بدأت أزمة الديون الأمريكية التي تصل الي قرابة 14.3 تريليون دولار، أي أكثر من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي تلقي بظلالها السلبية علي الاقتصاد العالمي، فتأثرت البورصة المصرية وخسرت نحو 32.8 مليار جنيه خلال الأيام الثلاثة الأولي للأزمة بسبب اتجاه المستثمرين العرب والأجانب إلي بيع أسهمهم لتحقيق سيولة لتغطية مواقفهم المالية في البورصات العالمية خاصة في أوربا وأمريكا. والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة: هل ستمتد هذه الآثار السلبية إلي باقي أوجه الاقتصاد المصري خاصة في ظل ربط سعر صرف الجنيه بالدولار الأمريكي، وتقويم الاحتياطي النقدي بالدولار، كما أن أمريكا من أكبر الأسواق العالمية المستوردة للسلع المصرية، وبالذات المنسوجات بعد تطبيق اتفاقية الكويز بين مصر وأمريكا واسرائيل، حيث يقوم نحو 3 آلاف مصنع، يعمل بها نحو 3 ملايين شخص بتصدير منتجاتها لأمريكا. خبراء المال والاقتصاد يجيبون علي السؤال الصعب في السطور التالية في البداية يشرح رئيس الوزراء الأسبق د. علي لطفي أسباب أزمة الديون الأمريكية مؤكدا أن أساسها تزايد عجز الموازنة العامة الأمريكية، فخلال العشر السنوات الأخيرة زاد الدين العام الأمريكي بشكل غير عادي، وهذا درس وجرس انذارلجميع دول العالم ومن بينها مصر، ولذلك يجب أن نتنبه لخطورة وجود عجز كبير ومتزايد بالموازنة العامة للدولة، ولا يمكن أن يتم في أمريكا تغطية عجز موازنتها بطبع البنكنوت، ولكن عن طريق الاقتراض، وهو ما خلق أزمة الديون الأمريكية الرهيبة التي وصلت لأكثر من 14 تريليون دولار، بسبب الفوائد الضخمة للديون لاستمرار زيادة عجز الموازنة سنويا وهو ما يجعل الأمور تدور في حلقة مفرغة.. وتلخص الأزمة الأمريكية في عدم اعطاء الاهتمام الكافي لعجز الموازنة وبالفوائد المترتبة عليه فارتفعت الديون عن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.. وهو ما أدي لقيام الجهات الدولية التي تقيم ائتمان الدول بخفض تصنيف الائتمان الأمريكي لأول مرة منذ عدة سنوات وهو ما يعني ببساطة زيادة الفائدة علي القروض الجديدة التي ستحصل عليها أمريكا بسبب وجود نسبة مخاطرة في عدم القدرة علي سدادها، بعد ان كانت قبل الأزمة أكثر الديون أمانا في العالم. تخفيض عجز الموازنة وأشار د. علي لطفي إلي أهمية الاستفادة من هذا الدرس ومعالجة تزايد عجز الموازنة العامة المصرية، وأضاف: وفي هذا الصدد أشيد بما قام به المجلس الأعلي للقوات المسلحة من رفض مشروع الموازنة العامة الحالية قبل تخفيض عجزها من نحو 160 إلي 134 مليار جنيه. وطالب د . لطفي بتنفيذ سياسة مالية جديدة تعتمد علي زيادة الايرادات العامة للدولة ليس من خلال فرض ضرائب جديدة، ولكن من خلال معالجة التهرب الضريبي الذي يضيع المليارات سنويا علي الخزانة العامة للدولة، وتنشيط عملية تحصيل المتأخرات الضريبية، وتشجيع الاستثمارات، وهو ما سيؤدي لزيادة الايرادات الضريبية. سلبيات مباشرة وأكدت د. عالية المهدي استاذ الاقتصاد والعميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن هناك تأثيرات سلبية مباشرة سيتعرض لها الاقتصاد المصري نتيجة لأزمة الديون الأمريكية، لأن الولاياتالمتحدة لن يصبح لديها القدرة علي تقديم قروض للدول الأخري، وكذلك لن تستطيع الالتزام بكل الأموال التي كانت تقدمها لمصر سنويا كمعونات عسكرية واقتصادية، وقد تتجه لتخفيضها تحت وطأة الأزمة المالية التي تمر بها حاليا وزيادة عبء خدمة الدين العام الأمريكي. وأضافت قائلة ان انخفاض سعر الدولار أمام العملات