سقط قناع الحرية الزائفة.. سقطت ورقة التوت الأمريكية، انكشف الخداع الذى باعه الأمريكان للعالم سنوات طويلة.. عندما هددوا بمنع المعونات عن مصر من أجل دعم نظام فاشل، رفضه الشعب المصرى كله، نظام استخدام الديموقراطية لمرة واحدة لتثبت أركان الفاشية والقمع، ولا يعرف قانوناً أو دستوراً، ولا يهمه دولة القانون ولا أحكام القضاء، الديمقراطية فى مفهومه محاصرة المحاكم ومنعها من أداء عملها، وتشويه القضاة، وتكميم أفواه الإعلام، والنتيجة الطبيعية السقوط، وسقطت معه شعارات أمريكا الجوفاء عن الحرية واحترام حقوق الإنسان وظهر الوجه القبيح «الحقيقى» الذى كان يدعم كل الديكتاتوريات فى العالم، وساند كل الطغاة ضد الشعوب الفقيرة، الوجه القبيح الذى حارب الوطنيين والشرفاء فى بلادهم وأتى بالعملاء ووضعهم فى الصدارة من أجل نهب ثروات العالم وضخها فى جيوب الشركات الأمريكية العملاقة!!
المعونة الأمريكية.. أخذت من مصر، ولم تعط، أخذت من مصر حلم السيارة المصرية التى بدأت فى الستينيات وأتت بثمار جيدة ثم ضاع الحلم، والطائرة النفاثة بالاشتراك مع الهند وغيرها من حلم مصر الصناعية حيث أجبرت المعونة الحكومة المصرية على تحطيم القاعدة الصناعية المصرية القائمة «القطاع العام» بمنع ضخ استثمارات جديدة حتى تموت، وتوقفت عمليات الإحلال والتجديد مما أدى لتحول بعض المصانع لخردة وتمت تصفيتها، والجيد منها تم بيعه بثمن بخس، وتم تشريد العمالة المدربة، والمعونة ساهمت فى قتل الصناعة ودعمت الاقتصاد الخدمى والريعى فقط، المعونة حولت مصر من مجتمع يحاول الإنتاج إلى مجتمع استهلاكى فقط، بالمعونة رفعت أمريكا شعار «نعم للتبعية.. لا.. للشراكة»، حيث أصرت على سياسات المنح والمعونات، لأنها الباب الذهبى للتدخل فى الشئون الداخلية لمصر، خاصة أن من يدفع له أجندة وأولويات وبالتأكيد الأجندة لابد أن تتعارض مع الاحتياجات الأساسية لمصر، ومن هنا يحدث التضارب ثم الاختلاف ثم الصدام لو كان القائم على الأمر وطنيًا مخلصًا، وفى نفس الوقت رفضت أمريكا وبعناد شديد توقيع اتفاقية التجارة الحرة لأنها تعنى الشراكة، والفارق كبير بين الشراكة والمنح، الشراكة تقوم على الاستثمار والتبادل التجارى مما يؤدى إلى زيادة الصادرات والتوسع فى الإنتاج وفتح أسواق جديدة وفرص عمل محترمة، بينما المعونات تكرس التبعية وتشملها لغة التهديد والوعيد، وهى لغة كريهة لا تقبلها مصر، والمعونة هى إحدى الأدوات التى وضعتها «الكوربورقراطية الأمريكية» للسيطرة على ثروات العالم ثم يعقب المعونة الاقتراض والاستدانة والغرق فى الديون والكوبورقراطية الأمريكية هى تحالف بين رجال الأعمال والشركات العملاقة والمخابرات الأمريكية ورجال السياسة وهى تحالف يهدف لبناء إمبراطورية عالمية تسيطر على ثروات العالم كله. وتضم أيضًا معها البنك الدولى فى صندوق النقد الدولى. ويشير «جون بيركنز» فى كتاب: «اعترافات قرصان اقتصادى: الاغتيال الاقتصادى للأمم» إلى أن «الكوربورقراطية» الأمريكية تستخدم المنظمات المالية والدولية لخلق ظروف