في الثالث من نوفمبر الماضي نشرت مقالا في صفحة الرأي بجريدة روز اليوسف الغراء تحت عنوان : " الولاياتالمتحدة والهند : من سيتحالف مع من؟ " ، بمناسبة جولة الرئيس أوباما في آسيا، التي زار فيها: الهند وإندونيسيا وكوريا الجنوبيةواليابان وغيرها . أكدت فيه أن تصريحات الرئيس أوباما خلال زيارته العام الماضي للصين أغضبت الهند بشدة، إذ قال: «ان الصين ستلعب دورا استراتيجيا في آسيا والعالم»، وهو ما اعتبرته الهند وقتئذ تهديدا مباشرا لها، خاصة أن هذا الدور في (آسيا) يعود إليها وحدها، كما كان من غير اللائق أن يتحدث الرئيس أوباما عن الصين (وهي الخصم والحكم في نفس الوقت) بوصفها قادرة علي الاضطلاع بدور في ( كشمير ) محل الصراع بين الهند وباكستان. لكن يبدو أن الرئيس أوباما كان محقا للغاية ، إذ كشفت حركة الأحداث في الشهر الأخير من عام 2010 أنه صاحب رؤية مستقبلية ثاقبة ... كيف ؟ لم تستطع أمريكا حتي نهاية عام 2010 استعادة ما خسرته من نمو اقتصادي بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، بينما استطاعت الصين خلال السنوات الثلاث الأخيرة زيادة حجم ناتجها القومي إلي ما يزيد علي 20% ، فضلا عن مساعدة دول جنوب شرق آسيا ( بروناي، اندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، برما، كمبوديا، لاوس، وفيتنام )، إضافة إلي اليابان وكوريا الجنوبية علي تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة دون خسائر كبيرة أومعدلات بطالة مرتفعة، وذلك خلاف ما حدث في أمريكا ومعظم دول أوروبا . سياسة الصين الاقتصادية تقوم علي التوسع في الاستثمارات الخارجية بهدف تأمين احتياجاتها المتزايدة من المواد الخام والطاقة والمنتجات الزراعية والأسواق التجارية، واستخدام ما لديها من فوائض مالية لتمكين شركاتها الوطنية من التمركز في أهم الأسواق الاستهلاكية في العالم . وهي علي استعداد للعمل في أي مكان، في ظل أية ظروف، والتعامل مع أي نظام كان، شريطة أن يكون الاستثمار مجزيا من النواحي المادية والاستراتيجية. قبل أيام حل رئيس الوزراء الصيني " وين جيا باو " ضيفا علي الهند ، وهي الزيارة الأولي منذ خمسِ سنوات، وتهدف لتطبيع العلاقات المتوترة بين البلدين الأكثر تعدادا للسكان في العالم . وقد نجح " باو " بالفعل في الحصول علي حصةٍ من الاستثمار في الاقتصاد الهندي المزدهر عبر توقيعِ اتفاقياتٍ بقيمة 16 مليارَ دولار. وهو ما يؤكد توقعات معهد ماكينسكي العالمي والتي أشار فيها إلي ان العالمَ علي عتبةِ طفرةٍ استثماريةٍ في البلدان الصاعدة خاصة في الصين والهند خلال العقدين المقبلين شبيهة بالثورةِ الصناعيةِ، أو بفترةِ اعادةِ البناء التي شهدتها أوروبا بعد الحربِ العالمية الثانية. اللافت للنظر أن الصين أبرمت هذا الأسبوع أيضا عدة عقود مع باكستان ( عدو الهند اللدود ) بقيمة اجمالية تقارب 35 مليار دولار ، أهمها ما يتعلق بتطوير الطاقة الشمسية والهوائية وتصل قيمته الي 6.5 مليارات دولار. أما المحادثات التي دارت خلف الكواليس ، فقد تناولت قيام الصين ببناء محطة نووية في إطار برنامج يرمي الي انتاج ثمانية آلاف ميجاوات من الكهرباء بحلول العام 2025 للتخلص من الشح في الطاقة، وهو ما تعاني منه البلاد التي لا تغطي حاليا سوي 80% من حاجاتها، ناهيك عن أن باكستان تواجه أزمة اقتصادية حادة بسبب الفيضانات الكارثية التي ضربتها هذه السنة وتباطؤ الاستثمارات الغربية. الجديد في الأمر أن عملياتِ التداول بالعملة الصينية ( الإيوان ) خارج الصين والتي بدأت في يوليو الماضي بلغ حجمُها في الشهر الجاري حوالي 400 مليون دولار، ورغم ان ذلك يعد شيئا بسيطا من حجم التداولات العالمية بالعملة الصعبة والتي تقدر بأربعة تريليونات دولار يوميا، إلا أن الاهتمام بالعملة الصينية في ازدياد وينمو بوتيرة أسرع مما هو متوقع، وحسب الخبراء سيصبح الإيوان خلال السنوات المقبلة العملةَ الثالثةَ بعد الدولار واليورو من حيثُ حجم التداول.