فى كتابها (مرشد المحتجين والثوار) للكاتبة الأسترالية آيدان ريكتس تؤكد على أن الحركات الاجتماعية والسياسية تشبه نظام المناعة فى الجسد حيث يتحرك النشطاء فى مواجهة مواطن الخلل الوظيفى والظلم والسلبية والحرمان واليأس والتخلف بهدف المقاومة والإصلاح.. والكتاب ترجمته إلى العربية د.فاطمة نصر.
∎ الديمقراطية ممارسة يومية وتقدم ريكتس لكتابها بقولها : (كناشطة ساعدتنى مشاركتى فى الحملات على اتساع نظرتى إلى العالم ، وبدلا من التركيز على قضية بعينها أصبحت أهتم بعملية التغيير الاجتماعى بل والديمقراطية التشاركية ذاتها، وبالتالى انصب حماسى على تطوير وسائل إرشاد النشطاء الآخرين والمناصرين لقضايا التغيير الاجتماعى ومساعدتهم على تنمية بصيرة أكثر نفاذا حيث يعمل الإسهام فى حركات التغيير الاجتماعى وفى مختلف الحملات على تغيير وضع الأفراد من رعايا إلى مواطنين ثم إلى نشطاء وثوار فاعلين يأتون بالتغيير) ومن الأفكار المهمة التى طرحتها ريكتس :
إن استخدام مصطلح الديمقراطية كما تراه يتخطى مجرد وصف نظام الحكم أو الترتيبات المؤسسية لانتخاب أعضاء البرلمان ليصف مدى واسعا من ممارسات مجموعة من الأهالى التى تؤثر فى المجتمع ككل.
وإن كنت أختلف معها حول حصر هذه الممارسة أو قصرها على مجموعة من الأهالى وأرى أن الديمقراطية هى ممارسة يومية غير مقصورة على مجموعة بعينها، ولكن نوعية هذه الممارسة هى التى تؤثر فى المجتمع ككل، وهو ما عادت ريكتس إلى تداركه، فقالت عن الممارسة الديمقراطية بأنها أية أفعال يقوم بها الأفراد أو المجموعات من أجل إحداث التغيير فى المجتمع أو توجيه الأسلوب الذى يعمل به مع التمييز بين الممارسة الديمقراطية وبين الأفعال التى يقصد بها التأثير فى مجريات الأمور من أجل مصلحة ذاتية ضيقة، ويتمحور الكتاب حول الحملات ذات العلاقة بالمصلحة العامة لا تلك التى تمارس الضغوط من أجل المصلحة الخاصة.
وسائل التغيير
وترى ريكتس : (أن الديمقراطية الحقة لا تعنى الذهاب إلى صناديق الاقتراع مرة كل ثلاثة أو أربعة أعوام بل هى نظام ثقافى سياسى تشاركى يزدهر باستمرار ومن ثم تأتى أهمية مشاركة المواطنين فى تسيير شئونهم وتغيير عالمهم).
وتضرب ريكتس مثالا على ذلك فتقول : إن ما يحفز ردود الأفعال العامة التى تستدعى المشاركة الفاعلة من أجل المصلحة العامة : هو إجراءات الحكومة وقراراتها أو عدم اتخاذها أية إجراءات وقرارات فعلى سبيل المثال أدى التنامى الهائل فى سلطة الشركات (الكوربوريشنات) على مدى الخمسين سنة الأخيرة إلى جعلها تمارس أعظم الأثر على حياة الأفراد والأهالى حيث لا يتم فرض المحاسبة والمساءلة عليها وحينذاك يواجه النشطاء التحديات لاسيما إذا كانت المخالفات التى ترتكبها تلك الشركات (شركات الاتصالات مثلا) تدر أرباحا هائلة هنا تصبح فرصة المساءلة جد محدودة. ومن هنا تستعرض ريكتس فعاليات التغيير مثل : كتابة عامة الناس خطابات إلى الصحف، إلى عقد الاجتماعات والاتصال بالهيئات المحلية مثل جمعيات المحافظة على حقوق المستهلكين وغيرها من الوسائل.
