استيقظ المصريون هذا الأسبوع على واقعة مقتل طالب الهندسة بمحافظة السويس، على أيدى من وصفوا بالملتحين، إثر مشادة مع الشاب بسبب وقوفه مع خطيبته. ورغم وصول التحقيقات للجناة «محفظ قرآن وموظف ومجرم تائب»، لم يتوقف خوف الكثيرين من أن تكون مثل هذه الحوادث بداية لسلسلة من حوادث العنف التى ربما يعيشها المصريون خلال الفترة القادمة.
وأعلن المجلس القومى للمرأة و100 منظمة وحزب وشخصية عامة، مطالبتهم للرئيس محمد مرسى بمواجهة ما وصفوه فى بيانهم ، ب «خطاب التحريض ضد النساء»، ومحاولات التعدى على حقوقهن، وعلى التشريعات التى تخصهن، وأن تكون المواجهة بما يضمن أمن المرأة فى الشارع بجميع الوسائل، وتغليظ عقوبة انتهاكات حقوق النساء لفظيا، ومحاولات الاعتداء عليهن، تقديرا لكرامة المرأة وحقوقها التى كفلتها جميع الأديان والدساتير والقوانين والمعاهدات الدولية.
«المرأة هى التى أعطت لهؤلاء الفرصة، بأميتها الدينية والأبجدية والثقافية، واستجابتها واستسلامها لأى رأى، لأن الأمى ليست لديه الشخصية القوية، والتى تعرف قيمتها وما لها وما عليها»، هكذا حملت أستاذة الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر آمنة نصير، أعداداً كبيرة من النساء مسئولية ماوصل إليه حالهن.
وتكمل نصير: إذا أضفنا الفقر الذى يذل النفس، تكون قد اجتمعت الأخطاء الأربعة، التى سمحت لهؤلاء بالاستقواء ودخول البرلمان.
وتحذر نصير: إذا لم يقو القانون، فسندخل فى زعزعة فى المجتمع، وأتمنى من المساجد والمؤسسات الدينية وفى مقدمتها الأزهر، أن تأخذ دورها فى التوعية بصحيح الدين، الذى يجعل حماية النفس البشرية والأعراض والعقل والمال والنسل من الضروريات فى الإسلام، وهؤلاء ينتهكون حرمة الناس ويروعونهم، ولا يأمرون بخير ولا نفع.
«ليس لأحد حق الوصاية على شكل المرأة أو زيها، وليس من حق أحد أن يقيم من نفسه قوما على الشارع والناس»، تقولها آمنة نصير، مطالبة بتعلم أخلاقيات الخصوصية، وبأن يبتعد من تصفهم ب«الأنطاع» عن هذه السلوكيات، وكم هم مثقلون بالخطايا ما ظهر منها وما خفى، البلد ليست ملكا لفصيل دون آخر.. وتوجه آمنة حديثها إلى من يهمه الأمر قائلة: أعيدوا هيبة الدولة، وأصدروا من القوانين ما يردع هذا التخلف والتهور، الذى لن يسمح به الشعب المصرى، وكفانا اللعب بأوراق الدين، فرب العزة قال لنبيه صاحب الرسالة نفسه «وما عليك إلا البلاغ»، وقال «لست عليهم بمسيطر» وقال «أو أنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين».
∎كوبرى قصر النيل
«نفسى نقول الحقيقة من غير تضخيم»، قالها بعصبية عالم النفس السياسى بجامعة عين شمس قدرى حفنى، موجها حديثه لوسائل الإعلام، وإلى ممثلى بعض المنظمات النسائية والأحزاب الذين يشيعون الخوف من وصول الإسلاميين للحكم فى مصر، قائلا : من يرددون الحديث عن ظاهرة للتحرش بالنساء أو تقصد للنساء، عايزين يخربوا البلد.. ويهدأ انفعال الدكتور حفنى قليلا ليكمل: من يرددون هذا الكلام لايعرفون أنه يدفع السائحين إلى إلغاء حجزهم إلى مصر، مثلما ألغى الكثير من السائحين حجزهم لمصر عندما قال الشيخ صفوت حجازى: على القدس رايحين شهداء بالملايين، وهو نفس مايحدث عندما يقرأون عن «ظاهرة» التحرش بالنساء فى شوارع العاصمة، وهى وإن كانت حوادث فردية لا يوجد ما يثبت أنها ظاهرة، بحسب رأيه.
