الأيام المتبقية من العام كلها أعياد، ومنها العيد الماسي لكاتبك المفضل، نعم خمسة وسبعون عاما مرت علي وعلي الدنيا منذ تلك اللحظة التي هبطت فيها رأسي إلي الأرض، وهو العيد الذي يمر عادة مرة واحدة في حال أن تمكن من المرور بأي مخلوق. وفي الأعياد تكثر الحوادث السيئة، وهي عادة تحدث للآخرين وليس لنا ، غير أنها هذه المرة حدثت لي، هو نمط شهير جدا من الحوادث يحدث لكبار السن، يا لها من مأساة في مصر، أن تكون طفلا أو من كبار السن، أما الأصعب فهو أن تعترف بذلك، أخيرا فقدت توازني في الحمام، بكل ثقل جسمي وبالمناسبة جسمي وزنه أثقل بكثير من أفكاري اصطدمت رأسي بجدار البانيو صدمة مروعة فقدت بعدها الوعي للحظات، الجزء الأيمن من رأسي بالعين اليمني تلقي الصدمة، وفي لحظات كانت هناك كرة زرقاء فوق عيني، يا الهي.. من أين يأتي الجسم في لحظات بذلك اللون الأزرق القاتم الجميل، إنه لون النيلة أقدم صبغة في التاريخ استخدمها الفراعنة، الآن فقط عرفت درجة الزرقة التي يقصدها الإنسان عندما يصف شيئا بأنه منيل بستين نيلة. أنا أكتب لك الآن بعين واحدة، وليس معني ذلك أنني الآن أري نصف الحقيقة، فأنا أزعم ربما بدافع من الغرور أو الثقة الزائدة بالنفس إني أراها حتي وأنا مغمض العينين. ولكن ربما يشكل ذلك عبئا إضافيا علي المصحح. علي أية حال أنا أطلب من حضرتك أن تكون كريما إلي الدرجة التي تتمني لي فيها الشفاء العاجل وذلك لأعود بسرعة إلي إزعاج كل الأحزاب الموجودة بالإلحاح عليهم بأن يقوموا بمحو أمية المصريين. لا بأس.. لتستمر اللعبة علي هذا النحو المسلي، أنا أصيح وأنادي وأنتم تتظاهرون بأنكم لم تقرأوا أو تسمعوا شيئا في عملية استمتاع مذهلة بسقوط الهمة. في العيد الماسي أعود للطفولة الماسية، ونحن نلعب، من النادر أن يشعر طفل أنه أفضل من الآخرين، كما أنه من النادر أن تشعر أنت كطفل بأن هناك من هو أفضل منك، إلا في أحوال نادرة، أذكر واحدة منها، أذكر ذلك اليوم الذي جاء فيه الواد عبده ليلعب معنا، ملابسه كانت نظيفة شعره نظيف ومرتب، حتي طريقته في إلقاء البلي، كانت متحضرة، قال لي أحد الأطفال هامساً بإعجاب: الواد عبده بيعرف يكتب بالمشبك. يكتب بالمشبك؟.. حتي ذلك الوقت كنا نعرف حروف الكتابة مفردة، أ ب ت ث.. ولكننا لم نكن قد تعلمنا أن " نشبك " الحروف مع بعضها البعض، طبعا نستطيع أن نقرأها بصعوبة أما كتابتها «شبوكة» في بعضها البعض فأمر لم يحدث، ومع ذلك فالواد عبده يستطيع أن يشبكها في بعضها البعض بسهولة. هو يستطيع الكتابة.. يا له من مجد. لو أن من جاءوا بالطريقة الكلية في بداية خمسينيات القرن الماضي فكروا قليلا وأنا أعترف أن التفكير مهمة صعبة لكانوا قد اكتشفوا أن طريقتنا القديمة، كلية وجزئية أيضا، هي اتوماتيك وهي مانيوال أيضا، فعندما نقول ( زرع) فكل حرف في الكلمة مفرد أي جزئي أي تستطيع التعرف عليه بمفرده، بغض النظر عن وجوده بصحبة حروف أخري، وفي الوقت ذاته هو جزء من كيان كلي يشكل الفعل زرع. لنفرض أن الحرف يمثل الإنسان الفرد، وأن الكلمة تمثل الجماعة الكلية، ستكتشف بسهولة بأن الفرد له وجود واضح حتي بمعزل عن الكل. طريقتنا القديمة جزئية وكلية، ونجحت لمئات السنين في تعليمنا.