بسقوط النظام.. يسقط الدستور الإخوانى الملىء بالعوار والذى تم وضعه فى مناخ مشحون وفى ظل اختلافات وانقسامات طالت الجمعية التأسيسية.. وبنوده التى تم إقرارها فى غفلة من الزمن..
لكننا الآن وبعد 30 يونيو نبدأ الطريق من الجديد ولكن بدستور جديد يتم صياغته وإقراره أولاً قبل إجراء أى انتخابات.. دستور توافقى يمثل فيه الشعب كله وتلبى مواده وبنوده الحاجة لبناء دولة مدنية ديمقراطية لا تسمح فيها بالرئيس الديكتاتور. ∎دستور مبادئ لا تفاصيل
أكد الدكتور محمود كبيش عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة أن جميع نصوص دستور الإخوان 2102 تحتاج إلى إعادة صياغة لما فى هذه النصوص من أخطاء أهمها تكرار بعض النصوص، والإسهاب والإطناب فى بعض النصوص الأخرى ، فى أمور ليس موضوعها الدستور، وأضاف الدكتور كبيش أن كثيرا من النصوص تحتوى علىأخطاء لغوية، كما أن المواد إجمالا ينبغى أن تكون مختصرة فى الدستور، فالدستور مهمته وضع المبادئ، لكن التفصيلات موضوعها القانون.
وأوضح عميد كلية الحقوق أن الدستور الجديد ينبغى أن يدعم النظام البرلمانى أكثر من النظام الرئاسى، كما ينبغى أن يوضح المسئولية السياسية للرئيس، حيث إن الدستور الأخير لم يكن فيه ما يحدد مسئولية الرئيس السياسية، ولكنها كانت لرئيس الوزراء فقط، فى حين أن كل المقاليد كانت فى يد رئيس الجمهورية، ولذا ينبغى أن يدعم الدستور الجديد المسئولية السياسية للرئيس.
وأشار الدكتور كبيش أن النصوص الخاصة بالهيئات المستقلة كالصحافة والإعلام، وهيئات مكافحة الفساد تحتاج إلى إعادة نظر لأن هذه الهيئات يفترض فيها الاستقلالية، ولكن كيف تكون مستقلة ورئيس الجمهورية هو الذى يختار أعضاءها، هذا الى جانب ضرورة التخلص من النصوص الانتقامية التى وضعت لأشخاص بعينهم كما حدث فىالنصوص الخاصة بالمحكمة الدستورية، وقانون السلطة القضائية.
وأكد دكتور كبيش على ضرورة إلغاء مجلس الشورى تماماً، كما ينبغى إعادة النظر فى نسبة ال «50٪» عمال وفلاحين، والمرأة ينبغى أن يوفر لها الدستور الجديد جزءا من التمثيل المناسب فى البرلمان، مؤكدا أن هذا ليس لمداعبة المرأة، ولكن لأنها ليس لديها الجرأة السياسية التى تؤهلها لخوض العمل السياسى، يعنى «لازم نأخذ بيديها لفترة معينة».
وقال: المفروض أن اللجنة تضع فى اعتبارها الدستور الأخير فينبغى على أعضائها النظر فى كل الدساتير المصرية من دستور 1923 حتى دستور 2012- وتحذف ما ينبغى لها حذفه.
لابد من إعلان دستورى يحقق بقية استحقاقات الثورة ويبين فيها كيفية تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، وقانون الانتخابات البرلمانية والرئاسية، كما يحدد سلطات رئيس الدولة المؤقت خلال الفترة الانتقالية.
∎دستور لا يخلق ديكتاتورا
اتفق معه فى الرأى المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق وأضاف أن دستور2012 الذى تم تشكيله بقيادة التيارات الإسلامية كان يهدف إلى خدمة الرئيس السابق محمد مرسى وجماعته، ولذا من الأفضل أن يتم تغيير هذا الدستور بكامل مواده، وأشار «الجمل» إلى أن جماعة الإخوان يعتقدون أن مصر ليست دولة إسلامية وأن شعبها يغلب عليه الطابع الجاهلى، وهذا فكر خاطئ.
