السجن المشدد 6 سنوات لعامل بتهمة الإتجار فى المخدرات بقنا    "نجوم الساحل" يعلنون بداية فصل الصيف بطريقتهم الخاصة مع منى الشاذلي غدًا    وزير الصحة والسكان يناقش مشروع موازنة قطاع الصحة للعام المالي 2026/2025    الأسباب والأعراض    رئيس جامعة القاهرة يفتتح المؤتمر الدولي لكلية الصيدلة    السفير السويدي بالقاهرة: ننظر إلى السوق المصري باعتباره وجهة واعدة للاستثمار    7 مايو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم في سوق العبور للجملة    العمل: بدء التقديم في منح مجانية للتدريب على 28 مهنة بشهادات دولية في معهد الساليزيان الإيطالي    7 مايو 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    خلال أيام.. صرف مرتبات شهر مايو 2025 للموظفين وفقًا لبيان وزارة المالية    قانون الإيجار القديم أمام البرلمان.. الحكم الدستوري لا يحرر العلاقة بل ينظمها بعد عقود من الظلم    وزارة التنمية تبحث الإستفادة من المنتجات غير المصرفية بالتعاون مع الرقابة المالية    عاجل - استقبال رسمي للرئيس السيسي بالقصر الرئاسى اليونانى    استشهاد 22 فلسطينيا فى قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    مصر تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع جنوب آسيا وتدعو الهند وباكستان للتهدئة    موعد مباراة باريس سان جيرمان وآرسنال بدوري أبطال أوروبا    «ليه نستنى نتائج الأهلي؟».. طارق يحيى ينتقد تأخر صدور قرارات لجنة التظلمات حول أزمة القمة    دي يونج: وداع دوري الأبطال محبط وعلينا التركيز على لقب الدوري    البابا تواضروس خلال محاضرة بالقصر الرئاسي بصربيا: «دعونا نبني جسورًا لا أسوارًا»    إصابة شاب إثر انقلاب ملاكي داخل ترعة بقنا    ضبط شخص يفرض رسوم على السائقين فى مدينة السلام    تحرير 507 مخالفات لعدم ارتداء خوذة وسحب 934 رخصة قيادة خلال 24 ساعة    محافظ أسيوط: ضبط مشروبات غازية غير صالحة وتحرير 382 محضر خلال حملات تموينية    تعرف على مدة الدراسة فى الترم الأول بالعام الدراسى الجديد 2026    صندوق مكافحة وعلاج الإدمان يعلن عن 70 وظيفة شاغرة    حظك اليوم.. مواليد هذه الأبراج «شباب دائم» لا تظهر عليهم الشيخوخة هل أنت من بينهم؟    فتح باب التقديم لمشاريع "ملتقى القاهرة السينمائي".. تعرف على قائمة الشروط    كندة علوش: تكشف «رد فعلها في حال تعرضها لموقف خيانة في الواقع»    الطيب صالح و«بيضة الديك»!    امتنعت عن المخدرات وتوبت توبة نصوحة.. وائل غنيم: أعتذر لكل من أخطأت في حقهم    صيدلة بني سويف الأهلية تنظم يومًا علميًا يجسد مهارات التواصل وتكامل التخصصات    رابط الاستعلام عن موعد امتحان المتقدمين لوظيفة حرفي رصف وسائق بالهيئة العامة للطرق والكباري    أسامة ربيع: توفير الإمكانيات لتجهيز مقرات «الرعاية الصحية» بمواقع قناة السويس    استولى على 13 مليون جنيه.. حبس رجل أعمال 3 سنوات بتهمة الاحتيال على لاعب الأهلي "أفشة"    سفير مصر ووزيرة الثقافة الفرنسية يشاركان باحتفالية إصدار كتاب حول مسلة الأقصر    بيدري منتقدا الحكم بعد توديع الأبطال: ليست المرة الأولى!    ما حكم إخراج المزكى زكاته على مَن ينفق عليهم؟.. دار الإفتاء تجيب    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    مصيرهم مش بإيديهم| موقف منتخب مصر للشباب من التأهل لربع نهائي أمم أفريقيا    طائرات مسيرة تُهاجم أكبر قاعدة بحرية في السودان.. ما القصة؟    