وقفات احتجاجية.. ومجموعات على الفيس بوك.. وجمعيات جديدة تحمل أسماء (منقذى الأسرة، والمدافعين عن حقوق الرجال، وآباء الرؤية) وغيرها.. كلها تحاول الآن أن تقود المجتمع إلى التراجع عن القوانين التى أفادت الكثير من الاسر ووفرت الأمان للأطفال، وأعادت الكثير من الحقوق لأصحابها. وتحاول هذه المجموعات الاستقواء بالجماعات المتشددة التى صعدت إلى المشهد السياسى والاجتماعى فى مصر بعد ثورة 25 يناير، محاولين الربط بين هذه الحقوق وأشخاص من النظام السابق، لتحقيق مصالح شخصية على حساب الضعفاء الذين ناضلوا من أجل نيل هذه الحقوق، فهل تضيّع الثورة حقوق النساء؟ ترجع د. إقبال السمالوطى عميدة كلية الخدمة الاجتماعية ورئيس جمعية حواء المستقبل هذا المناخ المعادى لبعض المكتسبات التى حصلت عليها المرأة والطفل خلال السنوات الماضية إلى شعور عام بعد الثورة برفض كل ما ارتبط بالنظام السابق، دون النظر إليه بموضوعية وهو مأخذ فى منهجية التفكير، وإن كان يحدث خلال مرحلة مابعد الثورات اهتزاز فى القيم. وتأخذ السمالوطى على متخذى القرار الآن أن معظم القرارات سياسية لإرضاء فئة معينة أو للتهدئة، وليست قرارات مبنية على دراسات ورؤية علمية، ، متسائلة : أين المراة فى أى تمثيل قيادى بعد الثورة، ولماذا تعتبر حكومة الثورة موضوعات المرأة أمورا ثانوية، معتبرة أن هذا الموقف يمكن أن يضيع حقوق النساء، التى ناضلن من أجلها قبل ثورة 1919، والكثير منها نادت به سوزان مبارك والمجلس القومى للمرأة بعد سنوات من مطالبة النساء به، مطالبة الأصوات التى تدعو إلى تغيير قوانين الأسرة بالاعتماد على دراسات تقييم أثرها. نضال طويل وتقول بهيجة حسين عضو مجلس إدارة المؤسسة المصرية للحق فى التنمية : المرأة هى التى فجرت ثورة يناير ومهدت الأرض التى أنبتتها فقبل مقتل خالد سعيد كان اعتداء الأمن على الصحفيات أمام نقابة الصحفيين فى 25 مايو 2005 يوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وكن أول من طالبنا بإقالة حبيب العادلى بعد أن تجسدت وقاحة هذه البلطجة فى مقتل الصحفية نوال على ،ووقفت المنظمات الحقوقية والنسائية ضد استخدام النساء كرهائن فى القضايا السياسية، ضاربة المثل بموقف عاملات الشركة المصرية للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى فى تنظيم الإضراب الذى شهدته مصر عام 2006 ثم دور موظفات الضرائب العقارية اللاتى اعتصمن مع زملائهن فى الشارع، وأيضا موقف النساء فى الدفاع عن أرضهن عند تطبيق قانون العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأراضى الزراعية، وسقطت فى المعركة شهيدات بينهن الشهيدة نفيسة المراكبى دفاعا عن أرضهن ''عرضهن'' خلال السنوات الخمس الأخيرة. وتعود بهيجة إلى المعركة الكبرى التى خاضتها النساء والمنظمات الحقوقية دفاعا عن حق المرأة فى اعتلاء منصة القضاء كما لم تكن النساء بعيدات عن ميدان التحرير خلال ثورة يناير، فتيات وممرضات ونساء وشعبيات دافعن عن الميدان والثورة ضد البلطجة وضد غارات فلول الحزب الوطنى والأمن وسقطت الشهيدات ،لكن خرجت من الجحور قوى تريد أن تعيد النساء وتعيد عقارب