وطالب الجمل بتشكيل لجنة لإعداد الدستور الدائم لمصر لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، مشدداً على ضرورة عدم وجود مواد لتحقيق أغراض لتمكين الأشخاص من الاستبداد والسيطرة على مفاصل الدولة مرة أخرى، كما ينبغى وضع دستور دائم لا يخلق رئيس الدولة الإله، أو يخلق ديكتاتورا جديدا.
وأشار إلى أن الرئيس المؤقت تم اختياره بناءً على إرادة شعبية وذلك يوم 30 يونيو، منبهاً على أنه لا يجوز له الدخول فى منافسة أمام المرشحين فى انتخابات رئاسةالجمهورية القادمة والذى يتم وفقاً للدستور.
∎دستور تصفية حسابات
أما الدكتور محمود العادلى فيرى أن اختيار الجمعية التأسيسية منذ بدايتها جاء تشكيلا على مقاس الأفكار الكهفية، وإن كانت طريقة اختيار الأعضاء قد جاء بطريقة يظهر أنها ديمقراطية من حيث الشكل الخارجى وفى حقيقتها هى طريقة تسلطية لا تصلح لوضع الدساتير، مضيفا أن الدستور الموضوع لم يحقق سوى أحلام جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة فى السيطرة والهيمنة على مقاليد البلاد، حيث تم وضع الدستور المعطل حاليا بهدف تصفية الحسابات مع عدد من الهيئات المستقلة، والمحكمة الدستورية.
وأضاف دكتور العادلى أن أعضاء الجمعية التأسيسية التى وضعت دستور 2012 المعطل لا يصلحون لوضع الدستور، موضحا أن أمثلة تخلف الدستور المعطل عن معطيات العصر كثيرة منها تبنى الجمعية لأفكار ومواد ومنطلقات شاذة لم تعرفها الدساتير المصرية السابقة أو دساتير الدول الأخرى، هذا إلى جانب الخلط الواضح بين دستور مدنى يوضح حقوق وواجبات الحكام والمحكومين من جهة، والمعتقدات الدينية من جهة أخرى.
وأوضح أيضا أن باب الحقوق والحريات سيىء لما يحمله من عداء تجاه حقوق المرأة والطفل، وحرية الإعلام وتداول المعلومات، والحق فى المواطنة، وحرية المجتمع المدنى، والحريات الدينية، وأكد العادلى أن هذا الدستور ينطوى على تراجع فى ضمانات بعض هذه الحقوق بدرجة أشد تقييدًا مما كان عليه الحال فى دستور1971- وأضاف: إن الدستور المعطل حرص على تقليم أظافر كل الجهات والسلطات التى تعرقل مشروع الهيمنة على سلطات الدولة، فتضع النصوص التى تمنع الرقابة الفعالة على السلطة التنفيذية، أو السلطة التشريعية، حيث كممت أفواه الصحف والإعلام، وكذلك المحكمة الدستورية العليا، والجهاز المركزى للمحاسبات، والنيابة الإدارية... فمثلاً بالنسبة للصحافة... يجب أن تكونفى قبضة السلطة التنفيذية.. وتحجيم حرية الصحافة.. بجميع الصور.. وذلك بإباحة إنذار ووقف وإلغاء الصحف.. ورفع الحماية الدستورية للصحفيين.. وغيرهم مِمَنْ يتهمون فى جرائم نشر.. فمثلا المادة 12 فى باب الحقوق والحريات والواجبات العامة... صيغة لا تجيز توجيه الاتهام فى جرائم النشر إلا عن طريق الادعاء المباشر... وتلغى العقوبة السالبة للحرية فى تلك الجرائم... وجدنا الجمعية قامت بإلغاء هذا النص، نزولاً عما أعلنه المتحدث الرسمى باسم جماعة الإخوان المسلمين وعضو الجمعية التأسيسية عن رفضه لذلك النص.
