خبراء الاقتصاد يطرحون السيناريوهات البديلة لتوفير الموارد التي تعوض قيمة المساعدات أثارت التهديدات الأمريكية بقطع المعونة الاقتصادية عن مصر حالة كبيرة من الجدل في الشارع السياسي والاقتصادي المصري، بل وامتدت هذه الحالة من النقاش والتساؤلات للاوساط السياسية الامريكية، فالرئيس الامريكي باراك أوباما طلب استمرار المعونة لمصر ضمن مشروع الموازنة الأمريكيةالجديدة، بينما يعارض ذلك بعض نواب البرلمان هناك، بسبب التضييق علي بعض منظمات المجتمع المدني التي تعمل بمصر، كما تعالت الأصوات في القاهرة لرفض المعونة الأمريكية إذا كانت ستؤثر علي القرار السياسي المصري. لكن هناك تساؤل مهم يفرض نفسه وسط هذه الحالة من الشد والجذب بين الجانبين المصري والأمريكي، وهو : ما البدائل التي يمكن أن تلجأ لها مصر لتعويض مبلغ المعونة الأمريكية في حالة إلغائها في البداية يؤكد الدكتور إبراهيم فوزي وزير الصناعة الأسبق أن مبلغ المعونة النقدية الأمريكية لمصر والذي يبلغ نحو 250 مليون دولار سنويا، لا يمثل شيئا كبيرا، لكن المشكلة في مصر هي أن موارد الدولة أقل مما تحتاجه لتنفيذ برامج التنمية التي يحتاجها الشعب، ومصر مثل غيرها من الدول التي تشجع نظام القطاع الخاص لا توجد لها موارد بخلاف الضرائب والرسوم الجمركية، وفي هذا المجال لدينا مجال كبير للحركة، لأنها الدولة الوحيدة في العالم النامي التي لا توجد بها ضريبة علي الدخل العام للأفراد، وهذا وضع شاذ، ولابد من اصلاحه فورا، لأنه من غير المعقول في أي دولة أخري أن تجد شخصا لا يدفع ضريبة رغم أن لديه مئات الملايين، بينما فرد محدود الدخل يدفع ضريبة علي مرتبه البسيط، وهو ما نجده في مصر فقط. الأموال الساخنة ويواصل د. إبراهيم فوزي كلامه: ولذلك لابد من فرض ضريبة علي الأموال التي لا تخلق فرص عمل مثل الأموال الساخنة وهو مصطلح يطلق علي الأرباح الناتجة عن المضاربات لوقت قصير في البورصة، والتي يتم تحويلها للخارج بعد المضاربة مباشرة، والتي لا يستفيد منها الاقتصاد المصري شيئا، وكذلك أموال الودائع بالبنوك التي تعفي من الضرائب.. وإذا كان البعض يري أن فرض ضرائب جديدة سيؤدي لهروب المستثمرين، فإن الرد يكون عليهم من خلال التجربة البرازيلية.. فالرئيس البرازيلي دي سيلف رفع الضرائب من 13٪ الي 37٪ .. وهو ما ادي لصعود الاقتصاد البرازيلي الذي كان مترنحا ليصبح ضمن قائمة اكبر 15 اقتصاد في العالم خلال سنوات قليلة .. فالمستثمر لا يهرب بسبب الضرائب، لكنه يهرب من المعوقات الادارية والبيروقراطية وغياب الشفافية، وهي الأسباب الرئيسية التي تعوق الاستثمار .. فالمهم الادارة الجديدة وتوفير الشفافية والغاء العقبات البيروقراطية امام انشاء الشركات والاستثمارات، علي أن يخضع الجميع للقانون، ليتم معاقبة من يخالفه. كما يجب فرض ضرائب علي الشركات الكبري التي تحقق أرباحا ضخمة،علي أن يقابل ذلك اعفاءات للشركات الجديدة، أي نأخذ من ارباح الشركات الكبري لمساعدات الشركات الناشئة حتي تستطيع النمو . ولكن عند فرض هذه الضرائب يجب أن يتم ذلك بشكل تدريجي، مع ضرائب جديدة واحداث التغيير المرتبط بالمزايا والاعفاءات الضريبية للمشروعات والمصانع الجديدة لتشجيعها علي ضخ استثمارات جديدة بالسوق المصري. ويضيف وزير الصناعة الأسبق: ولابد أن يقتنع أغنياء هذا البلد بأن عليهم ان يقدموا مساهمة أكبر لفقراء البلد للحفاظ علي الأمن الاجتماعي، بدلا من أن يتعرضوا للخطف والقتل والهجوم، وهي الجرائم التي تتكرر حاليا. خريطة اصلاح