبات على أن: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه كل من أحدث الجرح المعاقب عليه فى المادتين 241، 242 من قانون العقوبات عن طريق إجراء ختان الإناث». بداية القضية كما تحكيها منى أمين، مديرة البرنامج القومى لتمكين الأسرة ومناهضة ختان الإناث بالمجلس، كانت عندما تقدم الأب ببلاغ يتهم فيه الطبيب بالتسبب فى وفاة ابنته بعد أن أجرى لها عملية ختان.. وفى نفس يوم الوفاة عاين مفتش الصحة جثمان الفتاة وأثبت فى تقريره وجود قطع فى العضو التناسلى، باستخدام جهاز الكى، واحتمال أن تكون الوفاة بسبب صدمة عصبية أو هبوط حاد فى الدورة الدموية، وحول المحضر للنيابة.
وعندما بدأت النيابة التحقيقات مع الأب، تراجع عن أقواله التى قالها فى محضر الشرطة، وقال إنه أخذ ابنته للطبيب لشعورها بألم فى الرحم، وأن الطبيب قال له إنها تعانى من زوائد جلدية ويجب استئصالها، وعدل عن اتهامه للطبيب بالتسبب فى الوفاة.. وعندما استجوبت النيابة الطبيب، أنكر إجراءه الختان، وقال إن الفتاة كانت تعانى من زوائد جلدية، وأنه أزالها باستخدام جهاز الكى، مستخدما بنجا موضعيا، وأنه أعطى الفتاة بعد ذلك حقنة مسكن لشعورها بالألم، وبعدها أصيبت بتشنجات وزرقة بالأطراف، بسبب الحساسية من حقنة المخدر وفارقت الحياة.. أما الطبيب الشرعى الذى انتدبته النيابة لمعاينة الجثة، فكتب فى تقريره أن قرار تدخل الطبيب لإزالة الزوائد الجلدية كان سليما، وأن الطبيب أخطأ بإهماله الجسيم فى عدم اختباره لحساسية الطفلة للمسكن.
وعندما سألته النيابة هل كانت الواقعة ختانا أم لا، قال بأنه لا يستطيع الجزم بما إذا كانت العملية ختانا أم إزالة زوائد جلدية، لأن منطقة الكى هى نفس المنطقة التى يجرى فيها الختان، بحسب ما رصدت مذكرة النائب العام فى 11 مارس الماضى.
وتتابع منى أمين: إن المجلس القومى للسكان كان يتابع الواقعة، وتدخل فى ذلك التوقيت فطلب من النائب العام فى نوفمبر الماضى تشكيل لجنة من خبراء الطب الشرعى، لفحص التقرير السابق، وللتحقق من كون الوفاة قد نتجت عن إجراء طبى مقرر، أم تدخل بالختان المجرم بالقانون.
∎ النائب العام يحيل الدعوى للمحاكمة الجنائية
استجاب النائب العام للطلب وتم ندب لجنة ثلاثية يرأسها كبير الأطباء الشرعيين، لإعادة فحص التقرير، وانتهت تحقيقات النيابة إلى توجيه تهمة القتل الخطأ للطبيب، وتهمة إجراء ختان لكل من الطبيب والأب، وإحالتهما للمحاكمة.
وفى مارس الماضى، قررت النيابة العامة إحالة أوراق القضية إلى المحاكمة الجنائية، باعتبار أن الواقعة تشكل جنحة القتل الخطأ نتيجة الإهمال الجسيم المجرم بقانون العقوبات، وجنحة إجراء جرج عمدى بالختان، المجرمة فى قانون العقوبات، وجنحة تعريض طفلة للخطر المجرمة فى قانون الطفل، وجنحة عدم استيفاء المنشأة الصحية للاشتراطات الصحية، المجرمة.
∎ توجيه المجتمع قبل العقاب
وخلال جلسة المحاكمة قال ممثل النيابة «إن الجريمة تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان، ولحق الطفلة فى الحياة، على يد طبيب عن طريق ممارسة ثبت تجريمها، ببيانين صادرين عن دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف فى 2007، وبعد قيام حملات استرشادية للتوعية بمضارها، وبأنها مخالفة للقانون».. وسردت المرافعة تفاصيل القضية، وأدلة الاتهام، وانتهت إلى أنها أثبتت ارتكاب الجريمة.
وتقول فيفيان فؤاد، المنسق بالبرنامج القومى لتمكين الأسرة ومناهضة ختان الإناث بالمجلس القومى للسكان: إن مرافعة النيابة تدل على أن القانون لايلعب دورا عقابيا فقط، ولكنه يلعب دورا فى التوجيه الاجتماعى للمجتمع، عن طريق إرسال رسالة اجتماعية للآباء والأمهات بمراعاة حقوق الفتيات.
وبحسب آخر مسح صحى سكانى أجرى فى 2008 فإن نسبة ممارسة ختان الإناث فى مصر وصلت إلى 47٪ بين الفتيات فى المرحلة العمرية من 15 إلى 17 عاما، بينما وصلت النسبة إلى 91 ٪ فى المرحلة العمرية من 15 إلى 94 عاما. وكشف المسح عن أن أكثر من 70٪ من الممارسة تتم على يد الأطباء، بعد أن كانت نفس النسبة تتم على يد الممارسين التقليديين، من الدايات وحلاقى الصحة فى مسح أجرى عام 1995.