حذر د. ناجح إبراهيم أحد قيادات الجماعة الإسلامية من الفكر التكفيرى والتطرف بفرعيه العلمانى والإسلامى مشدداً على خطورة ذلك فى تقييم المجتمع المصرى بسكين الطائفة الفكرية. وأبدى ناجح انزعاجه من الصراع الذى يحدث بين القوى السياسية والذى يؤدى إلى مزيد من الفرقة والتمزق خاصة أن هذا التمزق سياسى لا يمت للإسلام بصلة.. كما أكد على ضرورة تغليب مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية والترفع عن الانقسامات والتخوين والاستقطاب الحاد والدعوة إلى الالتفاف حول قيمة الوطن.. وإلى نص الحوار: ∎ ما تقييمك للمرحلة الأولى من الاستفتاء على الدستور؟ وكيف ترى المؤشرات؟ - ما رأيته من الإقبال الشعبى على اللجان هو صورة جيدة سواء كان التصويت بنعم أو لا، لأن المشاركة فى حد ذاتها شىء إيجابى كما أن مسألة تأمين اللجان قد فوتت الفرصة على أناس كثيرين كانوا يودون إفساد الاستفتاء وكانت وسيلة جيدة لديهم لأشعال الحرائق السياسية مرة أخرى. وبالنسبة للنتيجة أتوقع أن الشعب سيقول نعم والنسبة قد تصل إلى70٪ بالموافقة والأهم أن يمر دون صدامات أو صراعات. ∎ إذن.. ماذا تتوقع إذا كانت النتيجة تؤكد الانقسام سواء ب«نعم» أو ب«لا» على الدستور؟ - أرجو ألا تتطور الأمور إلى عنف لفظى ومجتمعى كعادة كل الخطوات التى تجرى الآن فى مصر، لأنه فى النهاية الدساتير ليست مقدسة لا السابق ولا الحالى ولا حتى القادم. كما أن الصراع عليها لا يعنى الإيمان والكفر أو الجنة والنار إنما هى مجرد آراء سياسية تحتمل القبول والرفض.
∎ هل الخلاف حول وجود الشريعة فى الدستور هو الأهم.. أم وجودها فى القلوب والضمائر؟ - كلاهما مهم.. ولكن الأساسى والأصل هو وجودها فى الأنفس والضمائر والقلوب الحية التى تراقب الله.. فالشريعة الإسلامية أكبر من أن تكون مجرد كلمات فى دستور أو بنود قانونية مكتوبة فحسب.. والشريعة الإسلامية موجودة فى مصر قبل نشأة الدساتير.. وستكون موجودة حتى لو لم تكتب فى الدستور.. رغم أهمية كتابتها فيه. ولو أنها كتبت فى كل مواد الدستور وكل القوانين ولم تكن موجودة فى النفوس والضمائر والقلوب لما كانت هناك قيمة لهذه الدساتير والقوانين ولراغ الناس منها روغان الثعلب الماكر.. وهذا يحدث الآن فى قوانين المواريث الشرعية فلا يورثون البنات شيئا ويتحايلون على القانون.. ويفعلون ذلك أيضا مع قانون الأحوال الشخصية وهو مستمد أيضاً من الشريعة الإسلامية.. فلننقشها فى القلوب والدساتير معا.
∎ ما هو توصيفك للوضع السياسى الراهن؟.. وإلى أين يسير؟ - نحن فى مصر الآن لا هم لنا سوى الصراع والبحث عن أسبابه ودواعيه وتطليق كل المشتركات الوطنية بين الأطياف المصرية.. وبدلا من أن يؤدى ذلك كله إلى التلاحم الوطنى.. إذ بمصر تزداد فرقة وتمزقا حتى طال هذا التمزق أخطر وأهم الأجهزة السيادية التى تتميز بالانضباط الصارم والشعور الزائد بالمسئولية.. فهذا يحاصر ذاك.. ويطلق الرصاص أو الغاز عليه وسط صيحات الهياج والثأر. تتقاطع تماما مع القوى الليبرالية بل تهددها.. وبعض القوى اليسارية والعلمانية تتمنى فشل مرسى حتى لا ينجح ويصب فى خانتهم.. وكأنه لن يصب فى مصلحة مصر .. والأحزاب السياسية كل يتمنى فشل الآخر وتدميره .. وبعض الشباب يريد اقتحام الداخلية .. والقضاء ضد الرئاسة.. والإخوان يضيقون بالدستورية وهى تضيق بهم.. وهكذا كل يضمر للآخر سوءا.
