برشلونة متعة الحياة المعاصرة.. وعبق التاريخ

كانت تجربة رائعة أن أقضى تسعة أيام قبل رأس السنة فى برشلونة.. المدينة الجميلة تعتبر من مدن أوروبا التى يأتى إليها كثير من السائحين من مختلف دول العالم لقضاء الكريسماس وأعياد الميلاد نظرا لطقسها محتمل البرودة وشوارعها التى لا تعرف النوم.. بداية من 20 ديسمبر من كل عام تتخذ برشلونة إجراءات استثنائية فتتزين الشوارع وتنتشر أشجار الكريسماس وتحتفل الفنادق بالعام الجديد ويزيد الإقبال على المدينة التى لاتنام احتفالا بالأعياد.

ربما السفر إلى برشلونة لم يكن من الخطط القريبة لى ولكن القدر وضع المدينة أمامى فقبل عدة أشهر كنت أفكر فى الذهاب لتركيا ولكن الأحداث الأخيرة جعلت مقاطعة السياحة التركية خيارا أفضل لى ولأصدقائى وكانت هناك عدة دول أوروبية على قائمة اختياراتى منها بودابست وأثينا، وفى النهاية تم الاستقرار على برشلونة، على الرغم من أن تحديد موعد لتقديم الأوراق للسفارة استغرق ما يقرب من الثلاثة شهور إلا أن وقت الحصول على الفيزا لم يتعد الأسبوع فالقنصلية الإسبانية فى مصر تتبع نظاما دقيقا ومحددا وتسهل على طالبى التأشيرات الكثير من الجهد والوقت من خلال موقعها الإلكترونى الذى يجيب على كل الأسئلة أو الموظفين الموجودين للرد على أى سؤال بخصوص استكمال الأوراق.

أكثر ما أزعجنى قبل رحلتى هو تغيير مواعيد الطيران من قبل شركة مصر للطيران، حيث تم إلغاء أربع رحلات كنت قد حجزتها ولأنى خططت للرحلة بمفردى ودون اللجوء لشركة سياحية، فإن إلغاء الرحلات كان يمثل عبئا كبيرا لأنى فى كل مرة كنت أحتاج لتغيير حجز الفندق وتعديل بعض الخطط.

رافقنى فى الرحلة شقيقتى وصديقتى.. وبعد أن وصلنا إلى مطار برشلونة وانهينا الإجراءات استقللنا أتوبيساً من المطار نقلنا لأقرب مكان للفندق الذى سنقيم فيه واستقللنا بعد ذلك تاكسى ووصلنا الفندق لنجد كل شىء مرتبا لانتظارنا وقد حجزت الفندق من خلال موقع (بوكينج) وهو موقع ممتاز يعرض بعض الفنادق التى تتميز بخاصية الإلغاء المجانى وأخرى بدون إلغاء مجانى وقد يزيد السعر للفنادق التى تتيح لك الإلغاء المجانى قبل 48 ساعة من الموعد ولكن الارتباك الذى سببته لى مصر للطيران وإلغاء عدد من الرحلات التى حجزتها جعل الحجز بنظام الإلغاء المجانى- وإن كان أغلى سعرا- أفضل بالنسبة لى.. ويتيح موقع بوكينج فرصة رؤية الحجرات قبل الحجز واختيار المكان المناسب للسكن وقد حرص الفندق على إرسال حالة الطقس خلال الفترة التى سنقيم فيها والتى تصل إلى 9 أيام قبل موعد سفرنا بيوم.. الجو فى مصر كان شديد البرودة قبل سفرى بأيام ولكن كانت المفاجأة أن برشلونة فى هذه الفترة مشمسة والجو رائع.. اليوم الأول لى كان مجرد نزهة استكشافية فى شارع رامبلا وهو الشارع الذى اخترت مكان إقامتى فيه خلال التسعة أيام وهو أشهر شارع فى برشلونة ويعتبر قريباً من عدة أشياء، وهو شارع طويل يمتد من ساحة كاتولنيا وحتى عمود كرستوفر كولومبس وهو العمود الذى يسجل لحظة اكتشاف كولومبوس لأمريكا ويعد من أهم ملامح برشلونة.