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي على أصوله    بعد حفل زفافها.. روجينا توجه رسالة ل «رنا رئيس»| شاهد    كندة علوش تكشف علاقتها بالمطبخ وسر دخولها التمثيل صدفة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 7 مايو 2025 م    استشهاد عدنان حرب قائد الدعم اللوجستي في وحدة بدر بحزب الله    إحالة عاطلين للمحاكمة الجنائية لسرقتهما 6 منازل بمدينة بدر    أمير مرتضى منصور: «اللي عمله الأهلي مع عبدالله السعيد افترى وتدليس»    ترامب: لا يمكن لإيران أن تمتلك أسلحة نووية ولن يبقى أمامنا خيار إذا سارت في طريق آخر    موعد مباريات اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. إنفوجراف    موعد إجازة مولد النبوي الشريف 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    الذكرى ال 80 ليوم النصر في ندوة لمركز الحوار.. صور    «تحديد المصير».. مواجهات نارية للباحثين عن النجاة في دوري المحترفين    الهند: هجومنا على باكستان أظهر انضباطًا كبيرًا في اختيار الأهداف وطريقة التنفيذ    من هو الدكتور ممدوح الدماطي المشرف على متحف قصر الزعفران؟    أطباء مستشفى دسوق العام يجرون جراحة ناجحة لإنقاذ حداد من سيخ حديدي    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وصف مصر( الحلقة الأخيرة) سيناريو صفقة الإخوان مع السلطة لتمرير التوريث مقابل الشرعية

وصلنا إلى الحلقة الأخيرة من «الكتاب الموجع»، والذى يشبه نظر الإنسان فى صور أشعة مريض يحبه، فها هى مصر التى تغنينا بحضارتها العريقة وأمجادها التاريخية تبدو مثل مريض يئن فى عجز على سرير مهمل فى زاوية التاريخ، لا شك أن المؤسف أكثر هو أن يتحول بلد فى مكانة مصر إلى مجرد «حالة» يدرسها باحث أجنبى مهتم، ويترجم الباحث «خواجة لبنانى» بلكنة بعيدة عن الواقع والخطاب السياسى المصرى، بل ومحشوة بأخطاء الصياغة والذائقة اللغوية والمعلومات، على الرغم من المشاريع القومية ومجالس وهيئات ولجان الترجمة التى أهملت كتاباً فى مثل هذه الأهمية «أحوال مصر» واهتمت بمؤلفات باردة أو متخصصة بعيدة عن حاضرنا ومستقبلنا «طالع برواز ترجمة ميشال».
ولا شك أن الحديث عن دور مصر وصورتها العامة كان الأكثر إيلاما فى الكتاب، فمن منا سيكون سعيدًا وهو يقرأ أن دبلوماسيتنا مجرد «استعراض بهلوانى»، وسياستنا الخارجية ليست إلا «مركزية زائفة»، وأن أحزابنا «حاجة كده على طريقة إديلو حاجة يا محمدأفندى»؟ من يتصور أن القانون فى بلدنا تحول إلى ذريعة والقمع صار وسيلة عادية جدًا، وأن التزوير صار مقنناً، والفساد صار سائدًا؟
الأسئلة صعبة لكن الحقائق والمشاهدات التى سجلتها الباحثة الفرنسية صوفى بومييه أكثر صعوبة، ولنبدأ بحديثها عن دور مصر حيث تقول:
بعد العصر الذهبى للقومية العربية الذى تجلى فى مركزية القضية الفلسطينية سجلت حرب 73 منعطفاً جذرياً وفتحت طريق التفاوض مع إسرائيل، وبناء علاقات خاصة مع الولايات المتحدة فى ظل خطاب كلامى عن أهمية التضامن العربى، لكن الكلام أخذ يدور فى الفراغ، وقد نتج عن ذلك اتساع الفجوة بين الأهداف التى تعلنها الحكومة من خلال إعلام محلى موجه ودبلوماسية نشطة جداً، وبين واقع يعبر عن دور إقليمى متراجع فى طريقه إلى الأفول.
