الغيرة اختاروا لها اللون الأصفر، ربما لأنه رمز لمتناقضات كثيرة فاللون الأصفر رمز الإشراق، ولون زهور مبهجة تتفتح فى الخريف والربيع، وأيضا رمز للمرض والعواصف الرملية فالغيرة تحتوى على صور متنوعة من الحقيقة والخيال وتداعى معانى وأفكار، تعنى أشياء مختلفة بالنسبة للشخصيات المختلفة وكل فرد يختبر الغيرة خلال تجاربة فى الحياة.. واختلف علماء النفس والأخلاق وربما احتاروا فى الإجابة على سؤال: هل الغيرة غريزة، أم مكتسبة، من قال إنها بلا شك غريزة ومن قال إنها مكتسبة ومتطورة، ومن وجد أن الغيرة تظهر مع نمو الإنسان هى جزء من تجربته منذ طفولته، وهذا يعنى أنها إذا لم تكن مولودة معه فهى نتاج تجربة فى الحياة.
إن خبرة الغيرة متعلقة بوضوح صورة الإخلاص لدى الإنسان، وإذا غاب الإخلاص ظهرت الغيرة وأحيانا تظهر إذا زاد عن حده، والإخلاص ليس من المعانى المتخلفة التى يحاول البعض محوها من قاموس الحياة الحديثة، فبدونه لن توجد عائلة ولا مجتمع ولن تعيش دولة.. الإخلاص يولد فى العائلة ويتجه من العلاقة الإنسانية فى المجتمع إلى العلاقة فى العمل إلى العلاقة بالوطن.
الغيرة ليست مقتصرة على العلاقة بين الرجل والمرأة كما يفهم بعض الناس.. الغيرة مرتبطة بأشياء كثيرة فى الحياة.. أحيانا تدفع الفرد إلى الأمام إذا كانت الغيرة فى العمل فيعمل الذى يشعر بالغيرة من زميله إلى التفوق عليه، والغيرة فى المعاملات المادية بين البشر، وفى نوع السكن وإذا كانت الغيرة تخدم الفرد على التقدم فى الحياة بالاهتمام بعمله، بزيادة دخله بتحسين أخلاقه وسلوكه فإنها تعمل أيضا على الانحطاط بالحياة إذا اقترنت بالشر. ∎ جين الشر إذا نظرنا إلى الشر بالتعريف النفسى فهو اضطراب فى الشخصية وتفككها إنه خيانة بمعنى عدم الوفاء للناس، وإنكار لكل القيم الخلقية ويجد البعض أن الكراهية حليفة للشر وأحيانا تكون هى منبعه، فالكراهية تدفع إلى الرغبة فى عدم وجود الآخر موضوع الكراهية.. أيضا تعتمد على القرارات السطحية لسلوك الآخر، والشر فى حد ذاته يعمل على الهدم والتحطيم..
واختلف علماء النفس من ناحية الشر فالبعض يقول لا أحد يولد شريرا بالفطرة وإنما يصبح المرء كذلك عندما تتعطل قواه الإنتاجية فيقع ضحية للمرض النفسى أو للميول العدوانية الهدامة، وكثيراً يكون المجرمون ضحايا تعسة لظروف قاسية ومجرد مرضى نفسانيين فى حاجة إلى العلاج أكثر من العقاب، وقال البعض قديما إن الطفل ليس قديسا صغيرا تجىء نماذج السلوك السىء فتفسد عليه طهارته الأصلية.. بل إن علة داء الشر كامنة فى صميم قلبه منذ البداية فالدنس لا يأتى إلينا من الخارج كى ينفذ إلى الداخل بل هو باطن فى صميم إرادتنا.. واختلف علماء النفس والأخلاق على تعميم هذه النظرية على كل الأطفال.. وقال آخرون إن الشر موجود فى النفس البشرية بصور مختلفة من فرد لآخر، المهم التعامل معه منذ الطفولة إما تنميته أى الشر فى نفس الطفل أو تقويمه بالخير.
وقد حسم العلم الحديث مسألة الشر فى الإنسان باكتشاف جين معين فى الشخص المجرم يدفعه للإجرام.. فقد قامت أبحاث كثيرة على جينات من المجرمين ومن غير المجرمين وتوصلوا إلى نوع جين ينفرد بين المجرمين أطلقوا عليه جين الإجرام وهذه معلومات علمية معقدة صعب الدخول فيها بشرح وافى لغير المتخصصين فى العلم الحديث..