الأجنبية الأخري سيؤدي لتراجع قيمة الجنيه المصري، لأن سعر صرفه مرتبط بالدولار، وهو ما قد يؤدي الي إعادة تقدير قيمة الجنيه.. وفي حالة انخفاض سعر الدولار سيسبب ضغوطا تضخمية علي الاقتصاد المصري لانخفاض القدرة الشرائية للجنيه، بالاضافة لتراجع قيمة الاحتياطي النقدي الأجنبي المصري لأنه مقدر بالدولار.. كما انه في حالة تراجع وانكماش السوق الأمريكي ستتأثر الصادرات المصرية لأمريكا التي تعد من أكبر أسواق السلع المصرية الخارجية، وهو ما سيؤدي لتراجع ايراداتنا من الصادرات البترولية وغير البترولية، لأن الطلب علي صادراتنا ليس مرنا في أغلب الأحوال. تراجع الصادرات بينما يؤكد د. حسين عيسي عميد كلية تجارة عين شمس أن التأثيرات السلبية لأزمة الديون الأمريكية علي مصر ستكون محدودة نظرا لعدم اتساع علاقاتنا التجارية بدول العالم الأخري، بينما سيكون التأثير السلبي الأكبر في انخفاض حجم الصادرات المصرية لأمريكا بسبب حالة الركود التي سيعاني منها السوق الأمريكي لفترة طويلة قادمة، وخاصة مصانع المنسوجات التي تصدر انتاجها لأمريكا طبقا لاتفاقية الكويز.. كما ستتأثر عوائد السياحة المصرية نظرا لأن السائحين الأمريكيين الذين يأتون لمصر رغم قلة عددهم مقارنة بجنسيات اخري إلا أنهم ينفقون ببذخ، وهو ما لن يحدث خلال الفترة القادمة لتراجع قدرتهم الشرائية متأثرة بأزمة الركود التي ستعاني منها الأسواق الأمريكية.. بخلاف اتجاه الولاياتالمتحدة لتطبيق خطة لخفض الانفاق العام لمواجهة الديون الضخمة وعبء خدمة الدين العام الأمريكي ، وبالتالي ستلجأ أمريكا لخفض المعونات التي تقدمها لدول العالم ومن بينها مصر. كما ستتعرض قيمة استثمارات البنوك المصرية في أذون وسندات الخزانة الأمريكية لانخفاض قيمتها لتراجع قيمة الدولار وزيادة المخاطر علي هذه السندات والأذون، كما أصبحت هناك معدلات مخاطر علي الاستثمارات الأجنبية - ومن بينها المصرية - في أمريكا، بعد أن كانت هذه المخاطر معدومة سابقا. وطالب د. حسين عيسي الحكومة ببدء فك الارتباط بين الجنيه والدولار، وتنويع سلة العملات الأجنبية المرتبطة بالجنيه لتتضمن عملات أخري مثل اليورو أو عملات بعض الدول الآسيوية.. وذلك بسبب الانخفاض المتوقع لسعر الدولار في مواجهة العملات الأخري. خسائر البورصة وأكد د. حمدي عبد العظيم أستاذ الاقتصاد وعميد أكاديمية السادات للعلوم الادارية الأسبق أن التأثيرات السلبية لأزمة الديون الأمريكية علي الاقتصاد المصري طالت بالفعل البورصة المصرية التي خسرت خلال الثلاثة أيام الأولي للأزمة نحو 32.8 مليار جنيه بسبب اتجاه المستثمرين الأجانب لبيع أسهمهم لاستخدام العائد في تغطية مراكزهم المالية بالبورصات العالمية.. كما ستمتد هذه التأثيرات لاستثمارات البنوك المصرية في الأوراق المالية كأذون وسندات الخزانة الأمريكية والأوربية.. وبالتالي سيتراجع العائد عليها، بما يؤدي لخسائر في أرباح البنوك المصرية من هذه المحافظ المالية.. كما ستتأثر قيمة الجنيه بالسلب في حالة تراجع سعر الدولار عالميا لأن سعر صرف الجنيه مرتبط بالدولار، وبالتالي ستقل قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية الأخري. ويطالب د. حمدي البنك المركزي بتوجيه البنوك لاعادة وتغيير المحافظ المالية واستثمارها في دول لم تتأثر بأزمة الديون الأمريكية مثل الصين ودول أمريكا اللاتينية، كما لا بد من إعادة النظر من قبل البنك المركزي في كيفية استثمار احتياطات النقد الاجنبي، واستبدال السندات وأذون الخزانة الأمريكية والأوربية بسندات وأذون دول أخري أكثر استقرارا.