نسمة هواء رقيقة معطرة برائحة البحر، أستنشقها بعمق، أستمتع بلحظات مرورها قبل أن تذهب، لأنى أعرف أنها ستذهب، لم أعد أحلم ببقاء النسمات الحلوة.. هى تأتى أحيانا وتختفى، علمتنى الحياة هذا.. وفهمت.. وردة جميلة رائحتها حلوة أشم رائحتها.. أستمتع بمنظرها الجميل قبل أن تذبل لأنى أعرف أنها ستذبل.. علمتنى الحياة هذا.. وفهمت. هذه الغبطة التى يستشعرها القلب أحيانا أتركها تغمرنى بلا تفكير فيما بعد.. أفرح بهذه الغبطة أستمتع بسريانها فى عروقى قبل أن تذهب.. فهى تأتى أحيانا وتذهب.. علمتنى الحياة هذا.. وفهمت، كانت تستهوينى عبارة.. ضع يدك فى يدى ونسير إلى الأمام.. علمتنى الحياة أن أمسك بيدى يدى فالعبارة التى كانت تروقنى، لها سحر النشوة الوقتية وبعدها أجدنى أمسك الهواء.
علمتنى الحياة كثيرا.. وفهمت.. ولأنى فهمت فشعور الإحباط يسحبنى: لكنه لا يسحبنى بشدة لأنى فهمت أن لحظة الإحباط لا يصح أن تكون شديدة الانخفاض.. ولمحة الأمل لا يصح أن تكون شديدة الارتفاع.. «لقطة مع زمن النضوج».
∎ ذروة الأشياء المحبطة
كان يقود سيارته ممتعضا من سلبيات الطريق، من ازدحام السيارات وفوضى المرور، قال صديقه الجالس بجانبه.. إننا فى وقت الذروة قال بامتعاض.. كل ساعات اليوم أصبحت ذروة فهل هذا البلد لا يعمل فيه سوى ثلث سكانه؟! وظائف شاغرة فى إعلانات الجرائد والبطالة تزداد.. يا صديقى نحن فى ذروة الأشياء المحبطة.
حكى لصديقه عن رئيس المؤسسة التى يعمل بها، أشياء كثيرة لا تعجبه.. سأله صديقه ألم يكن رئيسك هذا صديقا لك؟ قال بامتعاض: كثيرا ما يحدث فى الحياة أن يتغير الإنسان عندما يصل إلى منصب كبير، يختلف مظهره الخارجى فترى الاعتدال فى هيئته والزهو فى مشيته، ويختلف سلوكيا، إن تحدث فى اجتماع يختار كلمات كبيرة يحفظها عن غيره! ولا تفارق شفتيه ابتسامة الكبرياء البلهاء أو الصفراء الباهتة.. حاجة تقرف.
سأله صديقه: وكيف تتعامل معه؟ قال بامتعاض بحرص شديد، رفضت أن أكون له جاسوسا فعاملنى ببرود، أتعامل معه فى حدود العمل، لأنه يحتاج لخبرتى وللأسف كثيرون من الزملاء أصبحوا عيونا على بعضهم البعض وجو العمل أصبح مقرفا.
سأله صديقه: تغار منه لأنه أصبح فى هذا الموقع وأنت مازلت فى موقعك؟!.. قال بامتعاض: أغار؟!! طبعا لا.. موقعى أهم من موقعه.. لكن الناس فى السلطة وغيرهم يفضلون أمثاله من أصحاب الكلمات الكبيرة ويعتقدون أنهم ماداموا لا يفهمون ما يقوله فلان.. فلابد أنه مثقف.. أو خبير.. حاجة تقرف.
سأله صديقه لماذا لا تفصح عن حقيقة الرجل لمن اختاروه؟! قال ستبقى يا صديقى طول عمرك ساذجاً فما أسهل تكذيب الحقائق فى بلدنا.. وسأتهم أنا بالحقد وإثارة البلبلة فى الشركة.. ثم انتقل بجدية إلى أخبار قاتمة.. وحوادث مؤسفة أو سلوكيات سلبية فى المجتمع وصدق على كلامه بأننا فى ذروة الأشياء المحبطة.
إلى أن وصل بسيارته إلى كورنيش النيل وفجأة بدأ يغنى.. يا حلاوة الدنيا يا حلاوة.. يا حلولو.. يا حلاوة.. ضحك صديقه فأشرق وجهه بابتسامة وقال: الجو جميل اليوم والحياة حلوة يا صديقى بالرغم من الحاجات الكثيرة المقرفة «لقطة من زمن.. إلى زمن».