العنف واللا عنف
ثم تقوم ريكتس بتعريف الحركات الاجتماعية / السياسية بصفتها أنشطة جمعية يتم من خلالها تبنى عامة الناس وتعليمهم وحشدهم من أجل تحدى من يقبضون على مقاليد السلطة فى المجتمع ومعالجة المشاكل والمظالم الاجتماعية والفساد السياسى واستعادة القيم الحاسمة إن أمكن وأوضحت ريكتس أن الكتاب معنى بالأساس بالحركات والحملات اللا عنيفة التى تشن من أجل تحقيق المصلحة العامة، الأمر الذى يقتضى الالتزام بإقامة قاعدة دعم عامة قوية ومتسعة مع الإبقاء على اللا عنف كقيمة جوهرية تتمسك بها هذه المجموعات.
ولكن ريكتس لا تلبث أن تنقض تأكيدها على اللاعنف فتنصح برسم خريطة للحلفاء والأعداء أولئك الذين لا يدعمونك وكذلك الذين بوسعهم تقديم العون فتقول : (على الرغم مما تعرفه عن وجود كثير من الداعمين الفعليين والداعمين المحتملين لحملتك فقد يوجد بين صفوف من تفترض أنهم أعداؤك أعضاء المجالس المحلية والبرلمان والهيئات الحكومية) من هم على استعداد للتعاون معك أحيانا، ومن ثم فمن المجدى وضع خريطة قابلة للتعديل بالداعمين والأعداء المحتملين ، ولك فى هذا الاستعانة بالخبرات السابقة للتعرف على مختلف الشبكات الموجودة ومدى فاعليتها بحيث تقوم بكتابة قائمة بالأصدقاء وتقابلها قائمة بأعدائك المفترضين، ويمكنك كتابة القائمتين على الكمبيوتر بأسلوب قابل للتغيير والتعديل) !!.
وفى رأيى أن هذا هو أول خطوة فى طريق العنف، حيث اعتبار المختلفين فى الرأى أو فى الممارسة هم أعداء ! ، بل إن فكرة إعداد قوائم بالحلفاء والأعداء تفسح مجالا للبغض والكراهية بين أفراد المجتمع أو جماعاته ، بل وتحث الحركات الاجتماعية / السياسية على إعداد قوائم هى فى الحقيقة (قوائم سوداء) قابلة للتعديل وإضافة آخرين إليها وهو أسوأ ما يمكن أن تقترفه حركات اجتماعية أو سياسية !
ففى العديد من تجارب التحول الديمقراطى فى أوروبا الشرقية على سبيل المثال أثمر الحوار المجتمعى بين الحكومة ورجال الأعمال والنقابات العمالية فى تحقيق القبول العام لبعض السياسات الاقتصادية التى تبنتها الحكومة - كما تقول نادين عبدالله فى بحثها (فهم وتطوير حركات الاحتجاج الاجتماعى - رؤية اجتماعية وسياسية)0 وأشارت إلى (ضرورة العمل على تغيير تراث الشك وغياب المصداقية بين حركات الاحتجاج الاجتماعى والقوى السياسية من جهة أخرى بل والعمل على تغيير الصورة الذهنية النمطية التى يتعامل بناء عليها الفاعلون السياسيون مع حركات الاحتجاج الاجتماعى، بل إن الحوار التفاعلى بين قيادات حركات الاحتجاج الاجتماعى من شأنه تطوير نوعية قيادة هذه الحركات ودفع القيادات إلى تطوير العمل التفاوضى).
وأعتقد أن الحوار التفاعلى بين أطياف المجتمع هو الأفضل ، وهو الذى يضمن التغيير وليس كتابة خرائط الحلفاء والأعداء كما اقترحت ريكتس!
الإضرار بالممتلكات :
وتحت عنوان ( الحد الأدنى الضرورى من الإضرار بالممتلكات تقول ريكتس) : (إن دعاة اللا عنف يرون وجوب تحاشى الإضرار بالممتلكات بشكل مطلق بينما يقبل نشطاء آخرون الحد الأدنى من الإضرار كجزء من استراتيجية الاحتجاجات السلمية بحيث يتم تحاشى التدمير العشوائى مع السماح بمساحة من حرية الحركة التكتيكية والاستراتيجية فى آن) ويشمل هذا كما تقول : (قطع الطرق ، والاعتصامات والكتابة على الجدران وغير ذلك من الأضرار الثانوية التى تلحق بالممتلكات من أجل تحقيق الفاعلية) ثم تؤكد ريكتس : (أن الجمهور بعامة يتقبل الحد الأدنى من الأضرار ، بل إنه لدى نجاح أهداف تلك الحملات يتنامى دعم الجماهير للناشطين) ، وأرى أن دعوة (ريكتس) أو اقتناعها بالضرورى من الإضرار يناقض دعوتها بالالتزام باللا عنف ، وإلحاق الضرر بالممتلكات العامة أو الخاصة لا يعد من الأضرار الثانوية التى يمكن احتمالها بل هو انتهاك جسيم لثروات الشعوب وهى بالطبع تتكون من الملكيات العامة والخاصة وسياسة الإضرار علاوة على ما تسببه من خسائر مادية فهى تثير غضب الناس وتنتقص من دعم الجماهير للناشطين أو الحركات الاجتماعية أو السياسية التى تقوم بذلك.