ويتساءل حفنى: لماذا لا تصور وسائل الإعلام وقوف البنت جنب الولد على كوبرى قصر النيل وغيره، وتركز على تضخيم الحوادث الفردية؟
ويستبعد حفنى أن تكون تجربة وصول الإسلاميين إلى الحكم فى مصر، مثل تجربة السودان، لأن الأقباط فى السودان متميزون جغرافيا فى الجنوب، أما فى مصر فيتواجدون فى جميع الأحياء.
ويوجه حديثه للقوى الليبرالية قائلا: من الأفضل أن تطالبوا بوضع معايير موضوعية لاختيار أعضاء لجنة كتابة الدستور، لتشمل الأعضاء أصحاب المواقف المساندة للمرأة، وأن تبدأوا بتنظيم أنفسكم للانتخابات القادمة، حتى لا تلوموا أصحاب الإسلام السياسى على تنظيمهم، واسألوا الناس لماذا انتخبتم الإسلاميين؟
∎مناخ العنف
ويتوقع عميد تربية طنطا الأسبق الدكتور محمد الطيب أن تشهد الفترة القادمة فى مصر أحداث عنف، بسبب المناخ الذى أفرزته انتخابات مجلسى الشعب والشورى ورئاسة الجمهورية، ونجاح الإخوان المسلمين فى القفز على الثورة، وعدم سماعهم لصوت الآخرين، على اعتبار أن رأيهم هو الرأى الصحيح الوحيد، بحسب رأيه.
ويدلل الطيب على رأيه ببعض حوادث التشدد والعنف التى تمارسها بعض الجماعات فى الشارع المصرى، ولمسها بنفسه خلال الفترة السابقة، مثل أن يسأل شاب لمجرد أنه يدخن سيجارة فى الشارع أو فى سيارته أنت مسلم أم مسيحى، وبعض الشباب بدأوا فى رفع أطباق «الدش» من على المنازل، على اعتبار أنها تجلب المفسدة.
وإن كان الطيب لا يؤكد على العلاقة المباشرة بين الإخوان وبين مرتكبى هذه الحوادث، فهو يؤكد على أن مناخ وصولهم للسلطة، سيسمح لجماعات أخرى وأشخاص مندسين بارتكاب مثلها.
∎المناخ الطالبانى
«أكيد ستتكرر حوادث العنف، خاصة ضد النساء»، هكذا تؤكد الكاتبة ورئيس ملتقى الهيئات لتنمية المرأة فريدة النقاش، ردا على حادث مقتل طالب الهندسة بالسويس.
وتفسر تأكيدها برواج أفكار معادية للمسيحيين وللمرأة وللفن وللموسيقى وللحق فى التعبير، فى ظل نفوذ الإسلاميين وتصدرهم للسلطة التنفيذية، ولمجلسى الشعب والشورى وتطلعهم للحصول على المحليات، وهو ما تسميه فريدة المناخ الطالبانى، نسبة إلى طالبان فى أفغانستان.
رغم أن الإخوان سيقولون ليس لنا علاقة بهذه الحوادث، لكن وجودهم هو بيئة ملائمة لوجودها، تكمل فريدة داعية كل القوى الديمقراطية بتوحيد جهودها والمبادرة فى كل الميادين خاصة فى حقوق النساء ، قائلة: الهجوم خير وسيلة للدفاع.