حاولت بومييه أن تذكرنا بما مضى فقالت بالنص «بيد أن مصر تحتفظ ببقية من زمان عزها الماضى تتمثل فى دبلوماسيين من أكثر دبلوماسيى العرب احترافاً تنسق بينهم حلقة صغيرة من قدامى محترفى السياسة الدولية: الرئيس مبارك، الرحالة الذى لا يعرف التعب، رئيس جهاز المخابرات عمر سليمان، شديد الانشغال بالملفات الأمنية الفلسطينية والعراقية، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وزير الخارجية السابق عمرو موسى، بطرس غالى وزير الخارجية الأسبق «المنصب غير صحيح» الأمين العام السابق للأمم المتحدة وأسامة الباز مستشار الرئيس، خصوصا فى الشؤون الإسرائيلية.
لكن الدولة عموما لم تعد تقوم بوظائفها، حتى الأبسط من بينها فى الداخل، كما فى قطاعى الصحة والتعليم اللذين أصبحا فى حالة يرثى لها، بل وفى مجال الحاجات الضرورية الأولية، مثل توفير ماء الشرب، فى الوقت الذى تحظى فيه الأجهزة الأمنية بكل أنواع العناية، لأجل بقاء النظام وليس تأمين المواطن البسيط «التعبيرات نصاً من الكتاب» لذلك يخشى الناس شر هذه القوى نظراً لتجاوزاتها الخطيرة والمتكررة.
كان على الدولة، وقد فقدت شعبيتها وشرعيتها، أن تختار بين خطتين، تقوم الأولى على التظاهر بالانفتاح السياسى، وتشكل الثانية انكفاء فى ممارسة الدور الأمنى فى الداخل والدبلوماسى فى الخارج، وإفساح الساحة الاقتصادية للقادمين الجدد الذين زحفوا إلى الميدان السياسى كما يظهر صراحة فى تركيب الهيئات العليا، فى الحكومة والأحزاب.
وفى هذا الإطار، فإن وصول جمال مبارك إلى الرئاسة لن يكون بسبب كونه نجل الرئيس، بقدر كونه زعيماً لنخبة سياسية واقتصادية جديدة، وحتى لو أدت الظروف إلى ترئيس شخص آخر، فلا يتوقع أن يكون الأمر أكثر من انعكاسات صغيرة على توجهات البلاد لأن التحولات مرسومة منذ عقود وأصبحت مرتبطة بتحولات كبيرة للنظام العالمى ومدعومة من منظمات مالية دولية.
ستكون الأمور أكثر سهولة دون ريب إذا أفلح مبارك فى نقل الرئاسة إلى ابنه وهو على قيد الحياة، تحت إشرافه المتكتم، وتكون غير أكيدة إذا جرت الانتخابات فى مرحلة توتر قد تنجم عن شغور فجائى لملء كرسى الحكم، لكن الظروف أعدت بعناية، وأدت الاستفتاءات إلى تجديد سيطرة الحزب الوطنى وترتيب المستويات العليا وتهيئة التعديلات الدستورية وتعزيز الجهاز الأمنى، وإضعاف المعارضة، وإنهاء مهمة الإشراف القضائى على الانتخابات عملياً، بيد أن مستقبل النظام ليس مضموناً، رغم هذه التحوطات، ويبقى عرضة لأزمات خطيرة وحتى لطرح بقائه.
براعة النظام الميكافيللى مع المعارضة
فى تناولها للمعارضة قالت بومييه بما يشبه الخلاصة العامة: إن الاستياء حاضر فى كل مكان ويتصاعد بوضوح، ومع ذلك فإن قلة الديمقراطية لم تمنع قوى الرفض من التعبير عن رأيها فى حدود الكلام، لأن النظام تعامل مع المعارضة ببراعة ميكافيللية حالت دون أى تجمع جبهوى أو توحد صفوف المعارضين فى الساحة السياسية، فالسلطة شلت نشاط الإخوان المسلمين، لكنها لم تستأصلهم، لأن وجودهم مفيد للنظام على أكثر من صعيد، والأحزاب التى تملك فرصة حشد وتعبئة تم استبعادها من جانب لجنة الأحزاب، وعندما تحولت النقابات إلى ساحة للتعبئة الاجتماعية والنشاط السياسى تمت محاصرتها بآليات انتخابية أو فرض الحراسة عليها أو تسلل كوادر الحزب الوطنى إلى صفوفها القيادية.
