ريشة: إيهاب شاكر تعالوا نفرح.. تساءلوا كيف؟!.. والثورة المضادة لا تسمح لنا بالفرح.. نعيش فى رعب وقلق من هذه الأفعال التخريبية والتصرفات المفزعة التى تقوم بها هذه الثورة المضادة لتفشل الثورة الجميلة التى عشناها فى الشهر الأول فى هذا العام. يا جماعة إنها ليست ثورة مضادة - لا يعجبنى التعريف.. إنها كما قال زميل العمر الكاتب مفيد فوزى ذات صباح فى مجلة صباح الخير إنهم أعداء النجاح لكل من يهدم النجاح، وأصبحت مقولة مستخدمة للجميع. إنهم أعداء الثورة الذين يريدون أن ينكدوا علينا بعد أن فرحنا، إنهم أعداء الثورة الذين يريدون أن ننكس رؤوسنا بعد أن رفعناها. إنهم.. إنهم.. يكفى إنهم أعداء الثورة.. تعالوا نغيظهم ونفرح. تساءلوا.. كيف؟! وصور الفاسدين تطالعنا وجوههم القبيحة كل صباح فى الصحف، وما فعلوه بالوطن يثير الحزن والاشمئزاز. يكفى أنهم خلف قضبان العدالة القضائية وفوقها العدالة الإلهية التى أنزلتهم من أعلى عليائهم إلى الحضيض لنترك صورهم القبيحة ونشاهد شيئا جميلا.. يا جماعة إننا فى الربيع.. ربيع بلادنا بدأ.. لننتهز فرصة الربيع ونرفع من معنوياتنا بالشعور به، لنرى قدرة الخالق على إحياء الشجر بعد جفافه وليتمنى كل من جفت مشاعره أن تخضر كما اخضرت غصون الشجر.. لنذهب إلى معرض زهور الربيع.. فرحت لاستجابتهم. * أنشودة زهرة ذهبنا إلى حديقة الأورمان العريقة الجميلة حيث معرض زهور الربيع.. يا سبحان الله كان واحدا من تلك الوجوه القبيحة الفاسدة يريد أن يهدم هذا الجمال لبناء وحدات سكنية! وكان بعضهم وراءه مؤيدا.. هاجمتهم الأصوات الشريفة على مشروعهم المخرب والحمدلله لم يحدث.. لقد كانوا أعداء الحياة الجميلة للشعب وليس أعداء للثورة فقط. إعادة الميلاد فى الطبيعة يحرك المشاعر، عندما تظهر البراعم الخضراء فى الأشجار، وتتفتح الزهور تصعد رائحتها فى جو المكان.. تحرك المشاعر بالانتعاش. ترفعنا هذه المشاعر حتى خارج نفوسنا.. نشعر بأننا جزء من شىء أكبر، بتواصل روحانى مع هذا الشىء الجميل. اقتربت من زهرة ليمون.. غسلت رائحتها وجهى.. همست فى أذنى بكلمات من أنشودة الزهرة كما تخيلها الكاتب والفيلسوف «جبران خليل جبران». «أنا كلمة تقولها الطبيعة. أنا ابنة العناصر التى حبل بها الشتاء وتمخض بها الربيع.. عند الصباح أتعاون مع النسيم على إعلان مجىء النور، وفى المساء أشترك مع الطيور فى وداعه.. وأتنفس فى الهواء فأعطره.. أنا أنظر إلى العلو دائما كى أرى النور ولا أرى خيالى وهذه حكمة لم يتعلمها الإنسان بعد».. لنتعلم من الزهرة، لننظر إلى النور ونتغلب على المصاعب والتهديدات حولنا. * زهور صناعية حديقة رائعة. أشجار عريقة تظلل على أقسام المشاركين بإنتاجهم من الزهور والأشجار فى هذا المعرض السنوى للربيع. المحبون للزرع والزهور وجدوا فرصة لشراء ما يحتاجونه، ما يحبونه. ينسقون هذه الأقسام بتنويعات لونية من زهورهم وأشجارهم. وقفنا عند مكان. بهرنا بألوان الزهور المعروضة وأشكالها الغريبة عن زهور بلدنا.. وكانت تعليقاتنا.. إنها زهور نادرة.. نوع من أنواع الأبصال الجديدة.. لابد إنها مستوردة.. ربما تكون مزروعة بدراسة تخصيب معينة عندنا.. لابد من أنها غالية الثمن. يا صاحب الزرع.. بكم هذا النبات بزهرته النادرة؟! أشار إلى