∎دستور معيب
أما الدكتور فؤاد عبدالنبى أستاذ القانون الدستورى فيرى أن دستور 2012 غير دستورى، وبه العديد من المواد التى تحتاج إلى تعديل، وهو ما يعنى أنه دستور معيب، ومن ثم فهو باطل بكل نصوصه ومواده، وذلك لأنه ساعد على ضياع الهوية المصرية، والقومية العربية، تحت مسمى إقامة دولةالخلافة وفق دمج هوية مصر فى وحدة إسلامية أفريقية أسيوية عالمية لتحقيق مآرب جماعة الإخوان، بغض النظر عما يترتب على مسلكهم الخاطئ من ضياع وانهيار دولة مصر بفقدانها وطمس هويتها وقوميتها، وكان ذلك واضحا فى المادة الأولى فى الدستور حيث أفقدت مصر هويتها العربية، و أفقدتها المادة 234 توازنها وفقدت قيمتها الدستورية.
وأضاف أستاذ القانون الدستورى أن نص المادة «134» التى تنص على أن «يشترط فيمن يترشح رئيسا للجمهورية أن يكون مصريا من أبوين مصريين، ومتمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، وألا يكون متزوجا من غير مصرية، فكيف يدعى من وضع هذه المادة أن الشعب المصرى جزء من الأمتين العربية والإسلامية» وفى نفس الوقت يرفض قبول الترشح لرئاسة البلاد لمن كان متزوجا من عربية، كما نصت المادة 224 من الدستور على «كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور يبقى صحيحا ونافذا بما لا يخالف أو يتعارض مع أحكام الدستور» ويؤكد أن هذه المادة نسفت كل المنظومة القانونية سواء فى قانون المرافعات أو الجنائى أو المدنى أو التجارى أو فى الأحوال الشخصية لأن تلك النصوص القانونية وفقا لتفسير أهل السنة والجماعة الواردة فى الشطر الأخير من نص المادة 221 تعد مخالفة للدستور وأوضح دكتور عبد النبى أن نص المادة 4 من الدستور والخاصة بالأزهر الشريف، على أن يؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، بموجب هذا النص يلغى دور المحكمة الدستورية فى التفسير، كما يلغى دور القضاء المصرى فى لعب دور التفسير، كما نصت المادة 6 من الدستور «يقوم النظام الديمقراطى على مبادىء الشورى.. » والشورى من المبادىء الأساسية الإسلامية وهى تحمل معنى الدولة الدينية الموجودة بإيران ولقد تمت الاستجابة إلى حزب البناء والتنمية عند وضع نص المادة 6 عندكتابة ذلك النص فهم أول من نادى إلى أن تكون '' مصر دولة شورية برلمانية لتهيئة المجتمع لتطبيق الشريعة، كما تمت الاستجابة للحزب فى المواد 6، 7، 9، 10، 12.
من ناحية ثالثة أغفل واضعو الدستور طبيعة النظام الاقتصادى هل هو نظام الاقتصاد الحر أم الاقتصاد المفتوح أم الاقتصاد الاشتراكى أم الاقتصاد الرأسمالى وهو ما أفتقد فى الباب الأول الخاص بالدولة أسوة بالمادة الرابعة من دستور 1971 وهو مايؤكد أن مسودة هذا الدستور بدايتها كانت بظراميط!!
من ناحية رابعة خلط واضعو دستور 2012 المقومات الاجتماعية والخلقية المنصوص عليها فى المواد من 7- 11فى باب الدولة رغم ان دستور 1971 وضع المقومات الاجتماعية والخلقية كفصل أول فى باب المقومات الأساسية للمجتمع وهذا أفضل بكثير مما حدث فى «الخلاط» الخاص بالباب الأول الذى شمل الدولة والمقومات الاجتماعية والاقتصادية فى مسودة دستور 2012 الذى يستلزم الوضع الراهن وجوب تغييره بالكامل.