تؤدى إلى خضوع الدول النامية لهيمنة النخبة الأمريكية التى تدير الحكومة والشركات والبنوك، والقرصان الاقتصادى المتخفى تحت اسم «الخبير الاقتصادى» يقوم بإعداد الدراسات التى بناءً عليها توافق المنظمات الدولية المالية على تقديم قروض للدول النامية المستهدفة بغرض تطوير البنية الأساسية وبناء محطات توليد الكهرباء والطرق والموانئ والمطارات والمدن الصناعية، بشرط قيام المكاتب الهندسية وشركات المقاولات بتنفيذ هذه المشروعات، وفى حقيقة الأمر فإن هذه الأموال بهذه الطريقة لا تغادر الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث تتحول ببساطة من حسابات بنوك شركات فى نيويورك أو هيوستن أو سان فرانسيسكو ورغم أن هذه الأموال تعود بشكل فورى إلى أعضاء «الكوربورقراطية» وعلى الدولة المتلقية سداد أصل القرض وفوائده، ومقياس نجاح الخبير يتناسب طرديًا مع حجم القروض بحيث يجبر المدين على التعثر بعد بضع سنوات، وعندئذ تفرض شروط الدائن التى تتنوع مثل الموافقة على تصويب ما فى الأممالمتحدة، أو السيطرة على موارد معينة فى البلد المدين، أو قبول تواجد عسكرى به، وتبقى الدول النامية بعد ذلك كله مدينة بالأموال، وكلمة السر فى نجاح هذه الخطة هى القرصان الاقتصادى «الخبير» حيث يقدم تنبؤات بتأثير مليارات الدولارات فى بلد ما على النمو الاقتصادى المتوقع لسنوات قادمة وتقويم المشروعات المقترحة باستخدام أسلوب خادع يعتمد على الأرقام الجافة مثل استخدام نسبة النمو كمثال لنجاح الاقتصاد رغم أن نسبة النمو تكون خادعة، ربما يستفيد من عائد هذا النمو نخبة صغيرة فقط مسيطرة على الاقتصاد بينما أغلبية الشعب لا تستفيد ومستوى معيشتها يتدهور من يوم ليوم، والغنى يزداد غنى والفقير يزداد فقرًا، مثلما كان الحال فى السنوات السبع الأخيرة فى مصر قبل رحيل مبارك. وأيضًا يتكون فى البلدان النامية مجموعة من العائلات الثرية ذات نفوذ اقتصادى وسياسى تشكل امتدادًا للنخبة الأمريكية، من خلال اعتناق نفس أفكار ومبادئ وأهداف النخبة الأمريكية، بحيث ترتبط سعادة ورفاهية الأثرياء الجدد بالتبعية طويلة المدى للولايات المتحدة، رغم أن عبء القروض سيحرم الفقراء من الخدمات الاجتماعية لعقود طويلة. هكذا ستبدأ عمليات السيطرة بالمعونة مرورًا بالقروض تم التعثر ثم الانهيار هذا ما حدث فى كل دول العالم تقريبًا مثل الإكوادور وبنما وشيلى والأرجنتين وروسيا وغيرها من البلدان، سيناريو مكرر لفرض التبعية والهيمنة على الدول النامية وثرواتها، ومصر اليوم تحتاج لتغيير المفاهيم التى زرعتها المعونة الأمريكية طوال ال53 عامًا. مصر اليوم لا تحتاج لمنح أو معونات.. لكنها تحتاج لاستثمارات جديدة، وفتح أسواق لتصدير المنتجات المصرية، ونقل التكنولوجيا الحديثة والمتطورة، آن الأوان أن تحول من التبعية إلى الشراكة، وأن نعمل معهم بندية الشريك والشريك والند لا يستطيع أحد إملاء شروط ولا طلبات مجحفة تمس الكرامة الوطنية، ولا التدخل فى الشئون الداخلية، وهذا كله يتطلب سياسات اقتصادية جديدة تعتمد على خطط