«الساعة ب 5 جنيه والحسابة بتحسب» كلمات رددها الفنان «عادل إمام» فى أحد أفلامه ولكنه لايعرف أنه سوف يأتى الوقت وتستخدم القنوات الفضائية هذه الكلمات البراقة لجذب الكم الهائل من الملايين أثناء الماراثون الرئاسى وتحقيق المصالح الشخصية.. فكل قناة فضائية تحول شغلها الشاغل هو «من هو الرئيس»، ومن هنا أصبح لكل قناة فضائية برنامج خاص يحمل العديد من الإعلانات والشركات الراعية ليتحول المشهد إلى سبوبة.. وبيزنس.
ساعات قليلة وينتهى ماراثون الدعاية الانتخابية، وتبدأ القنوات الفضائية فى غلق الأبواب وعد الفلوس التى بذلت قصارى جهدها فى جمعها، وسهر الجميع الليالى الطويلة لجمعها بشتى الطرق مما جعل المشهد يتحول من حدث بالغ الأهمية وهو انتخابات الرئاسة إلى بيزنس ومتأجرة بأحلام البسطاء، فمنذ بداية الحدث واقتراب موعد الانتخابات بدأت هجمة إعلامية على جميع المرشحين فمنذ 1 من شهر مايو الجارى كان الصراع والقتال على استضافة المرشحين وظهورهم بالساعات على القنوات الفضائية، ومن هنا نجد أن قنوات ال«سى بى سى» قد حظيت بأن تكون هى أولى الفضائيات فى استضافة هؤلاء المرشحين فى برنامج «مصر تنتخب الرئيس» يوميا وعلى الهواء مباشرة، فكل مرشح يأتى على مدار يومين لأكثر من 5 ساعات لشرح برنامجة الانتخابى وطرح الأسئلة المهمة ومناقشاتها مع استضافة بعض المتخصصين لتحليل الحوار،
ولكى تكتمل الخلطة الفضائية كان لابد لرسائل المحمول والفيس بوك وتويتر من دور وتحقيق أكبر عائد مادى ممكن فى أسرع وقت، فعلى سبيل المثال فى حلقة «أحمد شفيق» وصل عدد رسائل المحمول فى الجزء الأول إلى حوالى 798 ألف رسالة أما الرسائل المستلمة عبر مواقع التواصل الاجتماعى فقد بلغت نحو 879 ألف رسالة وكل هذا فى اليوم الواحد فقط، أما فى الجزء الثانى فقد تخطى حاجز الرسائل وبلغ نحو 900ألف رسالة سواءالمحمول أو الفيس بوك وغيرها، ولا ننسى أيضا أن هذه الرسائل تأتى فقط خلال الساعات التى يتم فيها استضافة المرشحين وأيضا يجب الأخذ فى الاعتبار لسؤال الحلقة الذى يكون على مدار اليوم، فقد وصل عدد الرسائل على سؤال حلقة المرشح «عمرو موسى» إلى أكثر من ألفى رسالة،
وحلقة المرشح «سليم العوا» وصل عدد الرسائل المحمول إلى 354 ألف رسالة وحوالى 637 رسالة عبر الفيس بوك وتويتر، وهذه الأرقام وفقا لاستبيان القناة، بالإضافة إلى الشركات الراعية للبرنامج التى تزيد يوما بعد يوم بسبب مدى أهمية المرشح من ناحية وإقبال المشاهدين من ناحية أخرى والتى يبلغ عدد هذه الشركات أكثر من 22 شركة وهى شركات «بيبسى، عامر جروب، معمل البرج ، ومعمل المختبر، وسيتى بنك، وبنك بلوم، وجريدة الوطن، ومجموعة شركات مرسيليا، ونيدو، جهينه، اندومى، سمنة روابى، وكلوركس»، ونجد أيضا أن الحلقة الواحدة بها 4 فواصل إعلانية مدة كل فاصل تزيد على 15 دقيقة، ثم تأتى قناة «النهار» فى المرتبة الثانية فى سبوبة الإعلانات من خلال تقديم برنامج استديو «موعد مع الرئيس»، والتى أيضا تتخطى الإعلانات والشركات الراعية حاجز ال 24 شركة راعية وهى على سبيل المثال شركات «إيجيبت فودز، ونستله، قطونيل، تى اى داتا، المراعى،
يونيڤرسال، شيبسى روتيتو»، وغيرها من الشركات، والمثير للدهشة أن هناك عدداً كبيراً من الشركات فى كل قناة يقدم برنامجاً عن الرئيس، فعلى سبيل المثال نجد أن حلقة محمد مرسى هى الأولى بين باقى المرشحين فقد بلغ عدد الفواصل الإعلانية 6 فواصل وكل فقرة تستمر لحوالى من 15 ل 20 دقيقة، وقناة الحياة تقدم برنامج «شعب ورئيس» بالتعاون مع شبكة قنوات ال«بى بى سى»، ثم تأتى «المناظرة» الشهيرة التى أشترك فى تنفيذها عدد من القنوات منها قنوات «دريم، أون تى فى»، ومن هنا انهالت كم الإعلانات على القناتين ويا لها من خسارة فادحة بعد رفض باقى المرشحين الظهور فى هذا البرنامج، وأصبح المشهد أمام الجميع ما هو إلا سبوبة إعلامية فقط ملايين لا نعلم مصدرها تتاجر بأحلام الناس مع بداية عهد جديد بعد ظلم وفقر دام لأكثر من 30 عاما، وفى هذا الإطار تأتى قناة المحور التى بثت قناة جديدة وهى «المحور+» لبث برنامج «تامر أمين» ليعرض مواجهة بين مرشحى الرئاسة وصاحب القناة «حسن راتب» ولانعلم بأى صفة يواجهه «صاحب قناة أم ممثل عن الشعب المصرى» ثم تأتى قناة «صدى البلد» لصاحبها المعروف عضو مجلس الشعب السابق «محمد أبو العينين» لتستمر فى عرض مسلسل «بيزنس مرشحى الرئاسة» وغيرها من الفضائيات التى نجحت خلال الفترة الماضية فى الحصول على كم هائل من الملايين مقابل ظهور مرشح، فى المقابل نجد أن كل برنامج على جميع القنوات الفضائية يطرح نفس الأسئلة، ولكن بطرق مختلفة حسب خبرة المذيعين،
ومن ناحية أخرى نجد قنوات أخرى تلعب «السبوبة» بطريقة أخرى فقد لاحظنا عدداً كبيراً من القنوات تستخدم ال« sms» لتقوم بعمل استفتاء على الهواء مباشرة يظهر نتيجته على مدار اليوم، وفى المقابل التليفزيون المصرى الذى تراجع أسهمه بشكل ملحوظ على الرغم من أنه يقدم مادة إعلامية دسمة صريحة بعيدة تماما عن جنى الأموال، فعلى سبيل المثال نجد الإعلامى الكبير «طارق حبيب» يقدم برنامج «الرئيس» والذى يستضيف من خلاله جميع المرشحين ويناقش جميع الملفات الشائكة فى البلاد وأيضا قناة النيل للأخبار وهى أيضا تستضيف جميع المرشحين، ولكن الفرق بين التليفزيون المصرى، والفضائيات كبير للغاية،
لأن كم الإعلانات الجذابة للفضائيات يفقدها التليفزيون المصرى لأنه يقدم إعلانات من إنتاج التليفزيون، وبالتالى لا يوجد عائد مادى وراء اللعبة الانتخابية، وفى دراسة بحثية أجراها الدكتور عادل عامر رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية أكد أن تكلفة الدعاية الانتخابية لجميع مرشحى الرئاسة تقدر ب10 مليارات جنيه فى حين أن تكلفة الدعاية للمرشح الواحد ما بين 120 إلى 150 مليون جنيه، وذلك يرجع إلى تكلفة الإعلان فى الموقع الإلكترونى التى تصل إلى 5 آلاف جنيه شهريا مقاس 4 فى 41 وعلى مستوى الصحف اليومية تصل من 100 إلى 224 ألف جنيه، أما فى القنوات الفضائية.. فتكلفة الإعلان فى ال30 ثانية و يصل إلى 15 ألف جنيه. الفرصة!!!
وفى هذا الإطار أكد الخبير الإعلامى الدكتور فاروق أبو زيد أن الإعلام الخاص انتهز الفرصة التى لا مثيل لها ليجمع الملايين من الجنيهات، فتكلفة الإعلان فى القناة الخاصة لا يتعدى سعره 200 ألف جنيه وحسب مدى أهمية هذه القناة،وأيضا الصحف بمختلف أنواعها التى لا يقل الإعلان فيها بدأ من 50 ألف جنيه حتى 300 ألف جنيه وغيرها من الأموال الباهظة التى تصرف دون رقيب ولا محاسبة مما أدى إلى احتمالية وجود مخالفات جسيمة على رأسها العلاقات الخفية بين وكالات الإعلان والفضائيات، لتلميع مرشحين بعينهم مقابل مبالغ مالية أو خدمات ومجاملات، بجانب سطوة وتحكّم وكالات الإعلان فى فرض استضافة مرشحين معينين بطريقة إيجابية مقابل منح الفضائيات المزيد من الإعلانات، وبالتالى المزيد من المكاسب والأرباح بهدف التأثير على قناعة الناخبين، وأشار د.فاروق إلى أن الأداء الإعلامى فى هذه الأيام أخطر عامل من شأنه أن يؤثر سلبا على المناخ السياسى، وعلى الأخصّ انتخابات الرئاسة، فى ظل عدم توفير آلية دقيقة وحاسمة وموضوعية لضبط الأداء الإعلامى، لكشف المخالفات التى تحكمها علاقات وكالات الإعلان مع الفضائيات والمصالح الخفية التى قد تخفى على اللجنة العليا للانتخابات، وهو من شأنه أن يهدد نزاهة الانتخابات، ويعمل على تحويل آراء الناخبين من مرشح إلى آخر، إلى جانب أن الوكالات الإعلانية تفرض على الفضائيات مرشحين بعينهم حسب المبالغ التى تتقاضاها من كل مرشح، بخلاف بعض مذيعى التوك شو الذين يعملون لحساب حملات بعض المرشحين أو فى حالة تحالف ما معهم.
السبوبة
من ناحيتها ترى الدكتورة ماجدة مراد رئيس قسم الإعلام بكلية تربية نوعية جامعة القاهرة أننا أمام أزمة حقيقية، وهى خلط الإعلام بالإعلان فأصبح الإعلام هو الورقة الرابحة فى تحقيق المصالح الشخصية مقابل جنى الأموال، فخلال الفترة القصيرة للدعاية الانتخابية أصبح هناك الملايين دخلت فى عباءة الفضائيات دون محاسبة أو قوانين صارمة لتسير العملية بشكل سليم وضوابط مفعلة، ومن هنا تؤكد د.ماجدة.. فى ظل تحول المشهد الى سبوبة وبيزنس يصبّ فى صالح الفضائيات ووكالات الإعلانات، للعبث فى العقول بدلا من كشف الحقائق لها مستندا على خلط الإعلام بالإعلان، ليأتى رئيس مصر الجديد برعاية علب السمن ومساحيق الغسيل بناء على أجندات بعض الفضائيات التى يملكها أشخاص معينون يريدون رئيسا بعينه، وأضافت د.ماجدة أنه من الصعب أن يتحول الإعلام إلى مجهل لعقول المواطنين فى أهم حدث تشهده مصر، لذلك لابد من ضوابط صارمة وليس مجرد تصريحات، فمثلا نجد أن الحد الأقصى للحملة الانتخابية التى وضعته اللجنة العليا للانتخابات 10 ملايين جنيه والواضح أن الحملات الانتخابية لجميع المرشحين قد تخطت هذا الحاجز بمراحل.∎