بمجرد ذكر كلمة قراصنة تأتي الأذهان صورة خيالية تجسدت بفعل أدب الراحل روبرت لويس ستيفنسون في روايته "جزيرة الكنز" لشخص بعصابة علي إحدي العينين وذراع خطافية يبحث عن الذهب بينما يقف الببغاء علي كفته إلا أن القراصنة الحقيقيين الذين عاشوا بين القرنين السادس عشر والثامن عشر جنوب البحر المتوسط كانوا بالأصل تجاراً يحاولون السيطرة علي نطاق تجارتهم ويشنون الحروب ويزعزعون استقرار الدول التي يحلون علي شواطئها، ولم يكن القراصنة من أصل أفريقي من الساحل البربري فقط بل كان هناك قراصنة بريطانيون ينخرطون مع الأفارقة ويشنون الحروب بدورهم. في كتابه "قراصنة الساحل البربري: القراصنة والفتوحات والأسر في القرن السابع عشر في البحر المتوسط" يرصد أدريان تينيسوود حياة القراصنة في ذلك الوقت كما يتحدث بالتفصيل عن عدد من الشخصيات الشريرة وسيئة السمعة بعضها مشهور ومذكور في كتب التاريخ والبعض الآخر غير معروف علي الإطلاق إلا أنهم جميعا خاضوا معارك عنيفة ودامية وشنوا حروبا بشعة بخطط وأساليب باتت حجر أساس عمليات القرصنة التي أصبحت نشاطا واسعا فيما بعد. ويقول تينيسوود أنه في أوائل القرن التاسع عشر لعبت الولاياتالمتحدة دورا كبيرا في القضاء علي القراصنة البربر الذين نشروا الذعر في منطقة البحر المتوسط من قواعدهم في الجزائروتونس وطرابلس والمغرب حيث بلغت قوتهم ذروتها في القرن السابع عشر. ولأن الدول علي الساحل البربري كانت إسلامية وكان معظم الضحايا من المسيحيين فقد تم تفسير الصراع بين الجانبين علي أنه صراع بين الحضارات كما كان ينظر للقراصنة علي أنهم مجاهدون كرسوا أنفسهم للجهاد في البحر ضد التعديات المسيحية ولكن بتجريد النشاط من القشرة الدينية التي تم إضفاؤها علي القراصنة، يتضح أن الأمر لا يتعدي كونه مطامع شخصية وحروباً تجارية واسعة النطاق ومتعددة الجنسيات يحمل بعضها أهدافا سياسية. ويشير تينيسوود إلي أن القرصنة كانت "بيزنس" البريطانيين في وقت من الأوقات خاصة ضد الأعداء من الساحل المغربي في طنجة حتي اصدر الملك جيمس الأول قانونه الذي قلب الموازين والذي كان يحظر القرصنة والاستيلاء علي سفن الأعداء وهي السياسة التي كانت الملكة إليزابيث الأولي قد أقرتها ودرت علي خزينة الإمبراطورية البريطانية أموالا طائلة، إلا أن عددا من البريطانيين خرجوا علي القانون واستأنفوا نشاطهم القديم الذي أقرته الملكة من قبل ومنهم جون وورد القرصان الإنجليزي المشهور الذي كون مجموعة من زملائه البحارة وانطلق في عملية الاستيلاء علي السفن التجارية وبيع الغنائم في شمال افريقيا والاتجاه بعد ذلك إلي تونس حيث كان حاكمها "الباي" يقر عمل القرصنة وكان القراصنة يدفعون له رسوما علي غنائمهم، وقد استطاع جون وورد تكوين ثروة طائلة وكان واحدا من أشهر القراصنة في ذلك الوقت، ومن البريطانيين الذين اشتهروا بالقرصنة كذلك هناك والتر رالي وفرانسيس دريك الين كانوا يستولون علي شحنات السكر والتوابل الإسبانية. ويصف تينسوود الحياة علي متن قارب القراصنة بالمخيفة فطعامهم سيئ ومضاجعهم باردة ومليئة بالحشرات واشتباكاتهم كانت دامية ويائسة لأن الخاسرين كانوا عرضة للاسترقاق والإذلال، ويؤكد تينسوود علي أن حظر جيمس الأول للقرصنة حمل تأثيرا مضرا للتجارة وترك جنوب بريطانيا تحت رحمة القراصنة، وفي 1612 أصدر الملك عفوه عن القراصنة البريطانيين وكلفهم بتدمير القراصنة الأتراك والمغاربة حول مواني الجزائر وطرابلس وتونس، حيث تم كسر كل هدنة عقدت مع الباشاوات في ذلك الوقت، فقد كان القراصنة يأسرون المواطنين الأجانب ويتفاوضون عليهم حيث كانت الفدية تصل في بعض الأحيان إلي 1000 جنيه إسترليني تدفعه الحكومة البريطانية لاستعادة مواطنيها. يعكس كتاب تينسوود التاريخ المعاصر الذي عادت فيه القرصنة لتتصدر الأحداث فالقراصنة الصوماليون يسيطرون الآن علي السواحل الغربية في افريقيا ويبدو العالم عاجزا عن التصدي لهم تماما كما كان في الماضي.