عبرت الموسيقى عن مضامين شتى على مر الأزمنة والعصور، ومن أكثر الحالات الانفعالية والشعورية التى تسيطر على الفنان المبدع هو الإحساس بالحب، وقد عبر الشاعر والأديب الألمانى جوتة عنه ببعض الكلمات الرقيقة قائلاً :(عندما تنام كل العيون، تظل عيون الحب وحدها ساهرة) ليترجم لنا ماهية الحب كحالة سيكولوجية ونفسية متأججة، كما أنها الدافع الحقيقى لإيقاظ الفكر والروح بدوافعهما وانبعاثاتهما لخلق أعمال إبداعية وموسيقية ينصهر فى بوتقتها هذا الفيض الوجدانى اللاشعورى..
فنجد مثلاً عبقرى التاريخ الموسيقى بيتهوفن كيف تفجرت شحناته العاطفية تجاه المرأة والتى خصها بعبارة خطت فى ثلاثة خطابات نصها (إلى حبى الخالد) والتى وجدت مخبأة بأدراجه، وإن كنا لم نتأكد بعد من هى ملهمة هذه المشاعر!! ولكن هناك بعض المؤشرات التى ترجح نزوح عواطفه تجاه الكونتيسة جولييتا جويتشاردى تلميذته، والتى منحته دفقة لواحدة من أشهر صوناتات البيانو والمعروفة ب ضوء القمر، كما كتب لحبيبته جوزيفين السيمفونية السادسة (الريفية)..
كذلك نجد قصة الحب التى ربطت الموسيقى الفرنسى هيكتور برليوز بالفنانة الممثلة الإيرلندية هارى سيمثون التى وقع فى غرامها، بعد أن رآها تمثل فى إحدى مسرحيات شكسبير مجسداً إياها فى (السيمفونية الخيالية) أشهر مؤلفاته على الإطلاق، وقد أطلق المؤلف عليها اسم (فترة من حياة فنان) حيث احتوت على مشاعره وأحاسيسه الشخصية خلال قصة الحب كفكرة عامة مسيطرة على العمل، والذى يمثل مرحلة مهمة فى تطور الكتابة الأوركسترالية فى العصر الرومانتيكى من خلال التعبير والتصوير فى سابقة غير معهودة.. وكتب برليوز أيضاً مؤلفه (العودة إلى الحياة) وأراد به أن يكون تكملة للسيمفونية الخيالية التى مات البطل فى نهايتها، وبعدها كتب الدراما السيمفونية (روميو وجوليت) للأصوات المنفردة والكورال والأوركسترا وفيها يسترجع برليوز بالموسيقى المشاعر العارمة التى اجتاحته عندما رأى سميثون على المسرح فى اللقاء الأول.
ومن أقوى قصص الحب فى عالم الموسيقى الكلاسيكية كانت العلاقة التى جمعت بين روبرت شومان وكلارا ابنة أستاذه فريدريك فايك، التى عشقها، حيث سيطرت كلارا على مشاعره لفترة طويلة حتى حظى بالزواج منها فى نهاية المطاف، وتأثر بهذه العلاقة العاطفية فى بعض أعماله منها غراميات شاعر وكونشيرتو البيانو والأوركسترا و(حلم يقظة) وهو جزء من عمله الشهير مشاهد للطفولة الذى كتبه معبراً عن حبه الكبير لكلارا وحزنه الدفين لمنع والدها ليس فقط الزواج منه بل أيضاً لمنعها عن رؤيته نهائياً، ولعل هذا العمل من أجمل الأعمال الرومانتيكية، والتى لا تعبر عن الطفولة بمعناها السطحى بل عن الحالة النفسية التى تتسم بالصفاء والنقاء المصاحب للإنسان والتى تقود خطاه حتى آخر لحظات حياته. كذلك نجد الرؤية الفلسفية للألمانى ريتشارد فاجنر الذى اشتهر بعلاقاته الغرامية المتعددة والتى ترجمها فى أوبراته مثل تانهوزر، بارسيفال، تريستيان وايزولده، حيث تمتزج الموسيقى بولع الحب واللهفة مع مشاعر اليأس والألم..وهناك قصة حب سرية فى حياة الأسطورة شيطان الكمان الإيطالى نيكولو باجانينى والتى ربطت بينه وبين إحدى معجباته الدائمة الحضور لحفلاته، حيث جسد هذه المشاعر فى عمله الناجح (مشهد حب) من خلال لغة الحوار بين الحبيبين قطبى العلاقة على وترين فقط لآلة الكمان..وأخيراً نأتى لقصة الحب الشهيرة بين علمين من أعلام القرن العشرين وهما ملكة الأناقة والموضة كوكو شانيل وبين الموسيقى الروسى إيجور سترافنسكى والتى جسدها فيلم (كوكو شانيل وإيجور سترافنسكى) إخراج جان كونين والذى وضح العلاقة العاصفة بينهما ومدى تأثيرها على إبداع كل منهما. فالحب جوهر الإبداع..ومن منا يستطيع أن يحيا بلا حب!!.