آمال عريضة وأمنيات بالخروج والفسح والسفر للمصيف وصلت لتنظيم جدول لتمضية إجازة الصيف بما يضمن الرضا لكل أفراد الأسرة بعد عام دراسى مشحون ومتوتر.. ومع آخر يوم امتحانات تكسرت كل تلك «الشطحات» الخاصة بالأمهات وباءت بالفشل، فيطلب الأبناء «بالفم المليان» أن ننساهم تماما آخر يوم امتحانات فهو لهم ولأصحابهم وإذا اعتقدت كأم أنه سيكون اليوم الوحيد الذى لن ينطبق عليه جدول الفسح الأسرية فأنت واهمة فالأيام تتسلل من بين يديك يوم تلو الآخر لجدول آخر تماما خاص بهم مع أصدقائهم وخروجات شبابية بسيطة كقعدة كافيه أو الذهاب للنادى أو عيد ميلاد لأحد أصدقائهم تتبخر معها الأيام ويصل الأمر لتنظيم سفريات خاصة بهم إذا كانوا أكبر سنا.
وإذا أردت ألا تنغصى عليهم إجازتهم وتتركيهم لمشاريعهم الصغيرة التى تسعدهم خارج البيت فى مقابل لمة أو قعدة أسرية داخل البيت أو فى النادى مثلاً فأنت أيضاً واهمة فأصدقاؤهم معهم على مائدة السفرة وفى غرفة المعيشة وداخل غرف نومهم فالموبايل الذى «ينقطع نفسه» وشحنه من كثرة الشات مع أصحابهم كفيل بأن ينقلهم فى دنيا بعيدة جدا عنك حتى لو جلسوا ملاصقين لك على الكنبة.. دنيا من التفاصيل التى يعيشونها مع أصحابهم ويكون وجودهم كعدمه لا حديث ولا كلام مهما حاولت جذب أطراف الحديث وهو ما يستمر إذا قررت السفر للمصيف فأصحابهم على النت معهم إن لم «يظبطوا مواعيد سفرهم أيضا معهم» وتتبقى فى ذهنك ذكريات عن المصيف واللمة على الشاطىء أو لعب الكوتشينة والطاولة وأنت صغيرة وسط أهلك وأفراد أسرتك أشبه بقصة خيالية تحكيها لأولادك اليوم لأنها مستحيلة الحدوث..
أما الغريب الذى تغفله معظم الأمهات أنك إذا توقفت قليلا بعد مضى أيام من الإجازة دون إتمام أى مشروع أسرى لخروجة أو سفرية لن تجدى ابنك أو ابنتك هى السبب الوحيد لإفشاله بل قد تجدين مواعيد عملك أو مواعيد عمل زوجك وقدرتكم على استقطاع أيام للإجازة ففى زحمة الشغل خاصة لو كان عملك عملاً ليس روتينيا بمواعيد ثابتة فقد تجدين الإجازة كلها تمر ولسان حالك يقول «الأسبوع الجاى لازم اخد يومين إجازة» ثم تجدين ألف سبب وسبب لتؤجلى الإجازة.. وهكذا.. إلى أن تجدى الأيام تمر دون أن تحققى حلم لمة الإجازة وتصبحين أنت أو زوجك شركاء فى هذا الفشل وليس فقط أولادكم..
