«الجمعية الأهلية للخادمات فى مصر» حلم طالما تمنته الكثيرات من العاملات بهذه المهنة كغيرهن من المهمشات فى هذا الوطن، ولا تتعجب عزيزى القارئ إذ لم تجد لفظ «خادمة» طوال هذا التحقيق، فالجميع داخل الجمعية قرر أن يستبدلها ب«عاملة فى المنازل» آملين أن يستبدلها المجتمع أيضاً كخطوة أولى فى تحقيق هدفهم نحو تغيير الصورة الذهنية عن العاملات، إلى جانب أهداف أخرى كثيرة تسعى إلى تحقيقها الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالاشتراك مع مؤسسة الشهاب للتطوير والتنمية ليظهر هذا الكيان للنور.. من اشترك فى تأسيسها وإدارتها وبالطبع الاستفادة من خدماتها هن العاملات أنفسهن حتى يشعرن بحلاوة ما وصلن له من إنجاز، لذا كان لزاما علينا أن نبدأ تحقيقنا بالحديث معهن.. مريم - 73 سنة - هى أمينة صندوق الجمعية تقول: لم أكن أتخيل يوما أن أعمل كعاملة فى البيوت، لكن ضيق ذات اليد، وقلة مرتب زوجى مقارنة بأسعار دروس أولادى اضطرنى للعمل فى بيوت أصدقاء لى ثم مدرسى أولادى حتى اتسعت الحلقة، وأصبحت مهنتى هى العمل فى البيوت منذ أكثر من سبع سنوات مررت خلالها بكثير من المواقف القاسية التى جعلتنى دوما أشعر بالدونية، وبنظرة المجتمع التى تخلو من الرحمة للخادمة وتعاملها كإنسانة بلا إحساس يمكن امتهانها فى كل دقيقة دون أن يكون فى مقدورها حتى الاعتراض، فكم من أسر خصصت لى طبقا وكأسا من البلاستيك لكى لا آكل فى أطباقهم، وكم من أسر حرمتنى من قضاء حاجتى مهما طالت ساعات العمل حتى لا أستخدم دورة مياههم، وكثيرا ما أعمل فى شقق باليومية ثم أحصل فى آخر اليوم على مبلغ هزيل جدا لا يتناسب مع مجهودى الذى بذلته، وأذكر يوماً أننى تعرضت للإهانة من قبل أحد أبناء السيدة التى أعمل لديها، ورغم أنه من دور أولادى إلا أنه كان يهيننى على مرأى ومسمع من والدته التى لم تهتم، مما دفعنى أن أخاطبه بلهجة حادة أذكره فيها بقواعد احترام الكبير، وهذا ما لم يعجب والدته باعتبار أنه على ألا أتفلسف وأن «اشتغل وأنا ساكتة».
ولأننى أعلم جيدا أن المجتمع لا يرحم ويرانا مواطنات من الدرجة الثانية، لذا فعندما سألنى خطيب ابنتى عن مهنتى قلت له «بيبى سيتر». ورغم أننى أتمنى من الجمعية أن توفر لى تأمينا صحياً، وأساساً مادياً يحمينى من غدر الأيام، إلا أن الأهم من هو أن تسعى الجمعية إلى تغيير الصورة الذهنية لدى المجتمع عن العاملات بالمنازل، فكما أن الطبيبة لها مهنة شريفة ومقدسة ولا غنى للمجتمع عنها فكذلك مهنتنا، ورغم يقينى بأن ذلك لن يحدث قريباً إلا أننى أتمنى أن يأتى اليوم الذى تقول فيه الأجيال القادمة إن هناك من اجتهدن ليجلبن لنا حقوقنا.
عبير - 73 سنة - أيضاً عضو مؤسس بالجمعية تعمل كعاملة بالمنازل منذ 6 سنوات تقول: على مدار عمرى المهنى الصغير نسبيا عملت لدى عائلات مصرية كثيرة، لكنى لم أشعر بآدميتى إلا عندما عملت لدى أسرة ألمانية، وقد حزنت جدا بعد عودتهم لبلدهم، أذكر عند اليوم الأول من عملى لديهم دخلت السيدة الألمانية ووجدتنى أتناول غذائى بالمطبخ، فغضبت كثيرا وطلبت منى أن أجلس على الطاولة مثلى مثلهم، ومنذ ذلك اليوم وأنا لم أشعر إطلاقاً بأننى أعمل لديهم، فالاحترام والود وتقدير الظروف من أهم ما يميزهم، بالإضافة إلى العائد المادى المناسب. وعلى نقيض تلك المشاعر كنت أشعر لدى الأسر المصرية بأننى لا قيمة لى، ففى إحدى المرات ذهبت لتنظيف شقة وكانت مساحتها كبيرة جداً إلى جانب أننى فى أثناء تنظيف أحد الأبواب الحديدية جرحت يدى جرحا قاطعا جعلنى أنزف كثيراً، ومع ذلك تحاملت على نفسى وأكملت عملى وفى نهاية اليوم فوجئت بصاحبة الشقة تعطينى خمسين جنيهاً، وهو مبلغ زهيد جدا لا يتناسب مع مساحة الشقة، غير أننى قد صرفت أكثر منه فى علاج يدى.