الساعة للخلف والمطلوب مواجهتها بالفكر والثبات على الموقف. وتتحفظ بهيجة على خلو لجنة التعديلات الدستورية من النساء وكأنه إقصاء متعمد وتبدى أيضا استبعادًا رسميًا للنساء من التشكيل الوزارى الذى يرأسة عصام شرف القادم من قلب الميدان، والذى يأتى متواكبا مع هجوم السلفية والبلطجية على النساء فى الاحتفال بيوم المرأة العالمى الموافق 8 مارس بميدان التحرير دون أن تقدم الدولة أى حماية لهن مما أتاح الفرصة لقوى التخلف أن تنطلق، فى بداية المظاهرات التى انطلقت من أمام مسجد النور ومجلس الوزراء والكتدرائية تطالب بكاميليا ، ليست المرأة التى من حقها أن تعتنق ما تشاء، بل الجارية المخطوفة التى لابد أن يكون عليها وصى، ثم يعود الحديث عن قانون الجنسية الذى لم يكن لسوزان مبارك يد فيه بل هو حصيلة نضالات كثيرة لمنظمات المجتمع المدنى والنساء والأطفال الذين لم يعرفوا لهم بلدا سوى مصر وهو حق تمنحة أغلب الدول لمواطنيه. نبيل عبد الفتاح وتساءلت بهيجة أين كانت سوزان مبارك وقضية (أريد حلا) تفجر المجتمع وتطرح الأسئلة الجارحة التى تصرخ بها النساء وأين هى من (الخلع) الذى أقرته الشريعة الإسلامية، محملة الحكومة المسئولية عن حالة الردة تجاه قضايا المرأة والأسرة بصمتها وبتهميشها للنساء، موضحة أن معظم هذه القوانين وقعت عليها مصر فى اتفاقات دولية، ونوقشت فى مجلس الشعب وفى المؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية ،وطرحت على المجتمع وأصحاب المصلحة حتى أقرت. تعديلات دستورية دون نساء ويتوقف الدكتور نبيل عبد الفتاح المتخصص فى شئون الجماعات الدينية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ومدير مركز تاريخ الأهرام، عند عدم ورود أى إشارات لحقوق المرأة المصرية الدستورية فى الإعلان الدستورى الأخير، مؤكدا أن هذا لا يعنى أن هذه الحقوق يمكن إغفالها أثناء المرحلة الانتقالية التى تعيشها مصر، لأن هذه الحقوق من المبادئ الدستورية العامة، التى لا يمكن التخلى عنها استنادا للتقاليد الدستورية فى البلد المعنى هنا وهو مصر، وإلى المبادئ الدستورية المقارنة فى منظومة حقوق الإنسان العالمية، وعدم إعمالها يسىء إلى النخب المصرية خلال هذه المرحلة الانتقالية من تاريخ مصر. ويؤكد نبيل أن الدولة المصرية كانت أكثر تقدما من النخب السياسية التى كانت متشددة فى الغالب تجاه قضايا حقوق المرأة والطفل، لكن الدولة استغلت المجلس القومى للمرأة والمجلس القومى للطفولة والأمومة للعب دور فى استيعاب أموال المنظمات المحلية والدولية التى تدعم قضايا المرأة والطفل ، لينفق الكثير منها فى أشكال استعراضية، لتحسين صورة النخبة الحاكمة إعلاميا وسياسيا. سهام نجم وطالب الدكتور نبيل عبد الفتاح المجلس العسكرى وحكومة عصام شرف بايلاء اهتمام أكبر لقضايا المرأة والطفل، وعدم الاستجابة لضغوط سياسية ودينية من جماعة الإخوان المسلمين أو الجماعات الراديكالية والجماعة السلفية وجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية وبعض علماء الأزهر وبعض من ينتمون للحزب الوطنى - الذى صدر قرار من المحكمة الإدارية العليا بحله - الذين