كل شاب تخرج فى الجامعة بدأ برسم ملامح حياته، ولكن «الرسمة» ظلت باهتة بالأبيض والأسود، ولم تلون فمن وجد عملاً لم يجد مرتباً جيداً ومنهم العديد الذى يعمل خارج مجاله، لذلك قرروا هجر مصر متفائلين بأن الخارج أفضل بكثير.. وخرجوا من مصر بالقوة، فلم يحصلوا على السفر بكفالة شخص ما وإنما قاموا بشراء «فيزا حرة» لتكملة رحلة البحث عن العمل ولكن فى دول الخليج.. ما الظروف التى أجبرتهم على ذلك وما الذى وجدوه فى الخارج، وهل كانت رحلة بحثهم متعبة أم وجدوا من خلالها ضالتهم.. لكل منهم قصته وظروفه، ولكن جميعهم قاموا بدفع الآلاف للهروب من مصر. ∎ دائرة الديون
عمر أحمد مهندس معمارى 26 سنة.. بعد التخرج قام بخطبة الفتاة التى أحبها على مدار الأربع سنوات تقدم لها «بالشبكة»، ولكن ليست الشبكة كل ما فى الزواج. يروى عمر قصته قائلا: لم أجد أمامى حلاً أسرع من السفر إلى الخارج باحثا على العمل، ففرصة حصولى على عمل بالخارج أكبر من مصر لأننى على مدار سنتين لم أعمل فى مجالى أبدا.. وبالفعل وجدت فرصة شراء فيزا وأقنعنى أصدقائى أنها الفرصة الأفضل، ولكن كنت فى احتياج ل 20 ألف جنيه لشراء الفيزا من المكتب «فيزا عامل» وليس مهندساً ولم أكن أعلم ما سيحدث، وبالفعل استدنت وساندنى الكل واتفق معى المكتب على أن أقوم بسداد 3 آلاف ريال سعودى للمكتب بعد استلام الوظيفة، وبالفعل قمت بدفع جميع المصاريف وذهبت إلى السعودية ووجدت عملاً، ولكن للأسف دخلت دائرة «الديون» التى لم تنته، فأنا استدنت من أصدقائى وأهلى وكان على تسديد الديون قبل التجهيز للفرح وبعدما سددت الديون فى 6 أشهر وجدتنى استدين من أصدقائى فى السعودية حتى أستطيع النزول فى الميعاد المحدد للزواج وبعد الزواج كانت الطامة الكبرى هو تسديد الديون من خلال الاشتراك فى جمعيات ولم يتبق من الراتب شىء واستدنت حتى أحضر زوجتى فى السعودية وهذا هو حالى من دين إلى آخر ومن جمعية لأخرى والراتب لا أستطيع التحكم فيه كما اعتقدت، بل هو من يتحكم فىِّ.. وأعيش أنا وزوجتى بأقل الإمكانيات ونكاد فى آخر الشهر لا نجد ما يكفينا للأكل.
∎ غلاء المعيشة
مصطفى الشيمى 28 سنة صيدلى متزوج ولديه طفل لم يتجاوز الأربع سنوات روى قصته قائلا: الحياة فى مصر يتغير بسرعة من غلاء إلى غليان والشىء الوحيد الذى لا يتيغر المرتب، فتزيد الطلبات والأعباء والدخل واحد وثابت، فأشعر فى كثير من الأحيان بالعجز، فبعدما تزوجت أنجبت بعدها بتسعة أشهر ودخلت دوامة من المصاريف للولادة وتجهيز طفلى بكل ما يحتاجه ولم أجد مصروفاً للبيت أو حتى للمواصلات وبدأت بأخذ مساعدات ومعونات من الأهل ولكن قمت بحسبتها من جانب آخر أن ابنى يكبر ومتطلباته تكبر ونحن الآن لا نستطيع العيش بلا مساندات فما بالك بعد دخوله للمدرسة؟!، خاصة أننى أنوى أن أستثمر فى ابنى وأقوم بإدخاله أفضل المدارس لينال أفضل تعليم.. لم أنتظر أكثر من ذلك و سحبت كل رصيدى فى البنك وهو 51 ألف جنيه واستلفت من والدى وهو دكتور أمراض نساء 10 آلاف جنيه حتى أستطيع شراء «فيزا عامل»، وبالفعل قمت بشرائها ب 22 ألف جنيه وأنهيت إجراءات سفرى بالباقى وبعد سفرى ب 6 أشهر أردت إحضار زوجتى وابنى، ولكن الكفيل منعنى لأننى فيزا عامل ولا أستطيع عمل إقامة لها لأن عملى حر ومهدد بتغير الكفيل فى أى وقت وأننى إذا أحضرت زوجتى ستكون «زيارة فقط» وأقصى مدة لها 3 أشهر، ثم أقوم بدفع بمبلغ آخر للتجديد.. إضافة إلى ذلك أنه اتفق معى على إعطاء بدل سكن للعزاب والاشتراك معهم وعندما أردت الانفصال عن شقة العزاب لتأجير شقة صغيرة لزوجتى وابنى وجدتنى أدفع من «جيبى» ولم يقم الكفيل بتعويضى.. وأنا لا أملك حق الاعتراض حتى لا أخسر كل شىء، وعندما جاءت زوجتى ساءت أحوال الشركة لدينا وأصبح الراتب يتأخر وأحيانا نستلم الراتب فى منتصف الشهر، أى كل شهر ونصف نأخذ الراتب.. وعندما نتحدث مع الكفيل لا نأخذ حقاً أو حتى رد يحفظ كرامتنا وأقل ما نسمعه عندها «من لا يعجبه الوضع يترك العمل وعهدته فورا»، وبالطبع لا أستطيع ترك العمل بعدما أحضرت زوجتى وابنى للبحث عن وظيفة جديدة.