أما عن طريقة التحاقى بالجمعية فكحال كثير من العضوات عرفت من إحدى صديقاتى المؤسسات بوجود الجمعية، فلم أتردد لحظة للالتحاق بها خاصة مع شعورى أن هذا هو المكان الذى سيرفع من شأنى ويعيد لى ما فقدته من حقوق، فرغم كل هذه السنين إلا أننى لا أستطيع أن أخبر أهلى بحقيقة عملى لأنى أعلم جيداً كيف ينظر المجتمع للخادمة، لذلك أملى أن تصل رسالة الجمعية للجميع بأننا بشر نعمل بشرف حتى نمشى برأس مرفوعة وسط الجميع.
وعن طلباتى من الجمعية أتمنى أن يتم عمل تقدير لأسعار تنظيف الشقق حسب المساحات وعدد الغرف، وأن يعلم بهذه «التسعيرة» أصحاب العمل أيضا حتى لا تترك المسألة لتقديرهم، هذا بالنسبة لنظام العمل اليومى، أما عن نظام العمل الشهرى فأتمنى أن يتم إيجاد حل لاستعباد الذى تقوم به صاحبة العمل للعاملة، بأن تجعلها تقوم بعملية تنظيف كاملة يوميا مع عدم إعطائها وقتا للراحة خلال اليوم.
أما عن فكرة تأسيس الجمعية فتقول زينب خير المديرة التنفيذية للجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية: قمنا منذ سنتين بعمل مشروع باسم تحسين السياسات العامة لحماية عاملات المنازل فى مصر، وكان جزءا من أهداف المشروع تأسيس كيان للعاملات سواء كان نقابة، أو رابطة، أو جمعية لحماية حقوقهن، وخلال هذا المشروع درسنا البنية التشريعية لإنشاء هذا الكيان فوجدنا أن إنشاء جمعية أهلية هو المتاح أمامنا الآن، فهناك إشكاليات كثيرة تقف عائقا أمام تشكيل نقابة للعاملات وفقا لقانون النقابات المعمول به الآن فى مصر، ولنقل أن الجمعية هى خطوة على الطريق على أمل إنشاء النقابة التى ستظل هؤلاء الخادمات.
وبسؤالها حول طبيعة الخدمات التى سوف تقدمها الجمعية للخادمات أجابت أن الخدمات تشمل كل ما تحتاجه العاملة من دعم نفسى، واستشارات قانونية، وحل المشاكل المادية كإيجاد سكن أو سداد أقساط مستحقة على العاملة فى حالة عدم قدرتها على ذلك، بالإضافة إلى تقديم خدمات صحية وتعليمية لأطفالهن لمنع تسريبهم من التعليم، كما تهدف الجمعية إلى تحسين ظروف المهنة، وذلك عن طريق تدريبهن وتأهيلهن على المقومات التى تحتاجها السوق خاصة فى ظل المنافسة الشرسة من العاملات ذوى الجنسيات الأخرى كالفلبينيات والسريلانكيات.
كما تستهدف الجمعية تحسين الصورة الذهنية لدى المجتمع عن الخادمة، لذا نحن نسعى إلى استبدال هذه الكلمة إلى عاملة بالمنزل، لأن كلمة خادمة فضلا عن أنها كلمة مهينة، إلا أنها أيضا غير شاملة، لأنها تعنى فقط من تقوم بتنظيف المنزل، بينما الجمعية تستهدف أيضا جليسة الأطفال وراعية المسن ومعاونة المريض والطباخة.
∎ عمالة الأطفال
وعن شكاوى العاملات من استغلال مكاتب التخديم لهن تقول: إن تلك المكاتب وضعها غير قانونى وتعمل دون إشراف من قبل وزارة القوى العاملة، والحل هو سن قانون من قبل مجلس الشعب ينص على وضع هذه المكاتب تحت رقابة صارمة لتعمل وفق قواعد وشروط محددة وليس كما يحلو لها.