زهوره.. هذه.. وهذه.. وكلها أسعار عالية.. وقال بشىء من الفخر إنها كذلك غالية الثمن لأنها زهور صناعية.. أولا - لم نصدق.. اقتربنا منها لمسناها.. لمسنا أوراقها الخضراء. إنها حقيقة من أنواع أقمشة وأوراق مخصوصة وليست من البلاستيك القديم الذى كان يفضحها ويفضح أصلها!!.. دخلت سيدة إلى المكان.. سألت صاحب الزرع.. هل هذه الزهور تصلح فى الظل؟! يعنى داخل البيت.. قلنا فى صوت واحد.. إنها زهور صناعية! حرمنا الرجل من استعراض فخره بزهوره.. قالت بامتعاض إنها لا تحب الزهور الصناعية.. سيدتى لا يوجد أحد يسعى للحضور إلى معرض زهور الربيع ويحب الزهور الصناعية! يا صاحب الزرع لماذا تعرض زهورك الصناعية وسط هذا الجمال للزهور الطبيعية؟! قال.. ناس كثيرة تفضلها وتدفع فيها الثمن الغالى لتظل تزين بيوتهم. زهور خادعة.. إنها كما تقولون.. ثورة مضادة.. هذه الزهور الصناعية المزيفة عدوة للزهور الطبيعية.. إنها مثل أعداء الثورة.. إنها مثل هؤلاء المزيفين الذين لم يستطيعوا أن يبهروا كل الناس ببريق صورهم وأشكالهم ومساكنهم ومعايشهم وحياتهم الفاخرة، وفرض سياستهم البغيضة على الوطن.. لقد اكتشفتهم الأغلبية.. كما اكتشفت مجموعتنا القليلة الزهور المزيفة. * لا تسرق الأحلام لايعجبنى وصف جيلنا بالمتقاعس.. إننا جيل الحروب.. استقبلتنا الحياة بصوت القنابل وصرخت أمهاتنا ساعة ميلادنا بفرحة وجودنا والخوف علينا.. رضعنا على ضوء الشمع الخافت.. أو فى الظلام الدامس، وعندما رأت عيوننا الصغيرة الضوء لأول مرة يضىء طرقات مدننا بهرنا.. ولم نفهم ما قالوه أن الحرب انتهت.. واسترحنا.. لكننا لم نسترح وعشنا سنوات عمرنا فى حروب متعددة صغيرة وكبيرة.. أهلكتنا. ولقد فهمنا أننا ننتمى إلى الطبقة الخائفة المتوسطة. نخاف الجهل فنتعلم. نخاف الفقر فنحاول أن نعلو بدرجات عملنا، أو نقوم بأعمال إضافية فوق طاقة احتمالنا.. نخاف المغامرة لأننا لا نضمن المستقبل. نخاف الحسد إذا علونا. نخاف الشماتة إذا فشلنا.. وكان أملنا أن تزال الطبقات الاجتماعية، فتمسكنا بأفكار ثورة يوليو 1952 عن الاشتراكية، وسعينا مع الدولة لتحصيل تلك المكاسب الاشتراكية للمجتمع.. لكن الحروب المتوالية سرقت أحلامنا، خصوصا نكسة 1967 الحربية وبعد حرب الانتصار عام 1973 تذوقنا بعد غياب طويل حلاوة الفرح بالنصر لكن بعد عدة سنوات وجدنا أن أحلامنا مازالت تسرق، كما سرقت طبقتنا المتوسطة والمكاسب الاشتراكية للمجتمع. وصرخت مع الصارخين فى روايتى الطويلة «لا تسرق الأحلام» فى زمن سابق على انتصار 1973 وفى زمن لاحق كانت أشياء كثيرة تضايقنا.. لكننا لم نعرف الثورة مثل التى حدثت فى يناير 2011، لم يكن لدينا هذه الاختراعات الجديدة والتواصل مع الآخرين بدون اجتماعات، كان قبل هذا الزمن إذا اجتمع عشرة أشخاص ليدبروا مظاهرة يمسكون بهم فى «التو» و«اللحظة»!! ونحن نحيى الشباب الذين تواصلوا بالاتصالات الحديثة.. على طول البلاد وعرضها ليخرجوا فى يوم معين وفى ساعة محددة ليقوموا بمظاهرة لإزاحة الفساد الذى كتم على أنفاسنا.. وانضمت إليهم جموع الشعب ليتنفس فأصبحت المظاهرة بالآلاف ثورة حقيقية.. نفخر بها.. ومعظم جيلنا خلفهم نحميهم من أعداء الثورة.. نحميهم من سارقى النجاح والفرحة.. حتى لا يسرق أحد أحلامهم.. كما سرقت من قبل أحلامنا.