هكذا رصدت بومييه ما سمته سياسة «التشظى» التى اتبعتها السلطة لتفريق المعارضة وإضعاف تأثيرها، وانتقلت سريعاً إلى تقويم حالة الإخوان تحت عنوان «مرحلة رديئة للإخوان المسلمين» رأت فيها أن الجماعة تمر اليوم بمرحلة شديدة الاضطراب ومستقبل غامض، نتيجة ارتباك داخلى بسبب محاولتهم التطبيع مع السلطة والوصول إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، أو بسبب تعرضهم للقمع والتهميش السياسى من جانب النظام، خاصة إذا خرجوا عن حدود الاتفاق «غير المعلن»، كما حدث فى انتخابات 2005، عندما تجاوز مرشحوهم للبرلمان رقم الثمانين مقعدًا، فاضطرت السلطة للتدخل بالترهيب وآليات التزوير، وأرجأت الانتخابات المحلية حتى لا يتفاقم الأمر ويتصاعد تأثير الإخوان بطريقة «كرة الثلج»، خاصة وأنهم القوة الوحيدة المنظمة، وتتوافق شعاراتهم مع رغبة جارفة فى الشارع للعودة إلى القيم الإسلامية، ويركز خطابهم على مواجهة النظام وكشف الفساد، بالإضافة إلى تميزهم فى الأنشطة التعليمية والصحية «مستوصفات ومدارس أهلية رخيصة».
عشية انتخابات 2005 صعد نجم الإخوان، وتصادف أن بوش ضغط على القاهرة من أجل تطبيق ديمقراطية حقيقية، وقى ربيع 2005 أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس، أن بلادها مستعدة للقبول بأى نظام ينتخب ديمقراطيًا بما فى ذلك المسلمون الأصوليون، وأحس النظام بالقلق وبدأ يطعن فى الإخوان ويوجه لهم من خلال الإعلام اتهامات بالتواطؤ مع الأمريكيين، وظن قادة الإخوان أنه يمكنهم فى هذا الجو الوصول إلى صفقة مع النظام فاتخذوا معه موقفا تصالحياً ودعوا الناخبين للمشاركة فى الانتخابات الرئاسية، مع علمهم أنهم يسهمون بذلك فى إعادة انتخاب الرئيس مبارك، بل أبلغوا أيضا أنهم لا يعارضون توريث السلطة لجمال مبارك مقابل حصولهم على الشرعية.
لكن موجة الرفض العام فى الشارع، وارتفاع صوت معارضة التوريث فى أجواء تعديل المادة 76 جعل الجماعة تعيد تقييم الموقف حتى لا تترك الساحة لقوى المعارضة الأخرى، ودعوا للتظاهر فى عدة مدن يوم 27 مارس 2005، وكانت تظاهرة القاهرة «بحر من البشر»، وهكذا انهارت الصفقة، وبدأت السلطات مهمة محاصرة وتهميش الجماعة عن طريق اعتقال المئات من الكوادر،
وألقت القبض على قيادات بينهم خيرت الشاطر، نائب المرشد، وعدد من القيادات وأحالتهم إلى محاكمة عسكرية، وصادرت حوالى 87 مليون دولار واتهمتهم بغسل الأموال وبدأت حملات تشويه وتشهير وصلت إلى حد اتهامهم بالتعاون مع تنظيم القاعدة لتهديد أمن الدولة، وأحسنت السلطة استغلال مشهد استعراض فنون القتال الذى قام به عناصر من الإخوان داخل جامعة الأزهر يوم 10 ديسمبر 2006، واتهموا الجماعة بتأسيس ميليشيا عسكرية على غرار حركة حماس، وبعد مضى عدة أشهر عندما سرت شائعات عن تدهور صحة الرئيس، تم اتهام الإخوان بأنهم وراء نشر أخبار كاذبة بقصد الإضرار بالأمن والاستقرار.
