ثقافة التشكك هي من الأنواع المستحدثة في الثقافة العربية خاصة في مصر أم الدنيا وبنت العرب وحفيدة الفراعين، تلك الثقافة طغت علي كل أفكار الفلاسفة حينما قالوا إن الشك أبو اليقين، وأن الشك طريق الحقيقة بل وأنا اشك إذن أنا موجود علي مدار الساعة وعلي جميع الصفحات وكل القنوات!!، ووصل الأمر إلي حد أن الشاعر العنتيل قال أكاد أشك فيك وأنت مني ، ياسلام لهذه الدرجة يبدأ الشك في الذات؟!، أما التشكك فهو استدعاء لكل قوي الشك ومعها كل قوي الشر في مواجهة حقائق الأمور ويتقلب الإنسان علي جمر النار ولا يعرف أين تكون الحقيقة، هذا ما هو وارد في قطاعات الحياة كلها ، في التعليم والإعلام ، في الرياضة وفي السياسة ، في المال والأعمال. في التعليم يشك الطلبة في ذمة الأساتذة ويشك الجميع في كفاءة الكتب الحكومية ويتشكك الكل في مضمون التعليم ثم يشك الناس في نظام التعليم وفي الثانوية غير الهامة وفي النتائج بل ويرفعون القضايا لإعادة التصحيح ، ويتشكك أهل التعليم في تطوير التعليم وفي نظام الجودة وبالمناسبة فهو أحد الأنظمة المستوردة من الغرب ولا ينطبق علي حال هذا الوطن؟!، ويتشكك أولياء الأمور في المدارس الحكومية ونتائج أبنائهم وفي كتب الوزارة بل وفي مستقبل الشهادات التي يحصلون عليها والكل يصرخ بأن تصحيح الأوراق باطل وأن المدرسين ليسوا من البشر. في الإعلام يتشكك جميع المواطنين في كثير من الأخبار وفي تحليلات وتعليقات ومقابلات ما يطلق عليهم صفة خبير أو مستشار أو متخصص في شئون حب العزيز والدرة المشوية والحلبسة وربما الكشري أيضا!!، بدأ الناس يتشككون في القنوات المحلية فلجأ البعض للفضائية، لم يقتنع الكثيرون بما ورد علي صفحات الجرائد القومية فتحول إلي الصحف المسماة بالمستقلة عزوفا عن صحف الأحزاب التي لا تنشر سوي النقد لكل ماهو حكومي، يحتار القارئ والسامع والمشاهد فيما يحدث ومن هنا تجد الشائعات مرتعا خصبا للانتشار ويقع الناس صرعي من ذلك الإعلام المغلوط. في القضاء يتم التشكك في غالب الأحيان خاصة عندما تقوم الدنيا ولا تقعد عند حادث معين ويجري وراءه كل المخبرين ويصدر الحكم في القضية لا فرق بين كونه حكما مخففا أو حكما جسيما سيان وتبدأ أصوات التشكك حول الحكم وخلفياته، حدث هذا في حالة الشاب الذي مات في الإسكندرية وتشكك البعض في الواقعة وفي ذمة جهات التحقيق وفي تقارير الطب الشرعي وفي أداء الأجهزة القضائية ويعوم كثير من المعارضين علي عوم القضية فتحولت إلي سياسة تبنتها المعارضة خاصة معارضة الهتافين وجمعية محبي التغيير وكل ما هو ضد التوريث أو التمديد أو شعار صنع بمصر ولا بد من الشكوي لأمريكا والأمم المتحدة وحقوق الإنسان وجمعيات الرفق بالمواطنين؟! في رأس المال يبدأ الرجل ممارسة العمل في هدوء وبعد فترة يزداد الكلام وتزداد الأرقام ويكثر اللغط عن مصدر تلك الزيادات الفاحشة في رأس المال وينهمر التشكك حول الرجل والربط بين الثراء والانحراف وبين المال والممنوعات وبين الغني والانحلال وبين الثروة والسلطة ويصبح كل ثري متهمًا وكل غني فاجرًا وكل المال من حرام حتي لو قام بتوزيعه علي باب الطاهرة أم هاشم وباب سيد الشهداء فهو مشبوه في أصل ماله؟! في الرياضة لابد من التشكك في نتيجة المباراة وفي صحة الأهداف وفي ذمة طاقم الحكام بل وفي أجر المدربين بل وفي أثمان اللاعبين ونستدعي الأجانب للتدريب وللتحكيم بل وللتهديف، وربما يتعاطي المنشطات وجميع اللاعبين من الناشطين ليلا ولهم صداقات عديدة منها هواة الأدخنة أو فتيات الألعاب الحرة؟!، وكيف يتم تقسيم الأموال بين اللاعب والبائع والمشتري وبين النادي والسمسار كما لو كان الجميع في سوق البهائم المنعقد كل أسبوع في بهتيم أو مزغونة!