∎ بحثا عن الاستقرار
كريم وجدى 30 سنة متزوج حديثا واشترى «فيزا عامل» على الرغم من أنه محاسب قانونى قال: اشتريت فيزا عامل لأننى لم أجد حلا سوى السفر.. سافرت إلى الكويت للعمل ولكن ما حدث لى لم يكن بالقليل، فأنا ذهبت هناك ومعى القليل من المال على اعتبار أننى سأجد وظيفة مناسبة بسرعة، ولكن للأسف انتظرت وأنا أبحث بلا راتب لمدة أربعة أشهر، وبالطبع بدون زوجتى فى أول زواجنا.. ولم أستطع أن أرسل لزوجتى مصاريفها ووصل بى الحال إلى أن يقوم أهلى فى مصر بإرسال بعض الأموال حتى أستطيع العيش بها، فكنت فى أغلب الأحيان أقوم بتعدية بعض الأيام بدون أكل تماما أو أقوم بشراء بسكويت طوال اليوم حتى لا تنتهى الفلوس بسرعة وقمت بالسكن مع الهنود والباكستانيين 51 شخصاً فى شقة صغيرة حتى لا نتحمل أعباء كثيرة ندمت أشد الندم على ما أضعته من مالى حتى أقوم بشراء فيزا حرة وأتعرض لهذا الكم من الإهانة والإيذاء النفسى، فأنا مقصر فى حق زوجتى وأهلى وفى حق نفسى وأخيرا وبعد أربعة أشهر وجدت وظيفة ولكن براتب بسيط وتلهفت عليها حتى لا تطير وهو أفضل من لا شىء وعندما شعر الكفيل بلهفتى للعمل بدأ يكلفنى بالعديد من المهام ومن المفترض أن آخذ على ساعات العمل الإضافية راتباً أعلى ولكن لم أستلم سوى راتبى بدون إضافات.. إلا ما غير ذلك من تغير فهو اتفق معى على أننى بعد سنة من العمل أستطيع إحضار زوجتى ولم يكتب هذا فى العقد ولكن بعد مرور سنة على عملى لم أستطع نزول مصر ولم يوافق لى على إحضار زوجتى زياره لأننى فيزا حرة على الرغم من إمكانية إحضارها قانوناً طالما لم تكن إقامة، وإنما زيارة ولكن دائما أقوم بتقديم الطلب والورق وهو يرفض حتى تحدثت معه وقال لى أن ظروف العمل لا تتحمل أعباء إضافية أو تذاكر طيران فأخبرته أننى سأقوم بتحمل تكلفة التذكرة ومع ذلك أيضا رفض بحجج سخيفة وغير مبررة، وحتى الآن لم أر زوجتى منذ سنة وخمسة أشهر على الرغم من أننى عريس جديد لم أقض معها سوى شهرين!! ولكن «حقا أكل العيش مر»
. ∎ بحثا عن الأفضل
حبيب تركى 27 سنة مهندس كهرباء «فيزا حرة» يروى تجربته قائلا: ذهبت إلى السعودية منذ سنتين عن طريق فيزا حرة ووجدت عملاً بسرعة وكان الراتب جيداً وقاموا بإعطائى بدل سكن وبدل تنقلات وترك لى الكفيل حرية التنقل إما بإيجار سيارة أو بشراء واحدة ودفع أقساطها والاثنين نفس السعر شهريا ولكن اخترت الإيجار حتى لا أتورط فى سنوات أقساط وأنا لا أعلم كم هى الفترة التى سأمكث، خاصة أننى فيزا حرة وقد يغيرنى الكفيل ويتركنى فى أى وقت وليس من السهل أن أجد كفيلا آخر.. كانت الأمور بالنسبة لى سهلة وبسيطة وشعرت أننى اخترت الطريق الصح والأفضل، فلم أشعر بمعاناة أو مشكلة لأننى فيزا عامل سوى أنها مكتوبة فى جواز السفر ولكننى أعمل مهنتى .. كل المشكلة التى حدثت عندما عقدت نية الزواج وتزوجت ففى السنة الأولى بعدما نزلت إلى مصر وتزوجت أردت آخذ زوجتى معى، فعلمت أن هناك صعوبات عديدة حتى أستطيع أن أقوم بعمل إقامة لها ولا يمكن عمل إقامة إلا إذا تغيرت فيزا عامل إلى فيزا مهندس ولم يستطع الكفيل تغييرها وأحتاج إلى إجراءات كثيرة من الكفيل لم يوافق عليها ولكن أحضرت زوجتى زيارة ثلاثة أشهر وقمت بإمدادها إلى 6 أشهر أخرى عن طريق «ثلاثة أشهر فى ثلاثة» ونزلت إلى مصر وعندما عادت مرة أخرى