∎وصمة عار
قالت المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق: إن دستور 2012 الذى تم تعطيل العمل به هو وصمة عار فى تاريخ مصر الدستورى، لأن الجمعية التأسيسية التى صدر عنها ذلك الدستور باطلة بقوة القانون مرتين، وأشارت إلى أن البند الذى جاء فى بيان القوات المسلحة بتعطيل العمل بدستور 2012 يعطينا فرصة حقيقية لإسقاطه نهائيا كشعب له الحق فى ذلك، وأضافت: علينا تشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد، على أن يتم تشكيلها من أعضاء لهم انتماءات مختلفة لتمثل جميع أطياف المجتمع، على أن تضع دستورا توافقيا للبلاد بديلا عن ذلك الذى لم يمثل الشعب فى شىء وتم تعطيل العمل به.
وأضافت: إن الإعلان الدستورى الجديد هو إعلان بسقوط النظام السابق، وأن سقوط الأنظمة يقترن بسقوط الدساتير القديمة، وصياغة دستور يتوافق عليه الجميع، مضيفة أنه لابد من إعداد دستور جديد للبلاد وأن هذا الدستور الذى يجرى عليه التعديل مطعون عليه لأنه باطل، وقالت إن الشهور القادمة ستحمل مفاجآت ضد الدستور الإخوانى الملىء بالعوار الدستورى، الذى تمت صياغته فى ظل مناخ هو الأسوأ فى تاريخ مصر، مؤكدة أننا سنشهد صياغة وإعداد دستور جديد يليق بمصر بعد ثورة 25 يناير و30 يونيو.
وأوضحت الجبالى أن الجدول الزمنى وترتيب الخطوات الذى ينبغى تنفيذها فى هذه الفترة الانتقالية جاء واضحاً ومحدداً فى الإعلان الدستورى الذى أصدره المستشار عدلى منصور، وأشارت إلى أن أهم مميزات الإعلان هو البدء بالدستور ثم البرلمان ثم رئاسة الجمهورية، وبالتالى تفادى الأخطاء السابقة التى تم ارتكابها بعد ثورة 25 يناير، وأضافت أن الإعلان رد الاعتبار للمحكمة الدستورية العليا ومنحها الاستقلال الكامل، بالإضافة إلى إلغاء الرقابة السابقة، واكتفت بالرقابة اللاحقة فقط، وقالت: لابد من وجود ظهير دستورى لكل منصب فى الدولة لأننا عانينا من هذا الأمر خاصة فيما يتعلق بمنصب رئيس الجمهورية الذى تجاوز وانحرف بسلطاته.
وأشارت إلى أن الجمعية التأسيسية القادمة سوف يتم تشكيلها لتخرج بشكل منضبط، وحتى يتم تفادى الأخطاء السابقة، مع مراعاة التنوع والخبرة والكفاءة فى التشكيل الجديد، بعد أن عانينا لمدة بسبب المناخ السياسى لملىء بالاختلالات السياسية والاجتماعية والثقافية، وقالت: المجتمع المصرى بحاجة إلى ترميم من خلال بيئة حاضنة له بعد الانقسام والفرقة التى عشناها على مدار عام كامل من حكم الإخوان، موضحة أن الدول التى تحدث الانتقالات الكبرى فيها تضع قواعد مؤقتة لمرحلة انتقالية تبنى فيها البنية الأساسية للديمقراطية ولنظام الحكم الرشيد وهذا ما يحدث الآن.
وفى النهاية أكدت الجبالى أن التراجع أو التباطؤ فيما ما يتعلق بوضع دستور جديد للبلاد خيانة لإرادة الشعب المصرى الذى ثار على كل ما هو إخوانى، سواء الجماعة أو الحاكم أو نظام الحكم أو دستورهم الذى لم يعبر عمن سواهم.