ويؤكد الخبير الاقتصادي د. أحمد جلال رئيس المنتدي الاقتصادي أن حجم المعونة النقدية الأمريكية لمصر ليس كبيرا، وبالتالي فإن وقفها لا يعني الكثير، لكن مشكلتنا أن لدينا عجزا كبيرا في الموازنة العامة للدولة، وعجزا كبيرا في ميزان المدفوعات، فمصر تحتاج نحو 10 مليارات، وربما أكثر من هذا الرقم للوفاء باحتياجاتها، وحتي لايكون هناك ضغط علي البنك المركزي بخصوص قيمة الجنيه، وكذلك علي الاحتياطيات من النقد الأجنبي.. فنحن لا نحتاج فقط لتعويض قيمة المعونة في حالة وقفها، ولكن علينا أن نلتزم بخريطة للاصلاح السياسي، وأن تتم بشكل سلمي وتوافقي، ويعطي كل الأطراف التي ستتعامل مع مصر انطباعا بأن مصر تسير علي الطريق الصحيح، مع استرجاع الأمن، ليشعر الناس بالأمان، وتختفي حوادث العنف التي نراها حاليا.. وعندما ننفذ خريطة الاصلاح السياسي، وتوفر الأمن ستعود معدلات السياحة لما كانت عليه عام 2010 والتي حققت خلالها للاقتصاد المصري دخلا يقدر بنحو 14 مليار دولار، وهو ما يعني تدفق النقد الأجنبي لمصر من جديد، كما سيقبل المستثمر الأجنبي علي الاستثمار بمصر عندما يتم تشكيل حكومة جديدة، عقب الانتخابات الرئاسية القادمة، ويكون لدي هذه الحكومة برنامج اصلاح اقتصادي متوازن يحقق مصالح جميع الأطراف من عمال وأصحاب أعمال ومستثمرين .. والمستثمر سواء كان أجنبيا أو محليا سيكون وقتها لديه ثقة أعلي في مصر، وسيؤمن بأنها ستكون دولة واعدة اقتصاديا، وهنا سيضخ استثمارات بمليارات الدولارات في السوق المصري. ويضيف د. احمد جلال كما يجب تشجيع الصادرات من خلال ابرام اتفاقيات تجارة حرة جديدة مع امريكا، بما يسمح بدخول جميع السلع المصرية للأسواق الأمريكية بدون رسوم جمركية، وذلك بدلا من اتفاقية الكويز محدودة التأثير، وتطوير اتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوربي، فمصلحة مصر تقتضي ان يكون لدينا أكبر قدر من موارد النقد الأجنبي، حتي نستطيع التعامل مع عجز الموازنة العامة، وتجاوز عجز ميزان المدفوعات. نظرة قصيرة المدي وتؤكد الدكتورة ماجدة قنديل مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية أن الجزء النقدي من المعونة التي تحصل عليها مصر والبالغ 250 مليون دولار سنويا ليس مبلغا كبيرا، ولكن الاستغناء عنه يعبر عن نظرة قصيرة المدي، لأنه من المفترض أن تكون العلاقات الاقتصادية المصرية الأمريكية أكبر من مجرد مبلغ المعونة، ونحن كمصريين كنا ننظر بعد نجاح ثورة يناير الي توسيع الشراكة الاقتصادية مع أمريكا وغيرها من الشركاء الرئيسيين، بينما الغاء المعونة سيغلق أبواب الاستثمار الأخري مع أمريكا - وهي أهم من المعونة - مثل تدفق الاستثمارات الأمريكية لمصر، وزيادة التبادل التجاري معها، وإنشاء منطقة تجارة حرة، ومبادلة الديون، فوقف المعونة سيؤدي لتراجع العلاقات الاقتصادية بين البلدين، بينما نحن في مصر بعد ثورة يناير نسعي لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع امريكا، حتي لا تقف فقط علي المعونة، ولكن لتمتد لتكون علاقة شراكة كاملة من خلال زيادة التبادل التجاري بين البلدين، وانشاء منطقة تجارة حرة بينهما، خاصة أن العلاقات الاقتصادية المصرية الأمريكية لم تتوسع حتي الآن للمستوي التجاري المطلوب، رغم أن امريكا كانت تسعي لتحسين العلاقات الاقتصادية مع مصر عقب ثورة يناير. وتري د. ماجدة ان أهم البدائل في حالة الغاء المعونة الامريكية لمصر هي أن تسعي مصر إلي كل مجال يمكنها من الحصول علي النقد الأجنبي مثل