يحاولون استغلال سقوط نظام مبارك، ليربطوا بين اتفاقيات القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل وبين الميراث السياسى للرئيس السابق وزوجته، بهدف تعبئة الرأى العام لانتهاك الحقوق الدستورية والقانونية للطفل وللمرأة المصرية.. ويلفت نبيل إلى أن أغلب الاتجاهات السائدة فى الحركة السياسية وفى الشارع المصرى الآن تقف موقفا شديد التقليدية والمحافظة تجاه حقوق المرأة والطفل، لأنهم لا يريدون للمرأة أن تلعب دورا فعالا فى وطنها، ويرونها كأننا درجة ثانية، ويرون الطفل كيانًا معالاً، متناسين أن الأطفال كانوا طرفا من أطراف الثورة المعلوماتية. ويكمل : على الحكومة والمجلس العسكرى مواجهة هذه المحاولات بشكل حاسم خلال هذه المرحلة الانتقالية، تفاديا لتشويه صورة مصر دوليا، لأن توقيع مصر ومصادقتها على هذه الاتفاقيات يحتم عليها أن تحترمها وأن تكون هذه الاتفاقيات جزءًا من قانونها الداخلى. وحمّل نبيل نشطاء الحركة النسائية - الجندرية - فى مصر مسئولية تعبئة الرأى العام فى مصر وخارجها، وقطاعات النساء من داخل مصر وخارجها، وشباب الثورة التى لعبت فيها المرأة دورا أكبر مما لعبته الحركات السلفية التى حاول بعضها انتهاك هذه الحقوق، التى وردت فى القيم والتقاليد الإسلامية، وأن يستخدم ''الفيس بوك'' وجميع الطرق الممكنة للوصول إلى الرأى العام، ليساند أيضا حقوق الأطفال التى اكتسبوها خلال السنوات الماضية، حتى لا تنتهك، وإبراز الدور الذى لعبه الكثير من الأطفال مع أسرهم خلال أيام الثورة ببسالة، وشاركهم فى هذا الكثير من أطفال الشوارع فى الكثير من المدن المصرية، فى الوقت الذى جلس فيه الكثير من الكبار فى البيوت. تطهير المجالس وتقول الدكتورة آمنة نصير أستاذة الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر ليس من العقل أن ننقلب على أى منجز تم خلال الفترة السابقة خاصة ما يتعلق بالمرأة والطفل، بل إن النقد البناء يقتضى أن نأخذ ما ينفعنا ونترك ما يضرنا، فلا نلقى بقانون الطفل أو بعض المساندات التى حصلت عليها المرأة فى مزبلة التاريخ لأننا نعيش فى فترة غضب من النظام السابق. وحمَّلت الدكتورة آمنة الأطفال والنساء اللائى انتفعن من هذه الحقوق مسئولية الدفاع عنها، بمساعدة الإصلاحيين ليظهروا حقيقة هذه المساندات لما تحققه من مصلحة للأسرة. د جابر عصفور وتؤيد الكاتبة وعضو المجلس القومى للمرأة أمينة شفيق الإبقاء على المجلس الذى أنشئ عام 2000 بعد أن اتفق المجتمع الدولى على إنشاء هذه الكيانات فى كل الدول منذ مؤتمر بكين 1995 كآلية تضع قضايا المرأة كلها (كالتعليم والصحة وفرص العمل وغيرها) على جدول أعمال الحكومة، وتدرس هذه القضايا وتقترح سياسات الحل بالتعاون مع أجهزة الدولة باعتبار أن المجلس مؤسسة حكومية، وفى الوقت نفسه إفساح المجال لمنظمات المجتمع المدنى للعمل فى هذه المجالات بما ينعكس أيضا على سياسات الحكومة. تحرك نسائى «مكتسبات المرأة لن يحافظ عليها سوى المرأة» بهذه العبارة يؤكد الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق والذى شغل منصب مقرر لجنة الثقافة بالمجلس القومى للمرأة