فى السنة الثانية اتضح أن زوجتى حامل و من هنا بدأت المشكلة لم أكن أعلم أن فيزا العامل محروم من التأمين ولم أهتم لذلك لأننى قليل الذهاب إلى الدكاترة.. ولكن زوجتى كانت لابد وأن تذهب لمتابعة الحمل ولم يكن لها تأمين ولم يدفع لصاحب الشركة فواتير المسشفى، فكان الراتب ينتهى على المستشفى والأدوية فهناك الأدوية سعرها مرتفع جدا والكشف هكذا أيضا، فمثلا «السونار العادى» ب 300 ريال أى 500 جنيه بدون رسوم الكشف للدكتور وما إلى ذلك من تحاليل ومقويات.. وجدت صعوبة فى أن أجعل زوجتى معى فقمت بتنزيلها مصر لأننى مشترك فى علاج النقابة وهى الآن بعيدة عنى وستضع مولودى الأول بعيداً عن ناظرى، وبالطبع لم أستطع النزول إلا فى الإجازة الرسمية التى تحددها الشركة لنا كمغتربين.. ويكون من الصعب أن أحضر زوجتى وابنى مرة أخرى وتحمل تكاليف تذاكر سفرهما وإذا مرض أحدهما ستكون زيادة عبأ على.. لذلك كتب علينا أن يجلس كل منا بعيدا عن الآخر حتى أجد فرصة أفضل لنزولى إلى مصر أو إحضارهما السعودية.
∎ بحثا عن سعادة الأسرة
ماجد العويسى 53 سنة متزوج ولديه طفلان روى تجربته قائلا: قبل شرائى فيزا عامل.. كنت على علم بكل شىء ولكن ما لم أعلمه «النصب»، نعم فأنا فى تجربتى تم النصب علىّ على الرغم من أن أبناء أعمامى سافروا بنفس الطريقة فوثقت فى الأمر وجازفت بمالى وعندما سافرت هناك السعودية تعرفت على شاب سورى معى فى السكن وكان دائم السعى معى على عمل حتى قام بترتيب مقابلة بينى وبين شاب سعودى يستطيع أن يقوم بتشغيلى واختار كفيل لى بشرط أخذ مبلغ 5 آلاف ريال سعودى وهو ما يعادل 8 آلاف جنيه مصرى وبعد عدة مقابلات بالفعل أخذ المبلغ المطلوب وجواز السفر والتأشيرة وكنت دائما أقوم بالاتصال به حتى أعلم ميعاد المقابلة لاستلام الوظيفة وكان دائما يتهرب بحجج لم أعلم أنها كذلك إلا بعدما هرب تماما وعندما لم أستطع الوصول إليه بدأت فى اللجوء إلى الشاب السورى الذى انتهى مدة سكنه معى وقام بأخذ سكن آخر كان فى بادئ الأمر يقوم بالرد على ثم بدأ يتهرب منى ولم أجد الاثنين ولم أجد الوظيفة أو حتى جواز السفر للرجوع و عندها قمت بإبلاغ السفارة حتى أسترد جواز سفرى وقام أهلى بحجز تذكرة لى وعدت إلى مصر خاسراً وظيفتى ومالى وأبدأ من تحت الصفر وأنا فى عنقى زوجة وطفلين!!.
∎ مرتبى هزيل
محمد مكاوى 32 سنة محام قال: والدى متوفٍ ووالدتى كانت تعمل موظفة فى إحدى المصالح الحكومية قامت على تربيتى أنا وأختى حتى تخرجنا وخرجت هى على المعاش و لكن لم أستطع العمل فى أى مكتب محاماة كنت أقوم بالتدريب فقط فيه وبمرتب هزيل 052 جنيها!! وبالفعل أخذت الفيزا الحرة «فيزا عامل» من مكتب طنطا ب 81 ألف جنيه.. وسافرت إلى السعودية وأثناء بحثى عن عمل فى مكتب محاماة أو شركة شعرت أن الفترة ستطول.. وشعرت بأنى ثقيل فى بيت «خالى»، لذلك اتجهت للعمل فى أى وظيفة فعملت فى توصيل الطلبات فى أحد المطاعم المشهورة و هناك التوصيل ليس بالفسبا وإنما بالسيارة فكانت وسيلة لتنقلى فى البلد.. و ها أنا أعمل فى مهنة ليست بمهنتى حتى أجد وظيفة مناسبة.. ففى بلدى عملت فى مهنتى برخص التراب وفى الغربة أعمل فى غير مهنتى ومهدد بالطرد فى أى وقت.. فمتى أشعر بالاستقرار وأننى من حقى تكوين أسرة صغيرة هل هذا الحلم أصبح أمنية يستحيل تحقيقها الآن؟!