الرئيس.. من «جمهورية الخوف» إلى «وطن الاستقرار»    صور | «العمل» تجري اختبارات للمرشحين لوظائف بالأردن في مجالات الزراعة    نشأت الديهي: اجتماع الرئيس السيسي اليوم الأخطر والأهم في 2025    أخبار اليوم توقع إتفاقية تعاون مع الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا في قمة الإبداع الإعلامي للشباب    الدقهلية: إغلاق مطعم عز المنوفي بالمنصورة لممارسة نشاط بدون ترخيص ومخالفة الاشتراطات الصحية    تقرير عبري: الحوثيون ينشرون أسلحة متطورة في منطقة البحر الأحمر    وزيرا خارجية السعودية والإمارات يبحثان هاتفيا المستجدات الإقليمية    فريق يد الزمالك يغادر إلى رومانيا لخوض معسكر خارجي    قرار جديد بشأن البلوجر علاء الساحر في واقعة فيديو تعذيب شخص    العلاقات... هل لها عمر؟    وكيل صحة الإسكندرية يناقش تطوير الخدمات الطبية ورفع كفاءة الأداء بالمستشفيات    تحصين 41.829 من رؤوس الماشية ضد الحمى القلاعية بالإسماعيلية    محافظ مطروح يعترض لوعكة صحية مفاجئة بالقاهرة    إغلاق 8 مراكز غير مرخصة لعلاج الإدمان والطب النفسي بالجيزة (تفاصيل)    «صحة الإسكندرية»: إعداد خطط تطوير شاملة للمستشفيات وتفعيل غرف منسقي الطوارئ (صور)    جولات تفقدية لرئيس مياه الشرب والصرف بأسوان لمتابعة المحطات والروافع في ظل ارتفاع الحرارة    أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    «البترول» تواصل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر أغسطس 2025    عبد اللطيف منيع يعود للقاهرة بعد معسكر مكثف بالصين استعدادًا لبطولة العالم المقبلة    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    جامعة المنصورة تُشارك في مبادرة "كن مستعدًا" لتأهيل الطلاب والخريجين    تحقيقات واقعة "فتيات الواحات".. الضحية الثانية تروى لحظات الرعب قبل التصادم    «الأمل موجود بشرط».. خالد الغندور يوجه رسالة ل كهربا    التشكيل الرسمي لمواجهة تشيلسي وكريستال بالاس في الدوري الإنجليزي    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    المفتي السابق يحسم جدل شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    ريال مدريد يخطط لبيع رودريجو لتمويل صفقات كبرى من البريميرليج    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    وزير الثقافة يعلن عن بدء الاستعدادات لإطلاق مؤتمر وطني عن الذكاء الاصطناعي    وزير السياحة: ضوابط جديدة للمكاتب الصحية بالفنادق.. وافتتاح تاريخي للمتحف المصري الكبير نوفمبر المقبل    جوان ألفينا يبدأ مشواره مع الزمالك بأداء واعد أمام المقاولون العرب    العراق: مهمة بعثة التحالف الدولي تنتهي في سبتمبر    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    توجيهات حاسمة من السيسي لوزيري الداخلية والاتصالات    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    مهرجان شرم الشيخ للمسرح يعلن تفاصيل مسابقة «أبو الحسن سلام» للبحث العلمي    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    مقتل 3 وإصابة 8 آخرين في إطلاق نار بحي بروكلين بولاية نيويورك الأمريكية    فيضان مفاجئ في شمال الصين يخلف 8 قتلى و4 مفقودين    اللواء محمد إبراهيم الدويري: أوهام «إسرائيل الكبرى» لن تتحقق وتصريحات نتنياهو تدق ناقوس الخطر عربياً    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    خبير دولي: مصر أحبطت مخطط تصفية القضية الفلسطينية باستراتيجية متكاملة    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    موعد آخر موجة حارة في صيف 2025.. الأرصاد تكشف حقيقة بداية الخريف    دعوى قضائية أمريكية تتهم منصة روبلوكس ب"تسهيل استغلال الأطفال"    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بون سواريه» فيلم ينقصه فيلم
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 06 - 01 - 2011

ثلاثة مهرجانات سينمائية تابعت كلها أكثر من مائتي فيلم تطرح عشرات القضايا والمشكلات التي تمس مصير البشرية في صراع نبيل من أجل الحق والحب والبقاء، كلها تبخرت وأنا أشاهد فيلم.. «بون سواريه»، الذي اصابني بصدمة الارتطام بعمود كهرباء، فهو كابوس فني يكشف أسباب تردي مستوي العروض السينمائية واصابة الصناعة بكل الأمراض!