ووصفت بومييه طريقة تعامل السلطة مع الإخوان بأسلوب «الحمام الاسكتلندى» أى المراوحة بين الشدة واللين حتى يحتار الخصم فى تحديد سلوكه مما يؤدى إلى انفجار الخلافات والجدال داخل الجماعة.
وكما تقول بومييه: يبدو واضحاً أن كلاً من السلطة والجماعة بحاجة إلى بعضهما البعض، فالسلطة تريد احتواء الجماعة وإدراك حجمها من أجل السيطرة عليها باعتبارها الخصم القوى، والجماعة تريد الاعتراف بكونها القوة الرئيسية للمعارضة، لأن هذا يخدمها فى الشارع ويؤدى إلى زيادة التعاطف معها،
وفى إطار هذه اللعبة الثنائية يتشابه الخطاب فى كثير من الأمور، ففى مجال توظيف الدين سياسياً لم تقصر السلطة بل تمارس المزايدة أحيانا، وفى مجال الاقتصاد يؤيد الإخوان الرأسمالية والخصخصة وعدم تدخل الدولة، لذلك كانوا قليلى الاهتمام والمشاركة فى الاحتجاجات العمالية فيما يخص مشاكل الأجور والخصخصة، كما أن برنامجهم الإصلاحى فى مارس 2004 لم يذكر أحوال الفقراء إلا تلميحا، وتبقى إبراز الخلافات فيما يخص السياسة الإقليمية، خاصة الموقف من القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل، وحتى فى هذا الموقف تتساءل بومييه: إلى أى حد ستصمد الجماعة فيه أمام إغراءات الحكم؟
وتحت عنوان «نزاع الأجيال» تقول بومييه: إن أكثر ما يقلق الحكومة هوممثلو الجيل الجديد «الأقل تشدداً» لأن الخارج يمكن أن يطمئن إليهم، فلا عجب إذا كان زعماء هذا التيار، أمثال رجل الأعمال خيرت الشاطر، «النائب الثانى للمرشد»، وعصام العريان، وعبدالمنعم أبوالفتوح «كلاهما ناطق باسم الحركة وعضو فى نقابة الأطباء»، هم الذين يستهدفهم القمع بالدرجة الأولى.
وتؤكد الباحثة أن الهدف غير المعلن الذى تسعى إليه قيادات الإخوان الأصغر سنا، هو التخلص من إرث جيل القدامى المربك: «جهاز ثقيل جداً وتراتبية لا تقل عنه ثقلا»، فطريقة تعيين أعضاء القيادة لا تزال غامضة وغير ديمقراطية.
وتشير بومييه فى هذا الإطار إلى وجود جيل جديد «ثلاثينى» أخذ يرفع صوته هو أيضا، رافضا أداء الجماعة الاستبدادى وداعيا القيادات القديمة للعيش بطريقة تناسب أعمارهم، ويعتمد هذا الجيل على الاستعمال الواسع للإنترنت، سواء فى مجال التعبئة ومساندة الإخوان المعتقلين أو فى النقاش الداخلى. فهناك نحو 1500 موقع فردى على الإنترنت «مدونات» للإخوان قسم معقول منها للإناث.
سيكون من قبيل الاختزال بالتأكيد أن نحصر خطوط الانشطار بمجرد مسائل متصلة بالأجيال، فإن وجود تيار إخوان مسلمين شباب إصلاحيين منفتحين وعصريين، ينبغى ألا يحجب واقع كون قسم مهم بلا ريب من أبناء هذا الجيل يحس بأنه قريب من الفكر السلفى كما أن للحساسيات الشخصية والتنازع على السلطة يداً فى ذلك أيضا، وقد سرت شائعة عن وجود خلافات بين مهدى عاكف و«الرجل الثانى» محمد حبيب، إن هذا الأخير الستينى ينتمى إلى الموجة الثانية للحركة، التى انضم إليها فى السبعينات، وهو أكثر ليبرالية من عاكف وبالتالى، أقرب إلى الحرس الشاب، وقد أتاح تعيينه فى منصبه إعطاء ضمانات لهذا التيار التقدمى، الذى ساءه ألا يرى أحد أعضائه (عبدالمنعم أبوالفتوح) يحتل المنصب الأعلى، كما كان يأمل فى لحظة ما.
وتتساءل بومييه عن مستقبل الإخوان السياسى، خاصة بعد الجدالات الداخلية التى بدأت تجتاح الجماعة، وتعرقل عمل مكتب الإرشاد، كما باتت تواجه قمعا قاسيا من السلطة، والأخطر أنها ابتعدت عن آلام الناس وصمتت حيال القضايا والاحتجاجات الاجتماعية الكبيرة، بل بدأت تواجه حركات أصولية أكثر جذرية منها.
وتجيب بومييه عن سؤال مصير الإخوان من خلال سيناريو يحتمل 3 نتائج ممكنة، الأولى: الاستمرار فى طريق الشرعية، لكن هذا الخيار لم يكن مربحاً، كما أن اللعبة الانتخابية معرضة للتزوير، وغير مضمونة بعد تجربة فوز حماس بالانتخابات الفلسطينية ومقاطعة الأسرة الدولية لها، وكذلك بعد إخفاق حزب العدالة والتنمية فى الانتخابات المغربية، بسبب تشويش رسالته وتخفيفه من لونه الدينى لطمأنة الحكم والرأى العام، ولا شك أن الإخوان يعتبرون هذين المثالين درساً للتأمل، لذلك من المرجح أن يفكروا فى اتفاق مع السلطة لتمرير توريث جمال مبارك، عن طريق تأييدهم للسيناريو الجاهز، مقابل الحصول على تسهيلات وربما ترخيص بحزب أو شرعية.
وتستبعد بومييه نجاح هذه الصفقة، لأنها تحتاج إلى تعديل دستورى من الصعب تمريره يتعلق بالموافقة على أحزاب دينية، يضاف إلى هذا أن الصفقات السابقة أفادت النظام أكثر من الجماعة، ومع ذلك قد يقبل الإخوان بصفقة جزئية، لأجل إبقاء القمع فى مستوى يمكن تحمله وقد يكون أيضا لوريث مبارك مصلحة فى تخفيف الضغط والظهور بمظهر ليبرالى من خلال الموافقة على شرعية الجماعة بعد إعلان تحولها لحزب سياسى.
السيناريو الثانى: هو العودة للمواقف الجذرية بهدف استثمار الاستياء الشعبى، خصوصاً فى حالة حصول اضطراب أثناء نقل السلطة، وهذا مستبعد بعد إعلان الجماعة التخلى عن العنف رسميا منذ السبعينيات، وكذلك لأن السلطات لن تتوانى عن تشديد القمع مجدداً، دون أن ترى الأسرة الدولية غضاضة فى ذلك خوفا من الخطر الأخضر، هذا يفترض أيضا أن تغير الحركة نبرتها كى تعبئ الجماهير حول مطالب اقتصادية واجتماعية داخلية وليس حول مواضيع سياسية إقليمية مثل العراق وفلسطين، وهى ساحة لم تقدم فيها الكثير من قبل باستثناء مشاكل الفساد.
وعملاً بما يؤثره المرشد، قد يختار الإخوان الاكتفاء بالعودة إلى مجال العمل الوعظى والدينى، مركزين نشاطهم فى المؤسسات الخيرية. لاسيما أن تراجع دور الدولة يفسح لهم مجالاً حراً أكثر فأكثر بينما حاجات الشعب تزداد، وهذا يتيح لهم تجنب الصدام المباشر، وممارسة ضغوط على السلطات من الأسفل، بهدف إحداث انعطافات سياسية حقيقية.
كفاية..  هامشية ومستقبلها غامض
لم يكن الإخوان صوت المعارضة الوحيد ضد النظام، فهناك الأحزاب القائمة، وهناك حركات الرفض الجديدة وفى صدارتها حركة «كفاية»، التى بالغت وسائل الإعلام فى تضخيم تأثيرها.
