ما هو الحدث العالمي الأبرز الذي يجمع بين العام المنصرم 2010 والعام الجديد 2011؟ في تصوري هو نجاح فيروس Stuxnet في تخريب مجمل المنظومة الالكترونية لمعمل تخصيب اليورانيوم في إيران، علي بعد 30 كيلو مترًا من مدينة نطنز، والذي يعد أحد أهم مواقع البنية التحتية في برنامج إيران النووي. اللافت للنظر أن لجنة الطاقة النووية الإيرانية لم تعلق علي الحادث، واكتفت بالإعلان عن «إغلاق المعمل لمدة قصيرة»، فقد اعتدنا علي مبالغة طهران الرسمية في إبراز أمر عادي كتجديد أسلحة دفاعها الجوي وعتادها المضاد للدروع، ولكنها غالبا ما تلتزم الصمت في ما يتعلق بالهجوم الالكتروني علي مركزها النووي. قبل أيام نقلت وكالات الأنباء تصريحات موشي يعلون رئيس الوزراء ورئيس الأركان الإسرائيلي السابق بأن: "أمام الولاياتالمتحدة وحلفائها ثلاث سنوات لكبح جماح البرنامج النووي الإيراني الذي مني بانتكاسة، نتيجة صعوبات فنية.. موضحا أن إيران تملك حاليا بالفعل القدرة علي صنع قنبلة نووية بنفسها". فما الذي حدث، ووصفه يعلون بالانتكاسة؟ صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية نشرت في ملحقها الأسبوعي للشئون العسكرية مقالا تحت عنوان "الحرب الالكترونية لم تبدأ البارحة، ولن تضع أوزارها غدا" جاء فيه : أن الخبير الألماني البارز في الأمن الحاسوبي رالف لانغر، أكد بأننا " نشهد في إيران أول حرب الكترونية حقيقية في التاريخ". في نفس الوقت الذي لا يبدي الإيرانيون استعدادا للبحث في مقتل البروفيسور مجيد شهرياري المتخصص بمكافحة فيروس Stuxnet. معروف أن هذا الفيزيائي الإيراني البارز - حسب كاتب المقال - الذي اغتيل بتاريخ 29 نوفمبر 2010 كان يعمل علي حل مشكلة التصدي لهذا الفيروس بغية حماية مجمع أجهزة الطرد المركزي الخاصة بتخصيب اليورانيوم في نطنز. أما البروفيسور فريدون عباسي دواني الذي جرح في عملية الاغتيال نفسها، فكان يعمل في مجال فيزياء الليزر بوصفه موظفا لدي وزارة الدفاع الإيرانية. ويذكر أن البروفيسور المتخصص بالفيزياء النووية في جامعة طهران مسعود علي محمدي كان قد قتل نتيجة انفجار في يناير 2010، للوهلة الأولي تبدو منطقية تماما تلك الآراء التي تقول إن للإسرائيليين يدا في اقتحام فيروس Stuxnet مجال إيران الحاسوبي، وفي مقتل عالمي الفيزياء الإيرانيين، فمن المعروف أن إسرائيل أقدمت علي تدمير المفاعل النووي السوري. وكان الإسرائيليون قد قاموا أولا بعملية تخريب حاسوبية، ومن ثم شنت طائراتهم غارة علي المفاعل ودمرته. غير أن الوضع فيما يتعلق بإيران مختلف كل الاختلاف، فالرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما لا رغبة لديه بخوض الحرب خدمة لمصالح إسرائيل، وعلي الرغم من أن واشنطن تدرك مدي الخطورة التي سيشكلها آيات الله في حال امتلاكهم السلاح النووي، فإن الإدارة الأمريكية الحالية لم تقرر حتي الآن حل المشكلة بواسطة الحرب، لكن إذا كانت أمريكا ضد انتهاك الطيران الإسرائيلي المجال الجوي لدولة تهدد إسرائيل بالدمار، فهي لم تحرم اقتحام مجال إيران الالكتروني. وللقيام بمثل هذا الاقتحام، اي لإطلاق فيروسات كمبيوترية، تم في جيش إسرائيل وأجهزة استخباراتها تشكيل "قوات كمبيوترية خاصة "، كما تؤكد الصحيفة الروسية. في هذا السياق أعلن رئيس جهاز "أمان" (الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية) عاموس يادلين عن استعداد بلاده للحرب الالكترونية، ومع ذلك فإن مهام المقاتلين "الحاسوبيين" لا تتضمن قتل العلماء الإيرانيين. وحسب ما يؤكد المقال: من السخف بالنسبة للإسرائيليين المتقدمين جدا في مجال الالكترون والحرب الالكترونية، أن يقدموا علي قتل علماء فيزياء في دولة ليست صديقة منطقة جنوب شرق إيران المتاخمة لأفغانستان وباكستان، لكنها ليست في حالة مواجهة مع الدولة العبرية. وبالتالي يبقي السؤال مطروحا، وهو: من ولمَ قتل العالمين الإيرانيين علي محمدي وشهرياري، وحاول اغتيال البروفيسور الإيراني الآخر عباس دواني؟ موقع ويكيليكس نشر مؤخرا أن من مصلحة دول عربية خليجية الحيلولة بأي ثمن كان دون حصول طهران علي السلاح النووي. وأن أجهزة استخبارات دولة خليجية كبري مستمرة في اتصالاتها مع الإسرائيليين "كاستشارات" في الأردن، بمشاركة مدير الموساد ومسئول الاستخبارات في هذه الدولة، أما المسألة الرئيسية لهذه اللقاءات فهي دائما وأبدا المشكلة الإيرانية. كاتب المقال في صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية يلمح إلي أن ما يثير الاهتمام اليوم أمر آخر، هو احتمال التعاون بين تل ابيب وهذه الدولة الخليجية في صنع الفيروس Stuxnet . ويؤكد الخبير الألماني رالف لانغر أن أكثر من خمسين شخصا عملوا عدة سنوات علي صنع هذا الفيروس. وينقل المراقب الفرنسي المرموق بيير شامبونيه في صحيفة "لو تمب"، عن لانغر "أن إسرائيل لم تعمل وحيدة لصنع هذا الفيروس، بل انه جاء نتيجة جهود عدة دول".