فكرة الفيلم
الفيلم يقدم توليفة غنية بمشاهد الرقص والإضحاك، وتدور فكرته حول صراع ثلاث فتيات علي ميراث والدهن، إذ اكتشفن فجأة أن والدهن رجل الأعمال الذي توفي لم يترك لهن إلا المشاكل فقد كان في الظاهر شخصًا محترمًا وفي الباطن مجرد «مرابي» يقترض الأموال من البنوك ثم يمنحها للناس بفائدة أعلي وقد صنع ثروته كلها من هذا المال الحرام ..أولاً لأنه سرق أموال البنوك ولم يسددها وثانيًا لأنه يتاجر باحتياج الناس للمال ويفرض عليهم الفائدة عشرات الأضعاف، وتصطدم الفتيات الثلاث بأزمة كبيرة تجعلهن يقفن عند مفترق الطرق وتصبح ردود أفعالهن اتجاه هذه الثروة متناقضة وخاصة بعد أن تحجز البنوك علي مصنع والدهن ولا يتبقي لهن إلا كباريه يحمل اسم «بون سواريه».
الكاتب محمود أبو زيد قدم من قبل، أفلام «العار» و«الذل» و«جري الوحوش» و«الكيف» فكلها تتمحور حول صراع البشر علي المال إلا أنه استبدل ابطال «العار» الثلاثة بفتيات ثلاث ليرصد تفاعلات النفس الإنسانية مع النزوع نحو الزيف والباطل والشر، وكيف يمزق الطمع أصحابه قبل أن يصطدم بالحقيقة التي تؤكد أن المال في النهاية لم يكن إلا وهمًا أو بحرًا من سراب.
وإذا كان محمود أبو زيد يتعمد التركيز علي هذه الفكرة في كل أفلامه فإنه في «بون سواريه» يعتمد علي «قلب الشراب» لأنه لم يطور فكرة الفيلم بل تجد أن فكرة وجود الخواجة في المجتمع المصري هي من الرواسب القديمة لأفلام الخمسينيات من القرن الماضي، كما أن هناك فجوة كبيرة بين قصة الفيلم وأدوات تنفيذه علي الشاشة لأن هدف محمود أبو زيد يتمثل في رصد تناقضات النفس الإنسانية إلا أن الفيلم يبدأ من هذا الاتجاه ولا يسير فيه بل يخرج عن القضبان، وتكتشف أن القصة ما هي إلا إطار يربط مجموعة من الأغاني والاستعراضات ويقدمها بشكل فظ يكاد يشوش علي الفكرة الأساسية للفيلم. وبحاسة الناقد يمكن أن تكتشف أيضًا أن هناك خللاً ما لأن شخصية السبكي تطل من خلف الأحداث حيث يكرر القوالب المصنوعة التي سبق أن قدمها من استعراضات هزيلة وأغان سوقية واسكتشات كوميدية لا يتخلي عنها في أي من أفلامه بالإضافة إلي اللعب علي وتر الإغراء و«الإيحاءات الأبيحة»، وليس هذا فقط بل أيضًا افتعال الأحداث والتفافها بلا أي منطق فنحن نجاهد عقولنا لنتوصل إلي النسق الدرامي الذي يجمع مالا يجتمع من المشاهد والمشهيات التي حشرت في سياق الفيلم دون أن يقوم المخرج بتوظيفها فمن موقف إلي آخر يتابع المشاهد فيلما أشبه بسهرة منوعات.