ينتشر فى الشارع عدد كبير من الرسامين يرسمون البورتريهات والكاريكاتير للسياح مقابل 20 يورو للصورة، بالإضافة إلى بعض من الفنانين الذين يطلون وجوههم ويؤدون عدداً من الحركات المبهرة والتى تعتمد على ثبات الحركة من أجل الحصول على بضع سنتات وإذا كان هذا يعتبر نوعاً من التسول لكنه يتم بشكل راق يجبرك أن تعطى كل ما لديك لهم نظرا لمشقتهم وعنائهم للحصول على قوت يومهم وقد تابعت عدداً منهم فى بداية مرحلة الإعداد، فهم من يضعون الماكياج لأنفسهم وحركاتهم مدروسة ولديهم قدرة على إتقان الحركة والثبات عليها لساعات، حتى إنك قد تقف مليا متشككا فى إن كانوا مجسمات أم بشراً من شدة إتقانهم للحركة.

برشلونة مدينة تعرف كيفية جذب السياح وتأمينهم، فأنا كسائحة لم أشعر بالابتزاز أو الاستغلال وشعرت بذلك منذ اللحظات الأولى لوصولى، فلم يحدث معى ما يحدث للسائحين الأجانب فى بلدنا فالأسعار واحدة فى كل مكان، بل إن المطاعم تعلن عن أسعارها بطريقة جذابة من خلال بنت جميلة تقف أمام كل مطعم تحمل منيو المأكولات والمشروبات كى تطلع على الأسعار قبل أن تدخل لا مجال للمراهنة أو المفاجأة أو غلو الأسعار طبقا لجنسيتك، فضلا عن وجود مكاتب المعلومات فى الشوارع (desk information) وهى مكاتب يوجد بها اثنان من الموظفين موجودة فى شوارع برشلونة والميادين العامة على شكل أكشاك تفتح أبوابها من التاسعة صباحا وحتى السابعة مساءا للرد على أى سؤال عن الأماكن التى يمكن زيارتها والأسعار والخرائط وكيفية الوصول لها، ويتحدث الموظفون باللغة الإنجليزية والفرنسية لسهولة الرد، فى المساء كان لابد لنا من تناول وجبة العشاء وقد اخترت أن تكون الوجبة هى البايلا، فقبل سفرى قرأت عنها فهى من الوجبات الشعبية المعروفة فى إسبانيا ولا يمكن أن تزور إسبانيا دون تذوقها، منها ما يعد باللحم أو السمك أو الخضراوات أو أعشاب البحر، أما الطبق الأكثر شهرة على مستوى العالم فهو المعروف باسم بايلا ميكستا، وهو الطبق الأقل تناولا من قبل الشعب الإسبانى.

وتقول الحكايات الشعبية إن طبق البايلا ولد فى فالنسيا التى كان سكانها يرغبون فى حمل طعامهم معهم إلى البساتين. وقد اعتادوا أن يضعوا فى هذا الطبق كل شىء فى متناول يدهم الخضراوات والدجاج والأرانب والأرز والزيت والزعفران والقواقع البحرية. كانت تلك المقادير رخيصة وكانت تمزج لتنتج أشهر طبق فى المطبخ الإسبانى. يأتى اسم بايلا من القِدر الذى يطهى فيه الطعام، وقد تعددت النظريات حول أصل هذه الكلمة، فيعتقد بعض الخبراء أن الكلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية أباتيلاب. وتستخدم هذه الكلمة الآن فى الكثير من اللغات اللاتينية. بيد أن خبراء آخرين يعتقدون أن الكلمة مشتقة من الكلمة العربية «بقية» وهى تعنى الطعام الذى تبقى بعد تناول طعام الغداء أو العشاء»، ويقال إن هذا الطبق يعود للقرن السادس عشر- إبان الحكم العربى الأندلسى- وظهر هذا الطبق حين كان الخدم العاملون فى منازل الأغنياء يعودون لبيوتهم آخر النهار محملين ببواقى الطعام اليومية فيصنعون منها طبقاً مع الأرز، ثم ذاع صيت الطبق وانتشر فى جميع مناطق إسبانيا ومع البايلا تناولت قطع من التاباس هو نوع من المقبلات ويعنى باللغة العربية الأغطية، وهو عبارة عن أطباق صغيرة تقدم عادة مع الشراب كمقبلات أو وجبات خفيفة بين الوجبات الأساسية لتخفف من وطأة الجوع.

