"أنتم الناس أيها الشعراء".. عنوان كتاب للكاتب أنيس منصور، وقد جمع فأوجز في وصفه؛ فالشعراء بالفعل هم خير من يُعبّر عن الناس، عن أحوالهم، حياتهم، معاناتهم، عن كل ما يشعرون ويمرون به. ولأن الشتاء من ضمن الفصول التي دائماً ما تثير الشجن لدى الأشخاص العاديين؛ فما بالك بالشعراء حينما يقرضون شعراً يصفون فيه البرد القارس، والأمطار المنهمرة، والتي دوماً تكون مُحمّلة بسيل من الذكريات. وبسبب ما تعيشه البلاد هذه الأيام من أجواء باردة، ارتأينا أن نُخرج ما بداخلنا من "شوية هوا" في صورة مقتطفات لكِبار الشعراء. ولنبدأ مع نزار قباني.. الشاعر السوري الذي امتطى جواد الشعر الحرّ في العصر الحديث: إذا أتى الشتاء.. وحرّكت رياحه ستائري أُحسّ يا صديقتي بحاجة إلى البكاء على ذراعيك.. على دفاتري.. إذا أتى الشتاء.. واغتال ما في الحقل من طيوب.. وخبأ النجوم في ردائه الكئيب يأتي إليّ الحزن من مغارة المساء يأتي كطفل شاحب غريب مبلل الخدين والرداء.. وأفتح الباب لهذا الزائر الحبيب أمنحه السرير والغطاء أمنحه جميع ما يشاء ****** ومع فاروق جويدة، الشاعر الرقيق صاحب الحس المرهف الراقي: شتاء قاتم الأنفاس يخنقني وأقدام بلون الليل تسحقني وليس لديّ أحباب ولا بيت ليؤويني من الطوفان وجئت إليك تحملني رياح الشك.. للإيمان ****** والشعر العمودي أيضاً كان له نصيب كبير كذلك، ولنا خير مثال في العبقري أبو القاسم الشابي، الشاعر التونسي المبدع عندما يقول: يجيء الشتاءُ, شتاء الضباب شتاء الثلوج, شتاء المطرْ فينطفئُ السِّحرُ, سحرُ الغصونِ وسحرُ الزهورِ, وسحرُ الثمرْ وسحرُ السماءِ, الشجيُّ, الوديعُ وسحرُ المروجِ, الشهيُّ, العطِرْ وتهوِي الغصونُ, وأوراقُها وأزهارُ عهدٍ حبيبٍ نضِرْ وتلهو بها الريحُ في كل وادٍ ويدفنُهَا السيلُ, أنَّى عبرْ ويفنى الجميعُ كحُلْمٍ بديعٍ تألّق في مهجةٍ واندثرْ ****** كما أن الرباعيات لم تُغفل هذا الفصل وصقيعه؛ فمع سيد الرباعيات العم جاهين؛ حيث يقول: نزل الشتا وقفل البيبان ع البيوت.. وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت.. وحاجات كتير بتموت في ليل الشتا.. لكن حاجات أكتر بترفض تموت ****** ويكمل سلسلة الرباعيات في العصر الحديث الرسّام وليد طاهر، وكأنه يريد أن يؤكد الفكرة قائلاً: والنبي يا شتا وحياة ولادك البرد والشبورة والضباب بلاش المرة دي لما تيجي تيجي وتجيب لي اكتئاب ****** ويجيء صلاح عبد الصبور، صاحب البصمة الخاصة في شعره الحر ليشدو قائلاً: يُنْبِئني شتاء هذا العام أن داخلي مرتجف برداً وأن قلبي ميت منذ الخريف قد ذوى حين ذوت أولُ أوراق الشجر ثم هوى حين هوت أول قطرة من المطر وأن كل ليلة باردة تزيده بُعدا في باطن الحجر وأن دفء الصيف إن أتى ليوقظه فلن يمد من خلال الثلج أذرعه حاملة وردا ****** والشعر العامي كان له نصيب الأسد كذلك، وليس أدلّ من قصيدة إبراهيم عبد الفتاح، التي غناها بصوته العذب علي الحجار: لما الشتا يدق البيبان لما تناديني الذكريات لما المطر يغسل شوارعنا القديمة والحارات ألقاني جايلك فوق شفايفي بسمتي كل الدروب التايهة تنده خطوتي كل الليالي اللي في قمرها قلبي بات مش جاي ألومك ع اللي فات ولاجاي أصحّي الذكريات لكني باحتاج لك ساعات لما الشتا يدق البيبان استمع للأغنية بصوت الفنان علي الحجار إضغط لمشاهدة الفيديو: