" الفيلم ده كان عايز تامر حبيب !!! " لم أكف عن ترديد هذه الجملة لنفسى طيلة مدة العرض, فتامر حبيب ذو حاسة فائقة فى تحويل الأفكارالعادية إلى قصص متكاملة و محبوكة تجتذب المتفرج . فيلم حب البنات على سبيل المثال يستند إلى فكرة تقليدية و مستهلكة لنهاد رمزى و مع ذلك نجح تامر حبيب فى صناعة قصة ممتعة تتماسك فيها الخيوط بشكل واضح . هنا فى زهايمر كانت الفكرة طازجة و جديدة و مغرية لكن للأسف أهدرها التناول المسطح الذى أضاع فرصة نادرة لصناعة فيلم كان من الممكن أن يرقى لمستوى المقارنة مع رائعة فاتن حمامة و كمال الشيخ : الليلة الأخيرة ... !!!! و لم لا إذا كانت كل العناصر متوافرة بالفعل من الإنتاج الذى ينفق فى سخاء إلى المخرج ذى الحس الفنى العالى والممثلين الذين أثبتوا جدارتهم بالفعل من قبل ؟؟؟ بدأ سيناريو نادر صلاح الدين بداية قوية و جذابة ثم أخذ يفقد رونقه تدريجيا ً بعد نصف الساعة الأولى حتى إنتهى إلى الإسفاف و الإفتعال ليضيع رصيد النقاط التى جمعها لدى المتفرج أول الأمر . نعم أعجبنى أن الفيلم خلا من البطولة النسائية بالشكل المتعارف عليه بحيث لم يعتمد على قصة الحب التى باتت (كليشيهاً) مقرراً فى كل الأفلام المصرية خاصة الحديثة منها , كما أعجبنى خروج عادل إمام أخيراً من قالب (الدون جوان) محطم قلوب العذارى و تخليه عن دور الثرى الفاسد الذى يبعثر الأموال على ملذاته , لكن بصراحة لم أر ذلك الفيلم الذى كنت أتوقع أن أشاهده !!! بمعنى آخر , كنت أفضل أن يكتشف الأب حقيقة الخدعة فى النهاية و نظل طيلة الفيلم نعيش معه معاناته بين الشك و التصديق , و صراعه مع الأعراض الشبيهة بالزهايمر التى يفترض أن الدواء المدسوس له يسببها و الكوميديا السوداء الناجمة عن هذا الصراع , و تمزق الممرضة بين احتياجها المادى و صوت ضميرها اليقظ , و تردد الإبن الأصغر ضعيف الشخصية بين إشفاقه على أبيه و لهفته على المال . تخيلوا معى وجه أحمد رزق وهو يدخل مندفعاً إلى غرفة أبيه ليخبره بكل شىء ثم يتراجع فى اللحظة الأخيرة مختنقاً بغصة الخجل و العجز و الخوف من السجن , أو فتحى عبد الوهاب و عيناه تترقرقان بالدموع متذكراً نادرة من نوادر طفولته إستحضرها الأب بشكل ما خلال نوبات هذيانه بفعل الأعراض الشبيهة بالزهايمر , أو امرأة كان يحبها الأب فى شبابه و قابلها بالمصادفة لدى الطبيب أو ما أشبه ليرى كلاهما أثر الزمن على الآخر مثل تحية كاريوكا و فريد شوقى فى فيلم حسين كمال : آه يا بلد آه . لبلبة بطلة أجمل دويتوهات الزعيم على الإطلاق فى رأيى , لكنى كنت سأحب هنا أن أشاهد الشقراء الرقيقة نيللى بطلة فيلمه : الغول خاصة أنها لم تظهر سينمائياً منذ فترة . عادل إمام ينطبق عليه نفس ما سبق و أن ذكرته عن أحمد السقا فى سياق حديثى عن إبن القنصل عندما كتبت عنه: أراه ممثلاً مجتهداً و ذكياً أكثر منه ممثلاً موهوباً , لكن خبرة أربعين عاماً من التمثيل يحملها عادل إمام على كتفيه فضلاً عن تجاربه السابقة الناجحة فى أدوار غير كوميدية - منها على سبيل المثال لا الحصر فيلم الغول الذى أشرت إليه قبل بضعة أسطر - تجعلنا ننتظر منه أداء رفيع المستوى فى دور رجل مريض بالزهايمر... أداءً كذلك الذى قدمه فى مشهد سعيد صالح و الذى لا أعلم لماذا لم يطل عن ذلك رغم أنه كان من الممكن أن يصبح علامة فارقة فى تاريخ النجمين معاً !!! كانت فرصة لا تعوض لتقديم مساحة من الكوميديا الإنسانية الموجعة بين رجلين أحدهما يشك فى إصابته بالزهايمر أما الآخر فمصاب به بالفعل. يذكرنى هذا بمحمود عبد العزيز و على حسنين فى فيلم الكيت كات عندما إكتشف على حسنين بعد عدة مفارقات أن صديقه الشيخ حسنى كفيف مثله !!! و بمناسبة الحديث عن الأصدقاء , فمن الثغرات المهمة جداً فى السيناريو علاقة الأب بصديقه المتآمر ضده مع ولديه - أحمد راتب - التى لم يمنحنا نادر صلاح الدين تفاصيل كافية عنها بحيث نفهم لماذا ضحى الصديق بصديق عمره من أجل المال , و ما الذى دفعه من الأصل للتورط مع الأبناء فى موضوع القرض هذا رغم أنه كرجل أعمال (قديم فى السوق) يفترض أن اسمه و سمعته و خبرته التجارية أيضاً يوفرون له بدائل كثيرة أكثر أمناً ...!!! لكنى أعود فأقول أن السيناريو لم يهتم أصلاً بعلاقة الولدين بأبيهما و العوامل التى يمكن أن تصل بهما إلى إرتكاب كل هذه الجرائم فى حقه رغم أن هذه العلاقة هى العمود الفقرى للفيلم كله , فلا غرابة أن يهمل المحاور الفرعية (بالمرة). على فكرة لا أتصور أن الزعيم بخبرته الطويلة لم يستوعب عيوب السيناريو منذ الوهلة الأولى , لكنها الإيرادات خاصة عندما يكون منافسه فى نفس الموسم أحمد حلمى الذى حقق فيلمه الأخير (عسل اسود) رغم مستواه المتوسط نجاحاً غير قليل فى مواجهة (بوبوس) ...!!! لا أتمالك نفسى من مقارنة الفيلم بمسلسل قدمه حسين فهمى فى رمضان 2005 من تأليف مهدى يوسف و اخراج عمر عبد العزيز بعنوان : الشارد. بعيداً عن الفوارق البديهية المعروفة بين الفيلم السينمائى و المسلسل التليفزيونى و التى يأتى على رأسها المساحة الزمنية المتاحة , و بعيداً عن كم المط و التطويل و الأحداث المقحمة فى المسلسل شأنه فى هذا شأن أغلب إن لم يكن جميع المسلسلات المصرية فى السنوات الأخيرة للأسف , فإن (الشارد) يهزم (زهايمر) بالضربة القاضية إذا ما نظرنا لمعالجة كل منهما لنفس الفكرة ... الرجل الناجح الذى يكتشف مرضه بالزهايمر و تأثير ذلك على حياته و علاقته بأقرب الناس إليه . لم أنس قط عينىّ حسين فهمى وهو تائه بعد أن استيقظ فى الصباح و خرج دون أن يزعج زوجته النائمة ثم عجز عن العودة للمنزل أو حتى تذكر أية بيانات عن نفسه , أو عنوانه , أو سبب وجوده فى هذا المكان أصلاً ...!!! بدا فى هذا المشهد أشبه بالطفل الضال الخائف من الزحام رغم أنه فى الحلقات الأولى كان خبيراً بالأمم المتحدة ذو منصب مرموق يتخذ بموجبه قرارات خطيرة . بقدر ما تأثرت بهذا المشهد التراجيدى إلى اليوم , بقدر ما كنت أتمنى أن أشاهد ممثلاً فى قدرات عادل إمام يجسد ذات الموقف ...!!! نقطة أخرى فى صالح المسلسل: أنه إهتم بإبراز طبيعة العلاقة التى تربط د.على الرفاعى - حسين فهمى - بكل المحيطين به خاصة زوجته و أبنائه بحيث تبدو لنا كل تصرفاتهم و ردود أفعالهم تجاه إصابته بالزهايمر مقنعة و مفهومة . خلاصة القول , أرى أن الشارد يدعونى للتعاطف مع مريض الزهايمر و الإحساس بمعاناته و من حوله التى لا زال الكثيرون يجهلون طبيعتها بحكم نقص الثقافة الطبية الشائع فى مجتمعاتنا العربية , أما زهايمر فتحت إغراء الإضحاك بأى شكل من أجل شباك التذاكر انزلق إلى فخ السخرية الفجة من هذه المعاناة و كل مشاهد تأديب الأب لولديه متظاهراً بإصابته بالزهايمر شاهدة على ذلك للأسف ...!!! عمر خيرت لم يكن فى أفضل حالاته هذه المرة , بل و حتى الموسيقى لم تكن طازجة تماما ً حيث إستخدم أكثر من مرة (التيمة) الرئيسية لفيلم على بدرخان و نادية الجندى الشهير: الرغبة رغم أنها من أعماله التى تعيها آذان محبيه جيداً ...!!! محسن أحمد الذى بدا فى إبن القنصل متوهجاً بالحيوية باحثاً عن الجمال لم يقدم شيئاً يذكر فى زهايمر سواء على مستوى التصوير أو الإضاءة و لا يمكن تبرير ذلك بمحدودية الأماكن التى تدور فيها الأحداث . فى فيلم المنسى كان الجانب الأكبر من الأحداث يدور فى (كشك التحويلة) و مع ذلك نجح محسن نصر فى خلق صورة جذابة و متنوعة كما لعبت إضاءته المميزة دوراً رئيسياً فى أحلام اليقظة التى كان يعيشها يوسف المنسى ...!!! الأثر الوحيد الذى تركه محسن أحمد فى ذهنى هنا هو حرصه فى بعض المشاهد على التقاط الصورة من أعلى الباب وهو يفتح بحيث تبدو شبه مقلوبة ... أعطانى هذا شيئاً من الإيحاء و الرمز لما أصاب حياة البطل من إختلال و عدم توازن نتيجة هذا الاكتشاف الفجائى ...!!! مونتاج معتز الكاتب من الحسنات القليلة فى الفيلم حيث أفلت من الرتابة و الترهل و نجح فى الحفاظ على إيقاع معقول للأحداث . صلاح مرعى ؟؟؟ لولا الإهداء الذى إستهل به عمرو عرفة فيلمه ما صدقت قط أن يكون شيخ مهندسى الديكور السينمائيين فى مصر هو صاحب هذه الديكورات النمطية الفقيرة التى عادت بى لسينما التسعينيات عندما كان كل الأثرياء فى الأفلام من المهربين محدثى النعمة... !!! الفائز الحقيقى الوحيد فى زهايمر هى رانيا يوسف , صحيح أن دورها - مثل جميع الممثلين فى هذا الفيلم - لم يعطها أية مساحة للإبداع و إستعراض قدراتها التمثيلية التى بدأت تتألق بوضوح فى الفترة الأخيرة لكن مجرد مبدأ الحصول على دور رئيسى بأحد أفلام عادل إمام يطرح إسمها بقوة للمشاركة بمساحات أكبر فى المزيد من الأفلام لتنطلق سينمائياً كما تستحق و كما أتمنى . عدد الوجوه النسائية اللافتة للنظرعلى الشاشة الكبيرة أصبح لا يتجاوز أصابع اليدين ...!!! كنت طيلة العرض أقول لنفسى أن الفيلم كان يحتاج لسيناريو تامر حبيب , لكن بعد أن غادرت السينما أحسست أن الفيلم كان يحتاج أكثر للمخرج عمرو عرفة ...!!! " التدوينة هى على مدونتى الرئيسية : بره الشبابيك " http://reeeshkalam.blogspot.com/2010/11/blog-post_27.html