∎ زى كل سنة
السيدة ليلى البستانى ربة منزل زوجة وأم لثلاثة أطفال فى المرحلة الإعدادية والابتدائية تحكى عن سيناريو الإجازة الذى يتكرر منذ عدة أعوام فتقول: عندما كان أولادى صغارا فى الحضانة وأوائل صفوف الابتدائى كنا نسافر فى إجازة نصف العام وكذلك فى الإجازة الصيفية وكان زوجى لظروف عمله الخاص يأخذ الإجازة بصعوبة تحت إلحاحى أنا والأولاد فتكون هذه الأيام هى أيام متعتى الحقيقية التى نجتمع فيها كأسرة وبعد أن أصبحت المناهج طويلة وصعبة أصبح حتى الطفل فى الأول والثانى الابتدائى يعانى من المذاكرة وبالطبع الأم هى أول من تعانى معه فكانت أيام الإجازة المتنفس الوحيد ومع مرور الأيام كبر أولادى ومع كل يوم انشغلوا أكثر بأصدقائهم خاصة مع الموبايلات والإنترنت واليوم ابنى أحمد عنده 14 سنة وابنى محمد 12 سنة لا أراهما فطوال الوقت الدراسى إما المذاكرة وإما النادى والتمارين وفترة الراحة يجلسان مع أصحابهما خارج البيت أو داخله على الموبايل وأصبحت مجرد طباخة لهما وعندما أطلب منهما الجلوس معى أشعر بأنى «أشحت» منهما هذه الدقائق وفى الإجازة أكون أنا الوحيدة المصرة على السفر للمصيف فزوجى «زى كل سنة» مشغول بعمله وولداى سعيدان بالنادى وأصدقائهما وابنتى الصغرى لأنها لا زالت فى الصف الثانى الابتدائى هى الوحيدة التى تشجع فكرة السفر مع أنها دائماً على النت أيضا وأنا أعلم أنها بعد كام سنة ستنشغل عنى أيضاً فلم يعد هناك فرق بين إجازة وغير إجازة!
∎ كلنا مشغولون
رانيا سعيد مديرة تسويق بإحدى الشركات أم لبنتين فى المرحلتين الثانوية والإعدادية تقول: للأسف فكرة الإجازة فى حد ذاتها أصبحنا لا نشعر بها فأنا مشغولة جدا وابنتاى الاثنتان فى التعليم الأمريكى فليس لهما فترات طويلة فى الإجازات وزوجى يعمل بمنصب رقابى فى إحدى الشركات أيضا وفكرة أيام إجازات طويلة صعبة لذا فنحن عندما نجد الظروف ملائمة لنا جميعاً نخطف يومين للإجازة معاً ولكننا لا نستطيع تثبيت هذه الفترة أو أن تتجاوز الثلاثة أو أربعة أيام ولكن بناتى قد يسافرن فى معسكر مع صديقاتهن ومدرستهن وأحيانا أنا أسافر ليومين مع صديقاتى للسخنة إذا كان هناك إجازة رسمية لكن بناتى يكون لديهن دراسة لظروف دراستهن وأحياناً زوجى يسافر بدوننا لعدة أيام مع أصدقائه للسفر للصيد ولكن هذا لا يمنع أن يوم الجمعة نتغدى جميعاً معا مع والدتى ووالدى وبالطبع أنا أفتقد فكرة الإجازة والسفر للمصيف كأسرة معاً لأنها قد تمر أعوام دون استطاعتنا أن نصيف معاً.
∎ يومان فى الشتاء وأسبوع فى الصيف
أما الدكتور على محسن فهو زوج وأب لأربعة أولاد فى المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعة فيقول: للأسف أيامنا هذه الأب والأم والأولاد كلهم مشغولين عن بعض، فالدراسة أصبحت صعبة و المناهج طويلة والدروس تأخذ من وقت الابن والبنت والطرق أصبحت زحمة وتأخذ ساعات فعندما أرجع بيتى أجد أولادى نائمين بعد يوم طويل وأعرف أخبارهم عن طريق زوجتى التى يشغلها أيضا عملها بالتدريس لذا فأجد أن الإجازة شىء ضرورى لإعادة التوازن الأسرى، بالعافية آخذ يومين فى الشتاء فى إجازة نصف العام فى العين السخنة وأسبوع فى الصيف فى الساحل الشمالى لكن للأسف فاللمة الأسرية لا تحدث فاليومين الإجازة التى من المفترض أن نأخذهما كإجازة وأحاول أن أغلق الموبايل لفترة من اليوم لأجلس مع أولادى أجدهم مشغولين على موبايلاتهم فى الشات مع أصحابهم أو يقابلوهم إذا كانوا مسافرين أيضا مثلنا فى الساحل الشمالى وأنا دائم الخناق معهم لذلك.