لم أستحسن مذاق البايلا ولكن بأى حال من الأحوال كان يجب تذوقه، والنزهة فى اليوم الأول لى أكدت أن التفكير فى الطعام لن يمثل أى عبء علينا خلال الرحلة نظرا لتعدد أماكن الطعام وتنوعها، حيث تنتشر فى برشلونة كثير من مطاعم الأكل المغربى التى تقدم الأكلات المغربية، واللحوم فيها تكون مذبوحة على الطريقة الإسلامية فتقدم الكسكس والحريرة وبسطيلة الدجاج، فضلا عن المطاعم التركى التى تقدم أشهى الأكلات التركية والشاورما التركى والدولما.

عدت إلى الفندق وأنا سعيدة باختيارى لبرشلونة، فمن الساعات الأولى بدت غاية فى الجمال تشم معها رائحة مختلفة تجمع بين الحضارة والجمال والمبانى القديمة والشوارع المميزة، فى اليوم الثانى وقع اختيارنا على الأتوبيس السياحى وهو الأشهر فى برشلونة وهو موجود فى ساحة كاتلونيا وهو يختصر عليك الكثر من الوقت والجهد، بواسطته تستطيع زيارة أشهر معالم برشلونة وتقريبا يأخذك إلى 20 مكاناً سياحياً ولك الخيار تذكرة يوم واحد أو تذكرة لمدة يومين ويصل سعر التذكرة إلى 26 يورو لليوم الواحد، حيث يبدأ فى التاسعة صباحا وتنتهى آخر جولة فى السابعة تمتد للثامنة والنصف ولكن آخر ميعاد للجولة الأخيرة السابعة أو يمكنك أن تأخذ الأتوبيس على يومين وسعر التذكرة 34 يورو.

يوجد خطان للباص أحدهما باللون الأزرق والآخر باللون الوردى، وكل باص منهما له طريق يسير خلاله وبرنامج محدد ومحطات للركوب ويمكنك من خلال التذكرة الواحدة ركوب الخطين الأزرق، والأحمر والمرور على أشهر ملامح برشلونة من خلال ركوبك فى الدور العلوى للباص، والباص مزود بسماعات ومحطة إذاعية ويشرح المعالم السياحية للبلد من خلال عدة لغات يمكنك اختيار اللغة التى تجيدها والاستماع لتاريخ برشلونة، ويمكنك أن تنزل عند كل ملمح سياحى والتقاط بعض الصور أو الدخول وركوب باص آخر، فتقريبا كل خمس عشرة دقيقة يمر باص يمكنك الركوب فيه على مدار يوم كامل أو يومين بنفس التذكرة.

كانت المحطة الأولى التى وقفت عندها ونزلت لالتقاط الصور هى سيجارادا فاميليا تعتبر من أكبر الكنائس الكاثولوكية فى أوروبا والتى صممها المعمارى العالمى أنطونيو غاودى والذى كرس 15 عاما من حياته لبنائها، حيث كان يؤكد أنه ليس على عجل فى إكمال البناء والذى استمر رغم وقوع الحرب الأهلية فى إسبانيا عام 1936.

بعض من أجزائها غير المكتملة دمرت أثناء الحرب الفوضوية، إلا أن العمل استمر بعدها والتزم عدة معماريين بعد جاودى فى تصميمها. وهى الآن من أكثر الأماكن جاذبية للسياح فى برشلونة الذين بإمكانهم زيارة الأجزاء المكتملة منها، والكنيسة غاية فى الروعة والإتقان فى بنائها تتميز بالتماثيل البارزة غير أن الكثير من السياح يصطفون بالطوابير لدخولها وقد دخلها عام 2004 على سبيل المثال مليون سائح.

فى الحلقة القادمة نواصل رحلتنا فى زيارتى لمتحف الشمع والأكوريوم.

وكذلك(مدينه الأحياء المائية) وحديقة الحيوان والسوق الشعبية (لا بوكيريا والحى القوطى).