أما عن موقف الجمعية من عمل الأطفال خاصة مع تدنى المستوى الاقتصادى، ولجوء بعض الأهالى سواء من الريف أو المناطق الشعبية إلى الدفع بهؤلاء الأطفال كخادمات لرفع مستوى المعيشة فتقول: هناك طرفان لهذه القضية الأول هو الأهل فعليهم أن يعلموا جيدا أنه لا يجوز أن يتم إجبار شخص على العمل دون الثامنة عشرة، لأن هذا يعد جريمة إتجار بالبشر يعاقب عليها القانون طبقا للمواثيق الدولية مع العلم أن مصر موقعة على اتفاقية حظر الإتجار بالبشر، وأصدرت قانوناً بخصوص هذا الشأن إلا أن آليات تطبيقه غير مفعلة.
أما الطرف الثانى فهو الأسر التى تقوم باستقدام هؤلاء الأطفال من الريف أو المناطق الشعبية للعمل لديهم كخادمات، فأنا أخاطب فيهم الضمير الإنسانى حتماً لا يقبلن بهذا الشكل من العبودية المقنعة، وسوف تركز الجمعية على الإعلام من خلال حملات إعلامية نوجه رسالة من خلالها إلى ربات البيوت بأن لا يقبلن بتشغيل الأطفال الأقل من 81عاما إضافة إلى التعامل مع الخادمات بوجه عام بالشكل الإنسانى الذى يضمن للعاملة حقها كإنسانة بداية من المعاملة الطيبة التى تحفظ الكرامة، مرورا بإيجاد مكان إنسانى مخصص لها للنوم والراحة، وصولا إلى تخصيص وقت من اليوم يكون ملكا للعاملة لا أن تكون متاحة للخدمة طيلة اليوم.
أما عن الآليات التى من خلالها ستعرف الخادمة المصرية فى أى مكان على أرض مصر بأن هناك كيانا متمثلا فى الجمعية يدافع عن حقوقها المسلوبة تقول أننا نعمل مع جمعيات خيرية فى مناطق مثل قلعة الكبش وعزبة الهجانة وغيرهما من المناطق الفقيرة والتى وجدنا أنه يسكنها عدد كبير من العاملات فى البيوت، لذا فسوف نتعاون مع هذه الجمعيات لتصبح همزة وصل بيننا وبين هؤلاء العاملات، إلى جانب مجهود العاملات من مؤسسات الجمعية التى نقوم بتدريبهن على فنون التواصل مع غيرهن من العاملات لضمان انتشار فكرة الجمعية بأقصى سرعة.
∎ انتهاكات نفسية وجسدية
وعن علاقة مؤسسة الشباب للتطوير والتنمية الشاملة بالجمعية الأهلية للخادمات، يقول عبدالرازق أبو العلا مدير المشروع بمؤسسة الشهاب: إن المؤسسة التى تعنى بتنمية وتطوير منطقة عزبة الهجانة وجدت أن كثيراً من الأسر فى عزبة الهجانة يعولها نساء، والغالبية منهن يعملن بالعمل المنزلى، ويتعرضن لكثير من الظلم والانتهاكات النفسية والجسدية، دون أى مظلة قانونية حيث يستثنى قانون العمل العاملات فى المنازل من نصوصه إلى جانب عدم وجود أى كيان تنظيمى يجلب لهن حقوقهن المسلوبة سواء المادية أو المعنوية، وقد بدأ تفكير مؤسسة الشهاب فى إيجاد تلك المظلة منذ سنتين، حيث قمنا بعمل مشروع «تحسين السياسات العامة للدفاع عن عاملات المنازل» وذلك بالاشتراك مع الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالدعم من هيئة الأممالمتحدة وسعينا جميعا منذ ذلك الوقت إلى إنشاء حوار مجتمعى مع الأطراف الحكومية وغير الحكومية وكانت أول قضية تبناها المشروع آنذاك هى قضية عاملة تم اتهامها زورا بسرقة مجوهرات ثمينة كرد فعل من مخدوميها لعدم رغبتها فى استكمال العمل لديهم، وتم تعذيبها وضربها داخل قسم الشرطة لإجبارها على الاعتراف، لكننا وفرنا لها الحماية القانونية اللازمة التى أثبتت أن الاتهام باطل، وأنه لم يسرق من تلك الأسرة أى مجوهرات، وتوالت القضايا حتى استطعنا وبحمد لله تأسيس هذه الجمعية منذ تسعة أشهر، والتى تتخذ من عزبة الهجانة مقرا رئيسيا لها بالإضافة إلى مقرها الفرعى بحلوان، وقد بدأت الجمعية بسبعة عشر سيدة من العاملات بالمنازل كأعضاء مؤسسين، واليوم يبلغ عددهن اثنى وثلاثين سيدة يتم تدريبهن على مهارات التواصل والضغط والتعبئة والتخطيط الاستراتيجى، حتى نضمن انتشار الفكرة داخل وسط العاملات المنزليات بشكل سريع.