ونتيجة هذا الخلل الفني يصبح من الصعب أن يمسك المشاهد بالرسالة التي يتبناها الفيلم فهو يهاجم مدرسة اللغة العربية الداعية إلي الصون والعفاف ويسخر من عقلها وطريقتها في الكلام وفي نفس الوقت لا يرضي عن الأخت الكبري هدي التي فشلت في الدراسة واتجهت للعمل في الكباريه، وفي الوقت الذي يبدأ خلاله الفيلم بجزء تمهيدي يتحول نطاق الأحداث إلي فيلم آخر وكأننا أمام فيلمين تم التلفيق بينهما بلا أي اتساق.
إن شخصية «الراقصة» التي تؤديها مروة يمكن أن تحذف من الفيلم دون أن يتأثر سياق الأحداث، فقد تم الزج بهذه الشخصية دون أن يكون لها أي رابط أو داع إلا مجرد تزويد الفيلم بعدد من المشاهد المثيرة التي تجذب اهتمام وفضول الشباب.
الأداء التمثيلي
تخلت غادة عبدالرازق عن الأدوار ذات الثقل الفني وبدأت تقدم نفسها للجمهور بطريقة أخري تهتم خلالها بمظهرها الخارجي أكثر ما تهتم بالأداء فالهدف هو اللعب علي الإثارة والإغراء وقد جسدت غادة شخصية المرأة المطلقة التي لا تهتم إلا برغباتها الارستقراطية وحبها لنفسها وجمالها الأنثوي الأخاذ بل التشدق بالكلمات الأجنبية بطريقة كوميدية.
وتقابلها في بناء الفيلم شخصية الأخت الصغري «إيمان» والتي تجسد دورها مي كساب وهي تؤدي شخصية مدرسة اللغة العربية التي لا تكف عن تقمص روح الشعر القديم والتمسك بالمبادئ والقيم والأخلاق ومن بين هذين الاتجاهين المتعارضين تقف الأخت الوسطي المحامية التي تجسد شخصيتها ملكة جمال الشواطئ «نهلة زكي»، فهي تساند شقيقتها الصغري حينًا وشقيقتها الكبري أحيانًا، وذلك رغم أنها أقلهن علي مستوي الأداء التمثيلي حيث تتعامل مع المواقف والأحداث بوجه خال من أي انفعال، إلا أن المشهد الرئيسي للفيلم هو عندما ناقشا فكرة الحرام والحلال حيث تتهم مي كساب شقيقتها في الفيلم بأنها غير راضية عن رجوعها مع أختها كل يوم في «وش الصبح»، وأن الناس بدأت تتحدث عن هذا الانفلات فترد عليها غادة عبدالرازق بأنه «لولا الكباريه لأصبحنا مرميين في الشارع».
في هذا المشهد تصر كل واحدة علي موقفها اعتقادًا منها بأنها علي حق وتظهر عليهما تعبيرات الانفعال، ويكاد يكون هذا المشهد هو الذي يتضمن التمثيل بحق وما عداه مجموعة من الافيهات والحركات الأقرب إلي الاستعراض المسرحي، وليس في الفيلم اهتمام بقدرات الممثل وطاقاته الفنية، بل بطريقته في استكمال اسكتشات التسلية والترفيه والإضحاك.
الأغاني
يقدم الفيلم أغنياته من باب الرحمة بالمشاهدين ولينقذهم من مشاهد «الهلوسة» التي تنزل فجأة بمستوي الحوار إلي حد الإسفاف والردح المتبادل والذي يستعين بأقبح الألفاظ وهنا يفلت الفيلم من هويته السينمائية ويرتمي في أحضان الحضور المسرحي حيث تتراجع الرؤية البصرية وتحل محلها العديد من الحوارات التي لا هم لها إلا لفت أنظار المتفرج وانتزاع ضحكاته ولو أغمضت عينيك وأنت تشاهد الفيلم لما تأثرت كثيراً، فلا ديكورات ولا تنويعات جمالية تضيف عمقاً للأحداث أو حتي ترتفع بها إلي حدود الرمز والإيماء بل عدد من الأغاني التي ليس لها علاقة بالفيلم تم تجميعها من الأفلام القديمة والسطو علي كلماتها وربما ألحانها أيضا والاستعانة بأغنية شعبية لتكمل هذا الإطار وبغض النظر عن أغنية «سلامتك يا دماغي» نواجه عاصفة أخري من الأغاني التي تفقد الطعم واللون والرائحة والتي تصر مروي علي أدائها وهي أغان عامرة بالابتذال والاسفاف كما أنك تفاجأ داخل سياق الفيلم بإعادة أغنية الفنانة ماجدة «حطة يا بطة» مع تغيير كلماتها بصورة مستفزة وكذلك اقتباس اللحن الخاص بأغنية مها صبري «دقوا المزازيك» وتحويلها إلي أغنية جديدة بعنوان «الهانس في الدنص» وهذا ليس فناً وإنما قتل لأي مساحة إبداع.