وتضرب فريدة المثل بما حدث خلال وصول الإسلاميين إلى السلطة فى السودان وباكستان وفى غيرهما، لتدلل على أن قضايا النساء ستكون محور الصراع خلال المرحلة القادمة فى مصر، من خلال ترويج مجموعة من الأفكار القديمة، تجمعها فريدة تحت عنوان «الخوف من المرأة»، بما يشمله من الخوف من خصوبتها وقوتها، خاصة مع تقدم الكثير من النساء واختراقهن للكثير من المواقع المهمة، ليصبحن فى مقدمة الصفوف، مما يخيف بعض الرجال.. هؤلاء الرجال فى رأى فريدة سيستخدمون بعض النصوص الدينية، كسند لهم فى محاولة لإعادة النساء لعصر الجوارى، وليس من قبيل المصادفة أن يذكر أحد شيوخهم بالنص «علينا إعادة النساء لعصر الجوارى»، مشيرة إلى أن الخوف من المرأة سيتجلى فى القضايا الثلاثة التى تشغل بال الإسلام السياسى «الجنس والمال والطعام».
تدلل فريدة أيضا على ذلك بما طالب به بعض أعضاء حزب النور، تطلعا للدولة الدينية، بالمطالبة بالنص على «تطبيق الشريعة الاسلامية» فى الدستور، بدلا من «تطبيق مبادئ الشريعة الاسلامية» كما هى الآن، والتى تتفق عليها كل الأديان وتتفق مع المواثيق الدولية، لنجد أنفسنا إزاء فرض النقاب على النساء، وتقطيع الأيدى والأرجل فى تطبيق حدود السرقة وغيرها.
∎جيش التنويريين
أرى عكس ما قاله الشاعر التركى العظيم ناظم حكمت عندما قال «أجمل الأيام لم نعشها بعد، لأقول أن أسوأ الأيام لم نعشها بعد»، هكذا تنطلق الكاتبة وعضو مؤسسة المرأة الجديدة بهيجة حسين، فى رؤيتها لقادم الأيام.. تعود بهيجة لأيام ما قبل الثورة، لتؤكد أن التيار الإسلامى تغلغل فى ثقافة المجتمع المصرى، مستهدفا النساء، ومكن هذا التيار من خلال استهدافه للضعفاء لأكثر من 03 عاما، ومنهم الفقراء والنساء.
تؤكد بهيجة هذه العلاقة بتصريحات وزير الداخلية محمد إبراهيم، التى نفى فيها انتماء قتلة شاب السويس لأى تيار دينى، قبل اكتمال التحقيقات، وأكد أيضا أن الجناة وجدوا الشاب والفتاة فى وضع مخل وهو ما تناقض مع أقوال الشهود، وأن القتلة ملتزمون مثل جميع المصريين، وهو مافعله أيضا مدير أمن السويس، الذى قال أن القتلة حذروا الشاب حين وجدوه فى وضع مخل، وبدلا من أن يعتذر لهم اعتدى عليهم.. بالإضافة إلى احتجاز الفتاة التى ضبطت مع النائب السلفى فى طريق طوخ، وهو حر طليق لأنه رجل، فى حين أنها فى جميع الأحوال معتدى عليها.. ومع هذا تتفاءل بهيجة مؤكدة: أن الشعب المصرى لن يسمح بتقسيم مصر ولا قهر نسائها وفقرائها، وإذا كانت المعركة طويلة، فتاريخ مصر التنويرى يكفى لمقاومة من استغلوا الدين مع شعب متدين، واستغلوا فقره أيضا، ليدافع جيش التنويريين عن مدنية الدولة، مؤكدة أن الصمت عن الوقائع الفردية سيحولها إلى ظواهر.
∎ سياسة التوجيه الدينى
«لست ضد تيار الإسلام السياسى ، لكن لا شىء يعلو فوق القانون، وليس من حق أحد التدخل فى السلوك الشخصى لآخر»، هكذا تأخذ الكلمة عميدة كلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان إقبال السمالوطى.. وتطالب إقبال الرئيس مرسى بأن يضرب بعنف من يخترق الحقوق الشخصية، وأن يعلن سياسة التوجيه الدينى، وماهى آلياته فى هذا الصدد، خاصة أن العالم كله يعود إلى دور الأسرة والأديان فى التنشئة، لكن من خلال إعلاء القيم والسلوكيات السامية، والمعاملة الحسنة.