∎ وكيف ترى تأثير هذا التمزق السياسى على مصر؟! - بالفعل سيؤثر سلبا وعلينا ألا نستهين بهذا الأمر حاضرا ومستقبلا.. وعلينا ألا نردد منذ اليوم أن كل عوامل الوحدة موجودة فى مصر لننام مطمئنين وسعداء بهذا القول.. فلوحدة الأوطان أسباب من أخذ بها نجح.. وللنصر أسباب من أخذ بها انتصر حتى ولو لم يكن مسلماً.. وللهزيمة أسباب من سلكها انهزم حتى لو كان صالحا.. فالصومال تجمع كل عناصر الوحدة بين شعبها.. فهناك جنس واحد ودين واحد ومذهب واحد.. ورغم ذلك انقسمت الصومال إلى خمس دول متحاربة متطاحنة. وهذه جنوب أفريقيا غير المسلمة تتكون من أربعة أجناس مختلفة هم «السود والبيض والهنود والملونين» ولكن مانديلا الذى سجن 27عاما استطاع أن يجمع شملها بالتجرد والتغافر والبحث عن المشتركات وتأجيل الخلافات إن لم يستطع دفنها والمصالحة الوطنية الصادقة.
∎ من وجهة نظرك، ما هو أخطر فكر يمكن أن يدمر مصر؟ - خطر التطرف العلمانى وشيوع الإلحاد والرغبة الجامحة لدى البعض فى فصل الإسلام عن الحياة.. لأن هذا الفكر مرفوض من الشعب المصرى.. وقد يؤدى إلى رد فعل عبارة عن تطرف إسلامى. بالإضافة إلى التطرف الإسلامى المتمثل فى التكفير.. لأن التكفير يتبعه التفجير والقتل. فكلا الاتجاهين فى التكفير جريمة لانه يعنى القتل المعنوى لإخراجه من دينه
∎ هل أنت راض عن أداء الأحزاب الإسلامية؟ - أنا غير راض عن أداء كل القوى السياسية.
∎ البعض تحدث عن علاقة الجماعة الإسلامية بأمن الدولة سابقا وظهورها الحالى الذى يتخذ وضع المراقب اكثر منه المشارك يضع عديدا من علامات الاستفهام؟ - أنا لا أسمح لأحد باتهام الجماعة الإسلامية بالعمالة لأمن الدولة لأننا أكثر تيار تعرض للظلم والتنكيل فكيف يعقل أن أكون عميلا وأقضى أكثر من عشرين عاما بالسجون، فهذا اتهام باطل. وعندما أكون أنا عميل فماذا يكون رجال الحزب الوطنى السابق! ∎ ولماذا ابتعدت عن الساحة السياسية، وماذا ترى وأنت فى صومعتك؟ - لقد قررت الابتعاد عن أى منصب سياسى أو حكومى أو حتى فى الحركة الإسلامية وأن تكون مهمتى هى الدعوة وتطوير الفكر الإسلامى دون أن أنضم إلى جماعة أو فصيل لأنى رغبت فى تغليب مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية.
∎ وهل ترى فى الأحزاب تغليبا لمصلحتها الخاصة؟ - بعض الأحزاب تغلب مصلحتها على مصلحة الوطن وللأسف هو ليس صراعاً على الإسلام إنما على كعكة الحكم، فهو صراع سياسى يتخذ من الدستور ميدانا له كذلك من المليونيات وغيرها. ولا شك أن ما يحدث فى مصر حاليا هو صراع على السلطة كما حدث تاريخيا، لكنه على مدار التاريخ لم يقسم الشعب كما حدث فى هذه المرة. ∎ هل الوطن أصبح كعكة يتقاسمها الأفراد؟ - لا ولكن القوى السياسية الآن أصبحت تراها كعكة يحرص كل منهم على اقتطاع أكبر جزء منها. ∎ هل أنت متفائل بما يحمله المستقبل؟ - لست متفائلا لأن المجتمع المصرى انقسم الآن بالسكين وأصبح الخطاب الشائع التخوين والانقسام والاستقطاب الحاد فالكل يبحث عن مصلحته والكل يريد أن يأكل كعكة الوطن وحده فى حين أن كعكة الوطن تكفى الجميع. ∎ وكيف ستنتهى هذه الأوضاع؟ - مصر تنزلق إلى عنف متمثل سابق فى الهجوم على أسرة الشيخ عمر عبدالرحمن ومسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية والثوار وتحطيم المقرات والشرطة. فالمجتمع الآن دخل من دوامة الانقسام إلى دوامة العنف وأخشى أن يتحول عنف الطوب والحجارة إلى عنف الرصاص فى الشارع.