قطع الطرق !
أما قطع الطريق الذى اعتبرته (ريكتس) أيضا من الأضرار الثانوية وبررته بتحقيق فاعلية حملات الحركات السياسية والاجتماعية وتحمست له المترجمة أيضا فقد يشكل بالفعل ورقة ضغط تلفت الأنظار إلى مطالب هذه الحملات ، ولكنه فى نفس الوقت يتسبب فى الإضرار بمصالح الناس ويكبد الاقتصاد الوطنى خسائر فادحة ومنها ما أصاب مرفقا حيويا مثل السكك الحديدية من خسائر، وما حدث فى قطاع السياحة من أضرار بسبب قطع الطرق.
وفى رأيى أن المطلوب هو العمل على تغيير الصورة الذهنية والنمطية التى يتعامل بها الفاعلون السياسيون مع حركات الاحتجاج الاجتماعى والإنصات إليها حتى لا تلجأ إلى قطع الطرق، وأشير إلى دراسة نادين عبدالله (فهم وتطوير حركات الاحتجاج الاجتماعى) والتى تقول فيها إن الفاعلين السياسيين يتعاملون مع حركات الاحتجاج الاجتماعى على أساس أنهم أصحاب مطالب فئوية على الرغم من أن تحقيق مطالب هذه الحركات هو مطلب أساسى من المطالب التى رفعت خلال الثورة وهو مطلب العدالة الاجتماعية).
الترجمة والنص الأصلى
وما ذكرته ريكتس من اقتراحات لتفعيل الاحتجاجات مثل : (قطع الطرق ، والحد الأدنى من الإضرار بالممتلكات وقوائم أو خرائط الأصدقاء والأعداء) وهى ممارسات لا تتناسب مع مجتمعاتنا ورغم ذلك فقد جاء عنوان الكتاب المترجم مشفوعا بعنوان فرعى وهو (مع تطبيقات خاصة من (سطور) - أى دار النشر- على الحالة المصرية).
ثم جاءت ترجمة د. فاطمة نصر (وهى رئيس مجلس إدارة دار سطور) وقد اختلط متن النص الأصلى للكتاب ورؤية ريكتس مؤلفة الكتاب وما تراه المترجمة أو دار النشر من تطبيقات على الحالة المصرية.
مما كان من شأنه اختلاط الرؤى فلا يمكن للقارئ التعرف على كلام المؤلفة وكلام المترجمة إلا بعد جهد جهيد ، وخاصة أن ريكتس قد تناولت أيضا الثورة المصرية عندما تحدثت عن استخدام الأدوات التكنولوجية وإسهامها فى نجاح الثورة المصرية، وحين تحدثت عن الحملات الرقمية التى حققت نجاحا ملحوظا فى مجال المقاومة الشعبية ببلدان شرق أوروبا والصين وتونس ومصر.
وكان من الضرورى أن تلتزم المترجمة بالنص الأصلى للكتاب ثم تلحقه بما شاءت من تعليقات وتطبيقات فى فصل خاص لرأيها أو رأى الدار حتى يعرف القارئ ما للمؤلفة وما للمترجمة من آراء بشكل واضح ودقيق، وأن يتم عرض النص الأصلى على القارئ دون التدخل فيه.
التغيير الإيجابى
ولكن الجانب المضىء من الكتاب هو ما قدمه من حض على التصرف بإيجابية ونبذ السلبية والدعوة إلى الارتباط بالحياة والاشتغال بشئونها، حيث يكون الشعور بالرضا والسعادة نتيجة المساعدة فى إحداث التغيير الإيجابى فتقول ريكتس : (لا يؤدى العمل على إحداث تغيير إلى مجرد التأثير فى العالم من حولنا بل أيضا إلى تحولات شخصية وروحية عميقة فى الشخصية لأن اتخاذ موقف من أى مشكلة أو قضية والتغلب على ثقافة الفشل والإيمان بقدرة الحركات الاجتماعية والسياسية على إحداث التغيير هو الذى يحقق التغيير بالفعل).