لفترة طويلة، على أن مكتسبات المرأة ليست منحة من أحد أو من نظام، بل إنها ثمار كفاح طويل للمرأة المصرية التى خرجت فى ثورة 1919 تماما كما خرجت فى ميدان التحرير بجانب الشباب لتخلص مصر من النظام السابق، لتنال مصر حقها من الحياة الحرة الكريمة، وعليها الآن أن تقف أمام التيار الرجعى الذى يحاول الانتقاص من حقوقها. مارى اسعد وحدد عصفور الوسيلة من خلال أن تتجمع المجموعات النسائية فى ائتلاف ضخم ويتوجهن لرئيس مجلس الوزراء عصام شرف لإثبات هذه الحقوق التى يكفلها الشرع بالنسبة للنساء والأطفال، والتأكيد عليها، على غرار ما فعله أصحاب الحقوق المهدرة خلال الفترة الماضية ،باعتبار أن هذه الحقوق لصالح الشعب المصرى كله، ولا يمكن أن تمس. وباعتبار أنه كان عضوا بالمجلس القومى للمرأة قال عصفور لصباح الخير : كان لدى تحفظات على عمل المجلس خلال المرحلة السابقة، وكنت أعتذر عن الحضور والمشاركة كنوع من الاحتجاج السلبى، واصفا الإعلانات التى نشرها المجلس مؤخرا بالصحف معلنا عن نفسه وكأنه يتبرأ من تهم تلقى عليه بأنها جانبها الصواب. واعتبر عصفور أن ما يهدد حقوق المرأة الآن هو تهديد أجوف، داعيا إلى الابقاء على آليتى المجلس القومى للمرأة والمجلس القومى للطفولة والأمومة، لأن لهما وظيفة وهما ليسا الحزب الوطنى، ويمكن تطهيرهما وإعادة تشكيلهما من أول منصب الأمين العام وحتى أصغر عضوة من عضوات اللجان، وإصلاح أوضاعهما على غرار ماحدث فى المجلس القومى لحقوق الإنسان، لتكون أكثر تجانسا مع أهداف الزمن الجميل الذى نريده الآن، بحيث يتم اختيارهم من بين الشخصيات المشهود لها بالاحترام والوجوه الجديدة، للحفاظ على حقوق ومكتسبات المرأة والطفل والعلاقات الدولية فى هذا المجال. العلم سلاح الحقيقة بينما تنصح مارى أسعد التى ارتبط اسمها مع تأسيس قوة العمل الوطنية لمناهضة ختان الإناث منذ الخمسينيات من القرن الماضى مع الرائدة عزيزة حسين، بالعودة لتاريخ نضال المرأة والمجتمع المدنى منذ عشرينات القرن الماضى، وإن لم تنف استفادة قضايا المرأة من نفوذ شخصيات النظام السابق من أجل الوصول بقضايا المرأة والطفل إلى جميع الناس، واصفة ما يحدث الآن تجاه هذه القضايا بالردة الحضارية، التى تتكرر من فترة إلى أخرى، لأن المجتمع الأبوى بحسب وصفها متغلغل فى وجدان المجتمع المصرى، ليس فقط بين رجاله، ولكن أيضا بين الكثير من نسائه، اللاتى يكرر بعضهن نفس الحديث عن الأجندات الأجنبية، ناسيات أن هذه المفاهيم أضحت مكتسبات عالمية. الفرصة الذهبية وتقول سهام نجم رئيس مجلس إدارة جمعية المرأة والمجتمع إن شعارات الثورة (الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية) مبنية على إلغاء جميع أشكال التمييز بين أى مواطن وآخر سواء على أساس النوع أو الديانة أو الغنى والفقر، ولدى النساء الآن فرصة ذهبية لإرساء قيم إنسانية قوية لخلق مجتمع يؤمن بعدم التمييز، وبالعدل والمساواة وعدم التهميش أو الإقصاء لأى إنسان، من خلال إصرارهن على المشاركة فى الحوار الوطنى الدائر الآن، لوضع عقد اجتماعى جديد بين المواطنين والدولة، يتبلور بعد ذلك فى الدستور الجديد.