تنموية قوية، يوزع عائد هذه الخطط على جميع شرائح المجتمع حتى نحقق العدالة الاجتماعية، وهذا يتطلب تنقية مناخ الاستثمار وإزالة العقبات والقضاء على الكيانات الاحتكارية التى صنعها النظام السابق بدعم من المعونات والمنح!! والتجربة طوال الثلاثين عامًا الماضية تؤكد فشل سياسات المنح والمعونات فى إحداث تنمية حقيقية، بل فتحت أبواب الفساد والاحتكار، فمثلا نظام مبارك أضاع سنوات فى اللهاث وراء الدول المختلفة للحصول على منح ومعونات، وتجاهل وضع خطط تنموية حقيقية لبناء مصر قوية وفاعلة، فقد تلقى هذا النظام ما يزيد على 241 مليار دولار خلال ال03 عامًا، ضاع أغلبها فى الفساد الحكومى، وأجور خبراء الدول المانحة ولم يتحقق هدف التنمية المنشود وهى تنمية المجتمع، ولو نظرنا لمشروعات المعونات المختلفة أبرزها مشروعات البنية الأساسية، والتعليم والصحة، على سبيل المثال رغم أموال المعونة، انهار التعليم المصرى وتحول من وسيلة للارتقاء الاجتماعى إلى عبء كبير على الأسر المصرية وأصبح الخريجون خاصة من التعليم المتوسط لا يعرفون القراءة والكتابة!!! وتدهورت الأوضاع الصحية، وأصبح فى مصر أكثر من 02 مليون مصرى مصاب بالأورام والالتهاب الكبدى الوبائى «سى» والفشل الكلوى... إلخ ومستوى معيشة المواطن تدهورت وانزلقت أعداد كبيرة من أبناء الطبقة الوسطى إلى الشرائح الدنيا من المجتمع، وسكنوا العشوائيات والمحصلة النهائية للتنمية تحت الصفر!! ولم يتعلم نظام محمد مرسى من أخطاء من سبقه بل سار على نهجه، بحث عن المنح والمعونات فى كل درب!! حصل على القليل من المنح، والكثير من القروض مما يعنى زيادة الأعباء على الاقتصاد المصرى الذى يعانى من أزمات حادة، وإغراق البلاد فى مستنقع الديون والفوائد يسهل تركيعها وفرض التبعية عليها وهدم استقلالها!! والمعونة الأمريكية بدأت فى عام 9791، وكانت تقدر ب1,2 مليار دولار سنويا، منها 058 مليونًا مساعدات اقتصادية، والباقى مساعدات عسكرية، وكان من ضمن المساعدات الاقتصادية برنامج دعم السلع الذى استخدمته مصر لاستيراد القمح من أمريكا، وفى عام 5891 اتفقت الولاياتالمتحدةالأمريكية مع مصر على تمويل مشروعات البنية الأساسية «الكهرباء - المياه - المجارى» لمدة عشرين عامًا، وتم إنفاق 01 مليارات دولار من المعونة لشراء سلع أمريكية، ومنذ عام 5002 توقفت المعونة مثل دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن هنا بدأ التضارب والاختلاف ثم الصدام، حيث أبدت الحكومة المصرية عدم رضائها عن ضخ كل هذه الأموال لمنظمات المجتمع المدنى، وكان الاتفاق ينص على خفض المساعدات الاقتصادية بدءًا من عام 9991 بواقع 5٪ سنويًا حتى وصلت إلى 052 مليون دولار فقط، فهل الاستغناء عن هذه المساعدات الضئيلة يمكن أن يهز مصر أو اقتصادها!!! واستخدام أوباما هذا الأسبوع المعونة لتهديد مصر لم يكن التهديد الأول من نوعه فهو تكرار لتهديدات الإدارة الأمريكية المتعاقبة، وتناسى أن العلاقات عبارة عن مصالح مشتركة، أمريكا لها مصالح كبيرة فى منطقة الشرق