خرجت علينا تصريحات الجارة غير العزيزة ذات الستين خريفاً والتي لانذكر إنه قد أتانا من صوبها طوال هذه الجيرة الإجبارية أي رياح طيبة.. فالشمطاء لاتهوي إلا العبث بجماجم الأطفال.. وسطّرت كتابا ستذكره الإنسانية مابقيت تمتليء صفحاته بالشر المتقن.. وإذا تناسيناها غضبت وأبت إلا أن تذكرنا علي الدوام بوجودها بمذبحة هنا أو قصف هناك.. تقول الشمطاء إنها كانت علي صواب منذ البداية حيث حذرت العالم من أن مايظنه العالم ربيعا عربيا إنما هو في أصله شتاء إسلامي.. ولم يملك مولانا إزاء هذه العبقرية إلا أن يقول كما قال الدكتور شديد رحمه الله.. سبحان الذي أبدعك. وماضّر الشمطاء، وماعليها إن كان ربيعاً عربياً أو شتاءً إسلامياً أو خريفاً هندوسياً أو صيفاً زرادشتياً؟ تعودت الجارة غير العزيزة علي نموذج واحد للحكام العرب قلما يتغير وشروط لاعتلائهم الكراسي لاتتبدل.. فكأنهم قد شربوا من مشرب واحد وتربوا في رحم أفكار مشتركة لايقبلون عنها بديلاً.. أولها أن النبي قد وصّي علي سابع جار و كان له جار يهودي وكان يكرمه فلابد للحكام العرب أن يكرموها بناء علي هذه التوصية النبوية.. ثانيها أن كل مايظنه العالم من قتل للأطفال واغتصاب للحقوق إنما هو في أصله لخير الإنسانية ومنهم الجيران بالضرورة.. ثالثها أنه لادخل للدين في السياسة والمقصود بالدين هنا ليس أي دين بل أي دين غير الدين اليهودي تحديداً.. ذلك أن الشمطاء أصلاً قد قامت بما قامت به من احتلال أرض فلسطين تلبية لأوامر الرب واستجابة لتعليماته للآباء الأول كما ثبت عندها في الدين.. رابعها أن يكون زوجاً محترماً ذا مرجعية فإذا أغضبها رفعت الشمطاء سماعة الهاتف فشكته لأمها الحنون فهددته الأم وتوعدته بسحب الكرسي. خامسها أن يكون الحاكم أباً حنونا يسبق حبه لعائلته أي حب فيحسن علاقته بالشمطاء وأمها تمهيداً لمساعدته في دفع فاتورة الحب الأبوي المتمثلة في إصدار إعلان الوراثة الشرعي لجميع ممتلكات الأب الحنون لأولاده ومنها بلاده الغالية.. تعلم الشمطاء وهي عليمة بأن كل ماسبق تبلّله أمطار هذا الشتاء فتحيله طيناً لزجاً ربما ابتلعها وابتلع أحبابها.. فهذا الشتاء يكرم الجار غير المعتدي، وهذا الشتاء لايعرف إلا القصاص من قتلة الأطفال بلا أي مساومة وهذا الشتاء يسوس الناس في أنظمة حياتهم فيرشدهم إلي قيم الحق والخير والجمال وهذا الشتاء لم يضع له أحد كرسّيه حتي يهدده بسحبه منه وهذا الشتاء ليس في أصله أي قوانين للتوريث وإنما يقّدم فيه الأصلح وهذا الشتاء لايصّدق أن الرب قال لها اسرقي الأرض واقتلي الأطفال.. وهكذا حتي أيقنت الشمطاء أن هذا الشتاء سيكون دافئاً علي أهله برداً برياحه الطيبة وأنه سيكون راعدا مبرقا علي رأسها ورأس أمها الحنون وأحبابها.. فملأت الدنيا صياحاً وصراخاً وتحذيراً منه.. وبقي للشمطاء أمل واحد ذلك أن يعمل أحباؤها علي تخويف القوم.. فيحملهم الخوف علي الرفض ويحملهم الرفض إلي الاختلاف ويحملهم الاختلاف إلي الصراع.. فيذوب هذا الشتاء ولا يعود يخيفها بثلجه وثلوجه أبداً.. ولأمر.. لم يتحقق للشمطاء حلمها هذه المرّة.. وهي تعلم علم اليقين أن هذا الشتاء في أصله شتاء سلام وأنه شتاء يفرح المظلومين لا الظالمين.. ولكنها لم تيأس ولن تيأس.. ففي أصل عقيدتها أسطورة تقول أنها إذا أعادت بناء البيت الذي تهّدم فسيغفر لها الرب خطاياها.. وفي رحلة البحث عن هذه المغفرة الأبدية ستكون قد حملت معها كل الخطايا إلي الرب.