أقدرك وأحترمك، فقد تحملت عبئا ثقيلاً فى وقت عصيب، وأمانة يصعب حملها وتحملها، ومسئولية وطن غال وكبير بعد أن امتلأ بالثقوب، وتكالب عليه الكثيرون فى الداخل والخارج من أبنائه وأعدائه، وطفت على سطحه وغطت أرضه كل صور الفساد والفوضى والتسيب والانفلات الأمنى والنفسى والأخلاقى والقيمى حصيلة السنوات العجاف التى عشناها قبل ثورتى 25 يناير و30 يونيو سواء بإرادتنا أو رغماً عنا حتى طفح الكيل وانكشف المستور. وبعد ذلك تاهت منا الثورة أو تهنا نحن- الشعب- عنها وأصاب السعار الكثيرون بدءاً من سعار الكلمات والشعارات الجوفاء، ووصولاً إلى محاولة الانقضاض على أى مكسب حتى لو كان على جثة الوطن دون محاولة لملمة جراحه واقتلاع جذور الفساد الضاربة فى العمق وتحتاج لسنوات لا يعلم مداها إلا الله.
والآن وقد اقترب موعد تسليم هذه الأمانة- بعد أيام قليلة- وعودة سيادتكم لمحراب العدالة وساحة القضاء من جديد، اسمحوا لى بأن أخاطبكم ليس فقط كرئيس للجمهورية تحمل مسئولية الجميع والوطن بأكمله على عاتقه- رغم كل الصعاب والتحديات- ولكن أيضاً كقاض كان عند توليه المسئولية على رأس أعلى سلطة قضائية وهى المحكمة الدستورية العليا. ومن هنا ورغم أن الأيام التالية لكم فى الحكم باتت معدودة عقب الانتخابات الرئاسية، لكنى أريد منكم كرجل عدالة وعدل أن تأمر بحصر جميع من فى السجون والمعتقلات، ومن بينهم من هو تحت الحبس الاحتياطى المفترض أنه منظم بنص القانون، وأن يتم بحث حالات من ليست لهم صلة بأى جريمة ضد الوطن أو يعاقب عليها القانون، ومن تم أخذه لمجرد الشبهة أو تشابه الأسماء، وأيضاً من لا تعلم أسرته عنه شيئا فمن حقه وحقهم أن يعلموا لماذا ومتى وأين تم القبض عليه وما هى تهمته، وأن توجه له هذه التهمة عن طريق النيابة العامة وهى الأمينة على الدعوى العمومية للمجتمع، وأن يكون له محام يتولى الدفاع عنه فى حالة وجود اتهام ما.
فليس معنى أن نحارب الإرهاب، وأننا فى معارك يومية معه ويسقط منا شهداء- سواء من الجيش أو الشرطة أو من مدنيين من الشعب- أقول ليس معنى ذلك أن نزج بأبرياء فى السجون أو حتى فى الأقسام، وليس معنى أن نحارب فى مواجهة من يحملون السلاح ضدنا أن نواجه بالقوة أيضاً أصحاب الرأى الذى يخالفنا وأن نعاقبهم ونسجنهم ونعذبهم دون جريمة ودون قضاء، وما خفى كان أعظم.
على سبيل المثال لا الحصر، لقد قمت بالكتابة عن الشاب عمرو ربيع وذلك بتاريخ 15 أبريل الماضى بعنوان «أين الشاب عمرو ربيع» الذى اختفى منذ 16 مارس الماضى أى منذ أكثر من شهرين وأسرته لا تعلم عنه شيئاً.
وذكرت حرفياً «إنه لم يعد من الممكن أن نسكت أو نصمت أمام أى واقعة اعتداء على حرية أى مواطن دون جريمة اقترفتها يداه أو لمجرد إبداء رأى ما، فالحرية مكفولة للجميع ولكنها الحرية المسئولة».