الاتجاه للحصول علي قروض من البنك الدولي، والبحث عن شركاء اقتصاديين جدد كالدول الناشئة اقتصاديا، وتوسيع الشراكة مع شركائنا الاقتصاديين الرئيسيين الآخرين كالاتحاد الأوربي، وذلك لتعويض خسائر وقف الشراكة الاقتصادية مع أمريكا، والتي سنفقدها في حالة وقف المعونة، لأننا سنفقد شريكا اقتصاديا رئيسيا. تبادل منافع ويتفق د. حسين عيسي أستاذ المحاسبة ونائب رئيس جامعة عين شمس مع الآراء التي تنادي بالغاء المعونة الأمريكية لمصر إذا كانت ستمثل قيدا أو شروطا علي القرار السياسي المصري، بينما يرحب بها إذا كانت غير مشروطة، وتقوم علي تحقيق المصالح الاقتصادية لمصر وأمريكا ،أي تقوم علي مبدأ "تبادل المنافع". ويري د. حسين انه في حالة الغاء المعونة فإن مصر يمكنها ان تقوم بتنفيذ عدة اجراءات اقتصادية لتعويض قيمة المعونة، مثل تشجيع الاستثمارات الأجنبية من خلال تغيير جميع القوانين الاقتصادية والاستثمارية، لتكون أكثر جذبا للاستثمارات، من خلال الغاء معوقات الاستثمار، وهو ما سيؤدي لجذب الاستثمارات الاجنبية في مختلف المجالات الصناعية والزراعية والسياحية، مع تشجيع المصريين العاملين في الخارج علي زيادة تحويلاتهم من النقد الأجنبي، من خلال منحهم تسهيلات في عمليات التحويل، وزيادة اسعار الفائدة للمبالغ الكبيرة المحولة والتي توضع لفترات ائتمانية طويلة، مع العمل علي تشجيع الصادرات لأن صادراتنا من السلع الزراعية والصناعية لا تزال محدودة، ويمكن زيادتها من خلال تسهيل اجراءات التصدير، وتوفير التمويل اللازم لدعم الصادرات، ومحاولة تطبيق سياسات جديدة لدعم الصناعة المصرية بما يجعل أسعار منتجاتها قادرة علي المنافسة في الأسواق الدولية، مع دراسة الأسواق العالمية بشكل علمي حتي تستطيع منتجاتنا اقتحامها مع تشجيع السياحة باعتبارها من أكبر مصادر الدخل القومي، صحيح أنها تمر بأزمة صعبة حاليا، لكنه يمكن للجهات المسئولة أن تتخذ اجراءات تنقذ الموسم السياحي القادم والذي يبدأ في شهر أكتوبر، مع تطوير دور قناة السويس، لأنها ليست مجرد ممر سياحي فقط، بل يجب أن نغير دورها لتصبح منظومة نقل ملاحي متكاملة، لتقدم خدمات ملاحية متكاملة مثل الشحن والتفريغ والتموين، وهو ما سيمكن من مضاعفة دخلها بما يترواح بين 6 و7 مليارات دولار إلي 20 مليار دولار سنويا. ويري د. حمدي عبد العظيم أستاذ الاقتصاد ورئيس أكاديمية السادات للعلوم الادارية الأسبق أنه يمكن تدبير مبالغ تزيد عن قيمة المعونة الأمريكية لمصر في حالة ايقافها من خلال عدة بدائل مثل الحصول علي معونات من صناديق عربية، أو من دول عربية لتمويل شرائنا للمنتجات التي نحتاجها مثل القمح والسلع التموينية ومستلزمات الانتاج والتي كانت توفرها المعونة الأمريكية، سواء لشرائها من أمريكا او من أوربا أو استراليا. كما يمكن طرح سندات خزانة للعاملين المصريين بالخارج بفائدة مميزة مثل ما أعلنه رئيس الحكومة د. كمال الجنزوري عن الاتجاه لطرح هذه السندات بفائدة مميزة تزيد 1.5٪ عن الفائدة العالمية، وفي حالة تطبيق ذلك سنوفر حصيلة تمثل عدة أضعاف المعونة الأمريكية . ويضيف د. حمدي أما البديل الآخر والذي يمثل علاجا مرا فهو الاتجاه للاقتراض من صندوق النقد الدولي، أو من بنوك عالمية، خاصة أنه يوجد لدينا عجز تجاري، ونظرا لأننا عضو في البنك وصندوق النقد الدوليين، ونسدد حصتنا فيهما، فإنه يمكننا الحصول علي تمويل في شكل قروض بما يماثل قيمة هذا العجز، وبتسهيلات تتضمن فترة سماح جيدة، وفترة سداد طويلة، وبفائدة محدودة.