∎ الطاووس
نظرت إلى السماء، سحب صغيرة، بيضاء، طيور صغيرة كثيرة وأصواتها عالية، لا تدرى من أين تأتى وإلى أين تذهب هذه الطيور المهاجرة.. كل ما تدريه أنك تراها فى فترتين من العام، مرة تعلن عن بدايات الصيف فتبتهج ومرة تعلن عن انتهائه فيصيبها شىء من الشجن.. إنها اليوم تبتهج تستقبل بدايات الصيف ورائحة زهور ثمار الشجر وعودة حبيبها بعد غيبة طويلة، الطبيعة تبتهج لعودته إلى أرض الوطن، وكأن الكون أصبح نغمة جميلة من الابتهاج وهى ذاهبة للقائه.
تعطرت بالعطر الذى كان يحبه، لكن رائحة عطره كانت أقوى من عطرها فلم ينتبه له.. كلما بدأت تتحدث.. يتحدث هو يسألها السؤال وعندما تبدأ فى الإجابة.. يدخل فى موضوع آخر يخصه هو، تركته يتحدث وبدأت لا تنصت له.
نظرت إليه نظرة محايدة تذكرت عذابات تعلقها به، وعذابات تركها معلقة بين اليأس والأمل، وأيقنت أنها فى شهور غيابه كانت مرتاحة من هذا القلق، وأن حياتها صارت هادئة وقد أنجزت فى عملها ضعف ما كانت تتخيله.. وأنها كانت فى صحبة صديقات وأصدقاء.. صحبة مهتمة بوجودها وحديثها.
خرجت من سرحتها فى أفكارها نظرت إليه وكان مازال يتحدث.. شاهدت طاووسا أمامها، لقد نسيت فى غيابه والشوق له أنه يتطوس ويتحدث بإعجاب عن نفسه ومشاريعه وسفرياته وأناقته.. ولا يلتفت لمشاعرها.. ولن يلتفت.. وسيتركها دائما معلقة بين اليأس والأمل. ربما تعب من الكلام فسألها وهو يشعل سيجارة عن مشاريعها.. لم يسألها ماذا فعلت فى غيابه!! قالت بدون انفعال غاضب قررت أن أنهى علاقتى بك.
ابتسم.. ضحك وهو يقول تعودت على وجودك فى حياتى.. وقالت وأنا تعودت عدم وجودك فى حياتى.
خبط على المنضدة بينهما.. التفتت ناحيتهما بعض رءوس الناس المتواجدة فى المكان، إنها أول واحدة تحبه وتنهى علاقتها به.. هو الذى كان ينهى العلاقة عندما يملها أو يجد غيرها أو تخنقه بفكرة الارتباط.. فماذا حدث؟!
هل فقد الطاووس بريق ألوانه الزاهية؟! أما هى فقد عادت كما جاءت مبتهجة تستقبل بدايات الصيف ورائحة زهور ثمار الشجر وعودة الأمل لحياتها.. فالقرار بإنهاء علاقة حب يائسة هو فى حد ذاته بداية أمل «لقطة.. فى زمن شباب امرأة». ∎ مونولوج
نعم.. سيدتى.. فلكل رجل مطلق، امرأة مطلقة.. هذه الحقيقة التى قالتها يوما الطبيبة النفسية ولم تعجبك.. وبالرغم من هذا الحب الذى تسلل إليك والشعور الحقيقى تجاه هذا الرجل حاولت مراوغته بتأجيل الزواج حتى تتعرفا على بعضكما أكثر وسألك صادقا كيف لا تفهمان بعضكما وتعرفان ماذا تريدان وأنتما فى هذا العمر؟!
سيدتى.. إننا لا نتخلص من ماضينا تماما وكما تعرفين لا يوجد شىء تماما، وإذا كنا نشكر الحاضر على ما يعطيه لنا.. إلا أننا أحيانا لا نعيشه تماما.. وإذا كان زواج اثنين فى عمر كبير بعد سنوات طويلة من التجارب له مميزاته الكثيرة إلا أن لكل منهما ماضيه الذى لا يستطيع التخلص منه تماما، فلا تسمحى لهذا الماضى أن يعكر عليك صفو حياتك، إذا خرج لك فجأة فى الحاضر أو إذا امتزج مع تخيلاتك المحبطة التى لا تستطيعين التخلص منها تماما.. ربما تتكدرين من ذكريات الفشل القديم.. فكان لابد من اجتيازك طرقاً كثيرة حتى تعرفى الطريق السليم.
سيدتى إذا وهبتنا الحياة حبا جديدا لا داعى لتعذيب أنفسنا بذكرى حب مضى.. الرجل الذى فى حياتك الآن ليس له ذنب فى اضطراب حياتك السابقة.. فلا تحاسبيه على ما فات تنبهى سيدتى عند غضبك لهفوة من هفوات الرجال العابرة ألا تضيفى غضبك القديم على غضبك الحديث وتحمليه ذنب كل عذاباتك السابقة.