ورغم مرور أكثر من شهر على نشر هذه الصرخة لم يرد أى مسئول عن هذا التساؤل «أين الشاب عمرو ربيع» وحتى الآن لا تعلم أسرته عنه شيئاً والمفترض أنه طالب فى كلية الهندسة جامعة القاهرة وتم القبض عليه، فهل هذه الواقعة لها علاقة بأى قانون؟!
أليس من حقه ومن حق أسرته أن تعلم ما هى جريمته؟! وأين الأوراق والأدلة التى تقف خلف اختفائه وهو الذى- كما نشرت من قبل- يشهد الجميع بنشاطه الدءوب فى العمل التنموى وخدمة المجتمع فى المشاريع الخيرية المختلفة مع الجمعيات التى تحمل رسالة إنسانية وكان من المفترض أن يؤدى فى هذه الأيام امتحانات نهاية العام الجامعى، والغريب إنه بعد نشر هذه الصرخة تلقيت وسمعت أصواتاً كثيرة تكرر أن هناك حالات عديدة تشابه حالة الشاب عمرو ربيع وإن اختلفت التفاصيل؟!
إننى هنا لا أدافع عن أى خارج عن القانون أو من يقوم بالاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات سواء العامة أو الخاصة أو يشارك فى تخريب الوطن، ولكنى أدافع عن الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة أمام البعض ممن لايزالون يهوون الممارسات الأمنية الخاطئة مع كل الاحترام لمن يؤدى عمله بنزاهة وأمانهة وشرف واحترام للقانون، وأنه لا عودة من جديد للخلف وإن كانت هناك بعض الخطوات للأسف ورغماً عن الثورة والثوار عادت للخلف در. نحن لا نريد ديمقراطية تسقط أو تتهاوى عند أول معول للهدم.
لا نريد شعارات أو دغدغة مشاعر.
لا نريد ديمقراطية أغانى، وهتافات حماسية.
نريد ديمقراطية حقيقية حتى ولو كانت فى «سنة أولى».
نريد ديمقرا نرجوكم كرجل قانون وكقاض لا تسمحوا بالظلم ولا تسمحوا بالتجاوزات فلا يوجد مبرر للظلم، اجعلوا القانون هو السيد وأن ينال كل مخطىء جزاءه تحت راية العدل وسيف القانون ولله الأمر من قبل ومن بعد. تأملات:
∎ قال أفلاطون: أفضل الملوك من بقى بالعدل ذكره، واستملى من أتى بعده فضائله.
∎ قال إمام المتقين على بن أبى طالب كرم الله وجهه: خف الضعيف إذا كان تحت راية الإنصاف، أكثر من خوفك القوى تحت راية الجور، فإن النصر يأتيه من حيث لا يشعر وجرحه لا يندمل.
∎قال الخليفة عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين، وقد كتب إليه عامل حمص يقول إنها تحتاج إلى حصن، فقال حصنها بالعدل والسلم.
∎ قال سمعون الواعظ وقد قال له السلطان محمود: عظنى واوجز، فقال: افعل برعيتك كما تحب أن يفعل الله بك.
∎ وقالت العرب: العدل أقوى جيش وأهنأ عيش، الأصبع التى تقطع بعدل الشريعة، لا تؤلم. عليك بالعدل إن وليت مملكة ........ واحظر من الجور فيها غاية الحذر
فالملك يبقى مع العز البهيم ولا ........ يبقى من الجور فى بدو ولا حضر
∎ وأوصى بعد العرب ابنه، فقال: يا بنى، إياك والجور. فإن من استعمل الجور مع الناس، استعمل الله معه العدل. وعليك بالعدل، فإن من استعمل مع الناس العدل، استعمل معه الله الفضل، والسعيد من تفضل الله عليه.
∎ قال فيكتور هيجو: لئن ضررت من جراء جهرى بالحق، خير من أن يضر الحق من جراء إحجامى عن الجهر به.