إخراج مسلوق.. وسطحية واستخفاف بعقل المشاهد
تغيب شخصية المخرج أحمد عواض في الفيلم فلا يقدم لنا رؤية بصرية تتفهم روح القضية المطروحة بل يكتفي بتنفيذ رؤية السبكي الذي يشارك أيضا في توجيه دفة الإخراج واستغلال كل مواهب الفنانات ما عدا التمثيل والأداء ويعاني الفيلم مشكلة في المونتاج لأن الاستعراضات ومشاهد التسلية والترفيه تقطع سير الأحداث بشكل مفاجئ وأحيانا نجد مشهدين متعارضين في المضمون ففي الوقت الذي تؤكد خلاله مي كساب لطلابها أن الغني بنفسه وليس بماله يأتي والدها في المشهد الذي يليه ليؤكد للخواجة أن هذا عندهم في اليونان ونكتشف أنه يتحدث في موضوع آخر وهو الحفاظ علي البنات من غدر الرجال ولا نريد أن نحمل الفيلم أكثر مما يحتمل لأنه يحتوي علي العديد من أخطاء الإخراج.
إفساد الذوق العام
فيلم «بون سواريه» نموذج لوقوع الفن السينمائي المصري تحت طائلة العبث والاتجار فهو لا يتعرض لمشكلة إنسانية يثري بها الواقع السينمائي علي مستوي الفن والأداء بل يقترب بشكل كبير نحو أفلام المقاولات التي يكون الهدف منها هو تزويد المحطات الفضائية بالأعمال وإذا كان السبكية لهم باع طويل في هذه النوعية من الأفلام التي بدأوها منذ الثمانينيات، فإنهم يواصلون المسيرة تبعاً لمقتضيات الوقت الراهن غير أن الفيلم يمكن أن توجه إليه تهمة إفساد الذوق العام لأنه يخرب كل شيء جميل ويسخر من القيم ويشوه الأفكار.
ولا يتوقف التشويه عند هذا الحد بل يمتد إلي ازدراء العقائد والمقدسات ففي داخل الكازينو يطلق عادل الفار نكتة خشنة عن نطق الشهادة التي لم تعد تعني التوحيد بل يفاجئنا بأنها «دبلوم صنايع» كما أن الأخت التي تحاول أن تنقذ اختيها الإخريين من الوقوع في مستنقع الكباريهات يصنفها الفيلم بأنها «يوسف وهبي» وكأن عميد المسرح العربي قد صار عنواناً للاستهزاء ويتم وصف الفتاتين داخل الفيلم بأنهما «اليتيمتان الداخلتان إلي النار» والفيلم كله عبارات مساطيل لا تقدر قيمة ولا تراعي أي هامش من الإنسانية فكيف تسمح الرقابة لهذا العمل أن يخرج بهذه الصورة التي تدوس بأقدامها علي مأساة اليتم والفن والقيم والأخلاق وهل نترك للسبكي مهمة تشكيل وعي الأطفال الصغار وفق قاموس الكباريهات!
لابد من وضع سقف فني لمستوي الأفلام لا تقبل الرقابة علي المصنفات الفنية بأي فيلم دون مستواه لأن إطلاق العنان للنزعات التجارية لا يفيد الصناعة بأي حال من الأحوال ففي السنوات العشر الأخيرة بدأت السينما المصرية في الانهيار من خلال أفلام الدم والعنف والقتال وها هنا نصل إلي محطة أفلام «الهلوسة» فمن يوقف هذا التدهور والانحدار؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.