الأوسط، ومصر هى رمانة الميزان فى المنطقة مما يعنى أن هناك مصالح مشتركة وليس تبعية مصر لأى دولة. وهنا ندرك إصرار الإدارات الأمريكية المتعاقبة على رفض توقيع اتفاقية تجارة حرة مع مصر ويماطلون منذ سنوات، الاتفاقية تعنى لمصر الشراكة وليست التبعية، وتعنى فتح الباب أمام الصادرات المصرية بدون جمارك مما يعنى زيادة الإنتاج والتوسع فى المشروعات الحالية، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوفير فرص عمل جديدة، وأبرز مثال على ذلك ما حدث فى قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة عقب اتفاقية الكويز، حيث ارتفعت الصادرات المصرية للسوق الأمريكية من هذا القطاع حوالى 2 مليار دولار مما يعنى 8 أضعاف المعونة الاقتصادية التى تقدمها أمريكا، ودخلت السوق المصرية استثمارات كثيرة للعمل فى مصر مثل الاستثمارات التركية التى وصل عدد مصانعها فى مصر حوالى 861 مصنعا، فما بالك لو فتح السوق الأمريكى لحوالى 01 سلع مصرية، أكيد العائد والاستفادة للاقتصاد المصرى ستكون كبيرة جدًا ولكن أمريكا ترفض اتفاقية التجارة الحرة وتفضل المعونة لترسيخ التبعية. ولو نظرنا للميزان التجارى بين مصر وأمريكا نجده يشهد نموًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، حيث تعتبر مصر ضمن أكبر 03 مستوردًا من السوق الأمريكية حيث تشمل الواردات المصرية من الولاياتالمتحدةالأمريكية «القمح والآلات والمنتجات الكهربائية والإلكترونية، والمنتجات البتروكيماوية وقطع غيار السيارات والحديد والصلب، بينما تشمل الصادرات المصرية للسوق الأمريكية البترول والغاز الطبيعى المسال والمنسوجات والملابس الجاهزة، والأسمدة، والسجاد ومواد تغطية الأرضيات والألومنيوم والأغذية خاصة العصائر. وتصل الاستثمارات الأمريكية فى مصر إلى حوالى 8 مليارات دولار فقط، أغلبها فى قطاع البترول والغاز والبتروكيماويات، وبعضها فى القطاع السياحى والصناعى والعقارى وسوق المال. ورغم هذا فإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تماطل فى الجلوس على مائدة مفاوضات التجارة الحرة ولعل الأحداث الأخيرة توضح لماذا؟! حتى تستمر فى فرض التبعية على مصر، ولا يهمها مصر ولا مستقبلها ولا مصالحها، كل ما تبحث عنه هو مصالحها فقط أما مصر والمصريون من وجهة نظرهم فما هم إلا أدوات فقط، ولكن أحداث 03 يونيو وما أعقبها تؤكد أن المصريين استعادوا حريتهم ولن يفرطوا فيها أبدًا، وآن الأوان أن نتعامل مع الجميع بمنطق الشريك، وأن المعونة لا تصلح اليوم، المطلوب اتفاقية تجارة حرة، ولابد أن يدرك الجانب الأمريكى أن هذه الاتفاقية ليست منحة أو هدية «تمن» بها الإدارات الأمريكية على مصر، بل هى مصالح مشتركة خاصة وأن مصر مفتاح الشرق الأوسط، ولابد أن تدرك أمريكا أنها فشلت طوال الثلاثين عامًا الماضية فى إيجاد بديل لمصر لقيادة المنطقة، لأن القيادة لا تأتى بالمال فقط، كل ما أفرزته المحاولات الأمريكية حفنة من السماسرة فقط، والسماسرة لا يصلحون لقيادة منطقة مثل الشرق الأوسط فلا «بديل عن مصر».