وسائل التعبير عن الاحتجاج
وتحدثت ريكتس عن وسائل التعبير عن الاحتجاج مثل الاجتماعات، واستطلاعات الرأى، والإضرابات، والمظاهرات، والاعتصامات، والتقاضى أى رفع الدعاوى القضائية لتعزيز التغيير وهو ما تطلق عليه التقاضى الاستراتيجى كوسيلة من وسائل تحقيق النجاح للحملات التى تستهدف الصالح العام، وتضيف أن هذه الدعاوى قد يتعهد برفعها فرد واحد نيابة عن مجموعة كما أنها قد تأخذ شكل الطعن القضائى فى القوانين المعمول بها إلا أنها تؤكد ضرورة حصول الناشطين الساعين للتغيير على الاستشارات المناسبة واختيار المحامين الأكفاء والمخلصين، وأشارت إلى إيجاد مصادر للتمويل لدعم الحملات من مصادر لا تحيطها الشبهات.
فاعليات الأون لاين
وتأتى الفاعليات الرقمية فى مقدمة وسائل تفعيل الحملات كما تقول ريكتس ولكنها تشير إلى ما نشرته صحيفة الجارديان بتاريخ 12 أغسطس 2010 حول الفاعليات الرقمية فتقول: تصبح المشاركة السياسية مجرد ضغط على عدة أزرار لبعض الموصلات وبذلك يدعم وهم أن الإبحار فى المواقع الإليكترونية يمكن أن يغير العالم ويعتبر هذا نشاطا بقدر ما تعتبر أطعمة ماكدونالدز وجبات مغذية فعلى الرغم من أنها تبدو كأطعمة إلا أنها غير مغذية بل ضارة، وللأسف فإن تلك الأنشطة تنافس المنظمات المحلية الشرعية التى تمثل صوت الأهالى الحق.
وتضيف ريكتس: إن نسبة كبيرة من فعاليات الأون لاين على مختلف المواقع لا تترجم إلى أفعال سياسية مؤثرة ولا تؤدى إلى نتائج على أرض الواقع، وعلى الرغم من نجاح بعض حملات فيس بوك فإن الأغلبية الساحقة منها تظل حملات وهمية غير مؤثرة فى من بيدهم مقاليد الأمور لأنها لا تحمل دعم الشارع ولا تترجم إلى نتائج على أرض الواقع فيما يشعر الأفراد أنهم قد أحدثوا فرقاً خلافاً لما هو واقع.
تعزيز قيم المساواة
وتشير ريكتس إلى مسألة مهمة وهى النسق الذى يعكس قيم الحملات فتقول:
المساواة هى إحدى القيم الجوهرية للحركات الاجتماعية السياسية الناجحة وكذلك التنوع وتقاسم السلطة والتسامح فى بناها الداخلية وألا تحاكى بنية الدولة الحديثة المركزية السلطوية أو تسمح بدكتاتورية الغالبية وبذلك يمكن للحركات الاجتماعية/السياسية أن تقدم نماذج جديدة لأسلوب الحكم تساعد على تعزيز بنى المساواة وممارستها.
وتؤكد ريكتس على أن «حجم المشكلات التى تعانى منها مختلف المجتمعات مهول بحيث يجتمع القمع والإرهاب وتغير المناخ، والعنف الجنسى، والإتجار بالبشر، والعبودية، واندثار الأنواع، والعولمة «الكوربوريشينية» تجتمع معا لتعطينا صورة لكوكب وصل إلى المحطة النهائية من التفسخ ورغم هول هذه التهديدات فمن المهم أن نتذكر ينابيع الحب والتفاؤل والإبداع الكامنة فى الروح البشرية.
ويبقى أن نؤكد على أن ممارسة قيم اللاعنف والمساواة وعدم الإقصاء والإيجابية والحوار التفاعلى تعد قيماً أساسية مهمة ونحن نمارس الديمقراطية لنسهم فى تطورنا الجمعى والسعى نحو عالم أفضل.∎