تعود جذور كفاية إلى 20 مارس 2003، ومظاهرة الاحتجاج على حرب العراق وتحولت حركة 20 مارس إلى «الحركة الشعبية من أجل التغيير»، لكن شعارها «كفاية» سرعان ما بات هويتها الجديدة. وبدأت تتظاهر منذ ديسمبر 2004 فى عدة مدن مصرية ضد التمديد للرئيس مبارك أو توريث نجله، وانخرطت فى الحركة عناصر من تيارات مختلفة واختارت أماكن مكشوفة وواضحة للإعلام للتعبير عن احتجاجاتها، واستفادت كثيرا من الإنترنت ووسائل التعبير الجديدة، وجرعة الديمقراطية التى وافقت عليها السلطة لتزكية انتخابات 2005 تملقا للأمريكيين المتشبثين بدمقرطة العالم كله.
لكن الحركة باتت تجد صعوبة فى مواصلة نشاطها بعد مرحلة الانتخابات الرئاسية وسرعان ما تبين أن تنافر عناصرها (يسار، يمين، أقباط، مسلمين) سلاح ذو حدين، فهو دليل على الانفتاح والتعددية، ولكنه أجهض أى مخطط لتأسيس برنامج توافقى طموح، فاكتفت الحركة بالشجب عوضا عن الاقتراح، وبعد أن ولدت فى ظروف حرب العراق وحفزتها الانتخابات الرئاسية، كان عليها أن تنتظر حرب إسرائيل فى لبنان، صيف 2006 كى تذكر وسائل الإعلام بوجودها، لأنها ظلت حركة نخبوية، لم تعرف كيف تصنع لها امتدادات فى المجتمع، حيث لم تحشد مظاهراتها أكثر من المئات، لذلك ستظل هامشية ومستقبلها يبدو غامضا. يكفيها أنها رفعت لهجة المعارضة حتى وصلت إلى انتقاد الرئيس ونجله، كما أنها أسست مدرسة انبثقت منها أكثر من 222 حركة احتجاج حسب رصد صحيفة «المصرى اليوم».
أحزاب المعارضة..  وهمية و«مطايا حكومية»
نجاح «كفاية» القصير كان بمثابة إعلان شهادة وفاة للأحزاب السياسية المعارضة، فمعظم الأحزاب المرخصة وهمية، غايتها الأولى الحصول على موارد من الحكومة، وقد اختارها النظام لكى يستخدمها كمطايا، من أجل قطع الطريق عند الحاجة على تيارات المعارضة الحقيقية، ومن هذه الأحزاب مثلا، حزب الخضر الذى ركز فى مسائل البيئة، على حساب العديد من المنظمات غير الحكومية.
أما الأحزاب القديمة التاريخية فقد فقدت اعتبارها، وتورطت فى تحالفات مشبوهة وألعاب غامضة مع الحكم، وقد مزقتها الصراعات الداخلية، وهى تحمل رسالة سياسية تجاوزها الزمن، أكان الأمر يتعلق بحزب الوفد أو التجمع، أو الناصرى، وهى أحزاب يقودها زعماء طاعنون فى السن فلا يمكنهم أن يتواصلوا مع جيل الشباب. والنتيجة التى حصلوا عليها فى انتخابات البرلمان عام 2005 خير دليل على هذا الانهيار.
وظل الأمل قائما فى حزب الغد، ذى الميول الليبرالية، والذى احتل مرشحه للرئاسة ومؤسسه أيمن نور المرتبة الثانية، متقدما على الرئيس المسن لحزب الوفد حينذاك نعمان جمعة، الذى كان برنامجه يبدو متصلا بالواقع، لكن هذا التقدم النسبى جدا لفت انتباه السلطات، وعقب الانتخابات أصبح أيمن نور سجينا، وتنازع خلفاؤه الهيمنة على حزبه الذى أكلته الانقسامات.
