إذا توافقت القوي السياسية المختلفة، بل فلنقل المتنازعة والمتنافرة علي رجل لقيادة حكومة ائتلافية، فإن هذا الرجل سيجد نفسه مضطرًا لاتخاذ مواقف وقرارات والالتزام بسياسات تشجع علي استمرار هذا التوافق، وتهدئ من انزعاج قوة أو مجموعة قوي سياسية من احتمال انحيازه لقوة أو قوي أخري، أو احتمال تحيزه لأفكار ومبادئ ومواقف كتلته وقوته السياسية التي يتزعمها. هذا ينطبق بدقة علي موقف رئيس الوزراء العراقي الجديد نوري المالكي، الذي توافق عليه أولاً الأمريكان والإيرانيون ليتولي رئاسة الحكومة، وكلاهما صاحب نفوذ واضح في العراق، الأمريكان من خلال قواتهم الموجودة علي الأراضي العراقية.. والإيرانيون من خلال شبكة علاقات وثيقة تربطهم بتنظيمات شيعية عراقية. ولذلك.. أتفهم أن يسعي المالكي إلي طمأنة كل من الأمريكان والإيرانيين علي السواء بشكل دائم ومستمر علي أنه لن ينحاز إلي أي منهما حتي لا يثير انزعاجهما.. فالأمريكان يخشون كما قال المالكي مؤخرًا أن يسعي المالكي لتوثيق علاقات العراق بإيران، مما يؤدي إلي زيادة نفوذ الإيرانيين فيه بعد الانسحاب الذي تقرر للقوات الأمريكية من العراق.. بينما الإيرانيون يخشون أن يستميل الأمريكان المالكي إلي جانبهم ولتأييد سياساتهم نظرًا لأنهم سوف يحتفظون بقوة عسكرية تتكون من نحو خمسين ألف جندي في العراق بعد سحب قواتهم منه.. ولعل هذا يفسر التصريحات التي أدلي بها المالكي مؤخرًا والتي قال فيها إنه في الوقت الذي يودع العراق القوات الأمريكية فإنه لن يسمح بالانسياق نحو التحالف مع إيران داخل حكومته.. وأضاف قائلا أيضاً جذب العراق إلي محور أو دائرة نفوذ معينة ضرب من المستحيل ونرفض هذا الأمر سواء تعلق بإيران أو تركيا أو العرب. ومفهوم بالطبع أن يسعي المالكي لطمأنة الأمريكان علي أنه لن يتحالف مع إيران، وحتي تركيا أيضًا.. لكن غير المفهوم بالمرة أنه ضم إليهم العرب أيضًا واعتبر انجذاب العراق إلي محور مع العرب ضربًا من المستحيل أيضًا. هنا.. يتعين علي العرب الذين يستعدون لعقد قمتهم الدورية المقبلة في الربيع المقبل داخل بغداد أن تكون لهم وقفة مع المالكي.. أليست العراق دولة عربية حتي الآن؟.. وألا تشارك في كل اجتماعات الجامعة العربية حتي ولو كان المشارك وزيرًا ينتمي إلي الأكراد؟.. وألا تلتزم العراق بالقرارات التي يتم اتخاذها في هذا الإطار العربي؟ فكيف إذن ينسلخ المالكي بالعراق عن العرب؟.. كيف يعتبر جذب العراق نحو العرب ضربًا من المستحيل، ويساوي في هذا الشأن بين الإيرانيين والأتراك والعرب؟ الأمر بات يحتاج من المالكي الذي حظيت حكومته بتأييد عربي أيضًا، وتلقي التهاني من القادة العرب علي نجاحه في تشكيلها، لتأكيد وضوح الطابع العربي لهذا البلد الشقيق، وإلا فما معني أن يستقبل القادة العرب في قمتهم المقبلة، بل ويصر علي ذلك، رغم بعض المخاوف التي أثيرت عن عدم استقرار الأوضاع الأمنية في العاصمة العراقية. ويتعين أن يسارع المالكي بإعلان هذا التأكيد بعروبة العراق مبكرًا، حتي يشجع القادة العرب علي المشاركة في القمة العربية، بدلاً من أن يحبطهم بما قاله.