∎ تحليل اجتماعى
ولنظرة تحليلية اجتماعية للأسرة المصرية لجأنا للدكتور سعيد صادق أستاذ الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية يقول: المجتمع لا يثبت على حال فهناك تغييرات اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية تؤثر على الأسرة وسلوكها وقوة ترابطها.. ومع انشغال جميع أفراد الأسرة بالدراسة والعمل وشغل أكثر من وظيفة انعكس هذا طبعا على سلوكهم والتكنولوجيا لها أبعاد متناقضة فهى قربت البعيد وباعدت القريب. وخلقت إدمانا بين الجيل الناشىء مقارنة بالأجيال السابقة وعززت من الفجوة الاجتماعية والتكنولوجية بين الأجيال. جيل الإنترنت والفيس بوك ضد جيل الفاكس.. هذه الظاهرة نتاج تطورات اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية.
بعض الأهل واكبوا العصر ويتحدثون لأبنائهم وبناتهم على الفيس بوك أو عن طريق إرسال بريد إلكترونى أو رسائل تليفونية فى الأعياد.. وعن انشغال الآباء والأمهات أنفسهم يضيف الدكتور سعيد: أكثر من 60٪ من الشعب المصرى يعمل فى أكثر من وظيفة بسبب الأوضاع الاقتصادية ومن الطبيعى أن ينعكس هذا الوضع الاقتصادى على الحياة الأسرية والإجازات المشتركة ومن الممكن طبعا تحديد وتنسيق ميعاد محدد لقضاء جزء أو أغلب الإجازة سويا كلما أمكن ذلك. المسألة كلها تنسيق مسبق ومحاولة لم الشمل فى كل فرصة سانحة.
∎ أيها الآباء والأمهات طريقكم المسايسة
«الحكاية كلها تحل باللطف والمسايسة» هكذا بدأت معى الدكتورة ليلى كرم الدين أستاذ بمعهد دراسات الأمومة والطفولة بجامعة عين شمس ورئيس لجنة قطاع دراسات الطفولة ورياض الأطفال بالمجلس الأعلى للجامعات حديثها معى حول المدخل الذى يمكن للأم أن تسلكه لتقليل هذه الفجوة التى أحدثتها ثورة التكنولوجيا فى أيدى أولادها وتكمل قائلة: عندما توجهين ابنك بأسلوب عنيف أو تحرجينه فيه أمام الناس فتقولين له «سيب اللى فى إيدك.. اتكلم مع الناس.. هاسحب منك الموبايل» فإن الطفل أو المراهق يرد بعنف ويعند وتزيد الفجوة لكن لو دخلت من طريق «إنت واحشنى.. ماتكلمناش مع بعض من فترة عشان الامتحانات.. دى فرصة تقعد معايا ومع بابا وجدتك إنت واحشهم» وأبدأ فى الحديث عن مواضيع تهمهم وتثير فضولهم أو تستهويهم حسب سنهم واهتماماتهم عن حياتهم أو أصحابهم أو مواقف حدثت لى آخد رأيهم وأشعرهم بأهميتهم وتأثيرهم القوى وتأثير حوارى معهم ولا استسلم أبدا لانجذابهم للنت والألعاب والشات مع أصدقائهم فاتركهم لفترة ثم أحاول جذبهم من الحين للآخر حتى لا يتأثر تفاعلهم الاجتماعى مع من حولهم من كثرة تركيزهم فى الواقع الافتراضى.
وحول أهمية الإجازة التى تجمع أفراد الأسرة تقول الدكتورة ليلى كرم الدين: من أهم ما يكون اقتطاع وقت للسفر مع الأولاد وفى وجود الاب والأم وأيضا الجد والجدة حتى لو «ويك آند» طويل قليلا بإضافة يوم أو يومين له ويكون وقت للعائلة اقترب من أولادى اتكلم معهم والعب معهم لأن هذه الأيام القليلة لها أكبر الأثر فى ارتباطهم بى على المدى الطويل وهى أفضل وسيلة للحفاظ على العلاقة القوية بين الآباء والأبناء رغم الانشغال والتكنولوجيا وزحمة الحياة ولغياب تلك الإجازة تأثير أكبر بكثير مما يعتقده الآباء فنجد كل مشاكل غياب القدوة من عنف الأولاد وانحرافات وغياب للقيم تحدث فى الأسر التى لا تجتمع ولا تربط أفرادها الذكريات والأحاديث والتى يكون فيها الأب يسافر مع أصدقائه والأم مع أصدقائها والأولاد مع أصدقائهم لذا فأنا ضد هذا النوع من الإجازات تماما التى تفصل أفراد الأسرة بدلا من أن تجمعهم.