ترجمة ميشال.. دليل جديد على تراجع دور مصر
هل تريدون دليلا جديدا على تراجع دور مصر؟.. المضحك والمؤسف فى الدليل أنه هو نفسه الكتاب الذى بدأنا عرضه منذ أسابيع، فالكاتبة المعنية بقراءة حاضر مصر من خلال الاستشهاد بتاريخها واستنباط طريقة ترسم مصيرها فى المستقبل مجرد باحثة فرنسية، والمترجم لبنانى يجيد الفرنسية أكثر مما يجيد العربية، والناشر غير مصرى أيضا،
وإذا كانت الأوساط الثقافية قد رددت لعقود طويلة شعار ثلاثى يقول «القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ»، فإن القاهرة الآن انكفأت على ذاتها وانغمست فى «هموم الأكل» على حساب «هموم العقل»، كما انغمست بغداد فى دوامة العنف والدم، ولجأت بيروت إلى طباعة المترجمات وكتب الأدب لملء السوق وفق مفهوم تجارى أكثر منه ثقافياً، لذلك لم يعد غريبا أن نصطدم بمترجمين من نوع ميشال كرم الذى تورط فى كوارث فضائحية فى الترجمة من قبل،
ففى كتاب «حجابى هويتى» الذى كتبته بالفرنسية التلميذتان ألما وليلى ليفى بعد طردهما من المدرسة بسبب الحجاب، ما أثار عاصفة من الجدل حول العلمانية وحدود الحريات الدينية فى فرنسا، ترجم ميشال القرآن والأحاديث النبوية بأسلوب بدائى لا يوافق عليه أى عاقل، حيث ذكرت ليلى آية قرآنية فى صفحة 67 ترجمها كالتالى «قل لأولئك النساء لأولئك البنات ولنساء المؤمنين بأن يرتدين حجابا ويتسترن»..
طبعا المقصود الآية الكريمة من سورة الاحزاب (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا»، وفى صفحة 88 ذكرت ليلى حديثا نبويا شريفا ترجمه الأستاذ ميشال بالشكل التالى: «من لم يرد لأخيه ما يريده لنفسه لن يكون مسلماً حقيقياً»، والمقصود حديث رواه البخارى ومسلم يقول فيه الرسول (ص): «لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». وهكذا تبدو ركاكة واغتراب ميشال أكبر من مجرد أخطاء عابرة، لكننا لا نجد عذرا لخطأ دار نشر كبرى تحمل اسم فيلسوف موسوعى مثل الفارابى، فقد كان أمامها الاستعانة بمترجم مصرى محيط بشؤون بلده، أو الاستعانة بمراجع للترجمة كما جرت العادة.
مهدى عاكف.. انحياز كامل لميراث حسن البنا
انتخب مرشداً فى يناير 2004، أحد رموز الجيل القديم، عاصر مؤسس الحركة حسن البنا، وقد حكم عليه بالإعدام عقب محاولة اغتيال عبدالناصر سنة 1954، وزج به فى السجن حتى سنة 1974 وعمل جاهداً بعد ذلك، بالتعاون مع إخوان آخرين على إعادة بناء التنظيم الخاص، أى الفرع العسكرى للحركة، وقضى فى السجن ثلاث سنوات أيضا فى عهد مبارك (1996-1999) ومر بعلاقات توتر مع الحكم،يأنف الرهان على اللعبة السياسية،
وبرغم أنه لا يسفه مواقف التيار الديمقراطى صراحة فإنه يشدد على الرسالة الدينية والخيرية للجماعة، وينحاز لميراث حسن البنا فى العمل الدعوى، كما أنه جامح فى آرائه ففى أثناء حرب لبنان (صيف 2006) لم يتورع عن حض شباب المسلمين على مقاتلة العدو الإسرائيلى، وفى رأيه أن خطوة إنشاء حزب سياسى غير كافية، لذلك لابد أن تكون جزءاً من مشروع إسلامى شامل، لكن صوت الشباب العالى داخل الجماعة يوحى الآن بأن مشروع الحزب بدأ ينطق بلهجة عصرية بعيدة عن الفكرة القديمة التى كانت تعتبر «إحياء الخلافة الإسلامية» هدفها الأول.
وقد ساهمت وضعية عاكف الدولية فى تسميته مرشداً، حيث أقام فترة من الزمن فى السعودية، ثم أسس مركزا إسلاميا فى ميونيخ بألمانيا، وكان مسؤولاً عن التنسيق بين مختلف فروع الجماعة، لذلك يتمتع بتأثير دولى، مثل المرشدين السابقين، ويبقى أن المستوى الدولى المسمى «التنظيم الخاص» للاخوان المسلمين لا يزال غامضا جدا، ويتمتع كل أعضائه باستقلال كبير ومكانة دولية ومحلية داخل الجماعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.