ونأتى إلى سؤال هام ماذا إذا اقترنت الغيرة بالشر، هذا السؤال تجيب عليه الكاتبة الروائية الكبيرة والسيناريست المعروفة «وفية خيرى» فى روايتها.
∎دلال وبسيمة
تتناول الرواية موضوع الفجوة الحضارية بين المثقفين وبين الذين لم ينالوا حظا من الثقافة والعلم وتقدم لنا شخصية دلال الأرملة الثرية الشابة التى تعانى من الوحدة بعد وفاة زوجها وأيضا عدم الإنجاب مما اضطرها إلى الاستعانة بالفتاة بسيمة الريفية المحدودة العلم والثقافة والفكر لكى تكون مرافقة وونيسة لها فى وحدتها.. وبسبب الفجوة الحضارية بين الاثنتين يحدث الصراع بينهما تحاول دلال الارتقاء بالفتاة اجتماعيا وثقافيا وتحاول بسيمة فرض ثقافتها المحدودة على دلال بجهالة وعناد وأيضا تتآمر عليها.
وتتوالى أحداث الرواية وتعرف السيدة دلال كل الشر الذى تحمله لها من عطفت عليها وأحبتها وعاملتها كأختها الصغيرة.. وتجد بسيمة اللوم على أفعالها من أهلها بل ومن أهل القرية.. كلهم يحكمون عليها إن لم يكن بالكلام والموعظة الحسنة.. تجده فى النظرات التى تتهمها بالخيانة.
لقد أشادت الكاتبة بفلاحى وعمال القرية التى تسكنها بسيمة أظهرت فيهم القيم القديمة فى إخلاصهم لعملهم، فى ثقافتهم الاجتماعية والإنسانية بتعاملهم مع الناس وهنا نؤيد العلم الحديث أنه يوجد جين للشر أو الإجرام فى بعض الناس وهذا الجين لابد أنه فى بسيمة لأنها الوحيدة بين إخواتها وأختها وأهلها المقربين التى تميل إلى فعل الشر وتحقد على الناس عموما.
أحداث الرواية كثيرة وصراع الخير مع الشر فى تلك الأحداث يصعب تلخيص فأردت أن أستخلص من هذه الرواية الغيرة التى ترتبط بالشر والشر الذى يرتبط بالكراهية لنفهم من حكم الحياة أن الأفعال الشريرة الموجهة للآخر وحتى الأمنيات الشريرة الموجهة للاخر إذا كان هذا الآخر ليس ظالما.. ولا شريراً فهذه الأفعال أو الأمنيات الشريرة ترتد إلى صاحبها أو تلتف حوله وتشنقه والرواية تظهر لنا صورة مصغرة للمجتمع الذى يسعى إلى النمو ولكنه أحيانا يسلك سبلا ملتوية لتحقيق آماله وتطلعاته فلا يصل إلى النجاح وهذه التفاصيل التى صاغتها المؤلفة فى حوادث وأحداث الرواية ليست غريبة على الأستاذة الكاتبة وفية خيرى فهى قد قامت بأعمال السيناريو منذ الستينيات بعد دراستها لهذا الفن وقامت بأعمال سيناريوهات لأفلام فى السينما المصرية الجادة ولها أكثر من أربعين عملا تليفزيونيا ما بين سهرات ومسلسلات درامية كما أن لها مؤلفات قصصية وروائية صدرت فى كتب منها هذه الرواية المعبرة دلال وبسيمة التى صدرت عن روايات الهلال شهر سبتمبر الماضى 2012.
شكوى إبليس
لشاعر الشرق وفيلسوف الإنسانية محمد إقبال كما أطلق عليه شعبه الباكستانى هذه الكلمات الشعرية
قال إبليس لرب العالمين ما لهذا الإنسان الطينى يتعالى على النار إنه واهن الروح سمين الجسم ملابسه مزركشة عقله ناضج ومحتال، وقلبه فى حالة نزع للروح شريعة الشرق تقول عنه إنه غير طاهر بينما أفتى فقهاء الغرب بأنه طاهر وحور فردوسك لا يعرفونه والفردوس قفرمن غم التصوير والوهم إن جهود أنصار أبليس من أهل السياسة..والآن لم تعد هناك حاجة لوجودى على الأرض.