بعد مرور شهر كامل علي التحاقه بإحدي المؤسسات الصحفية القومية الكبري ، وبعد ان ذهب هنا وسافر هناك جرياً وراء خبر صحفي يقدمه لجريدته ، فوجئ الصحفي الشاب بعد ان وقف كثيراً في طابور قبض الرواتب امام موظف خزينة الدار الصحفية انه قبض راتباً لا يتعدي ثلاث او اربع مئات من الجنيهات بعد عناء ثلاثين يوماً !! كذلك كان حال الزميلة الصحفية التي قضت اكثر من ربع قرن في خدمة المهنة ثم تقبض راتباً لا يزيد علي الفي جنيه او اكثر قليلا .. بعد ان قضت اكثر من خمس وعشرين سنة من عمرها في خدمة المؤسسة الصحفية !! والمجتمع الصحفي يقسم مؤسسات الصحافة القومية الي قسمين .. الأول هو مؤسسات الشمال وتضم ثلاث مؤسسات فقط ، بينما القسم الثاني يضم باقي المؤسسات القومية الأخري ويسمي بمؤسسات الجنوب .. وداخل مؤسسة الشمال تشهد العجب العجاب فعلاً في التفاوت الرهيب بين دخول الموظفين ، اداريين وصحفيين ، والمؤسف انك لا تستطيع تحديد معيار مهني واضح ، دقيق ، منصف لذلك التفاوت "المجنون" ، كما لا تستطيع الاستدلال علي السند القانوني او الوظيفي الذي يصبغ الشرعية القانونية والوظيفية علي تلك القسمة الجائرة الظالمة المجحفة للسواد الأعظم من جموع الصحفيين بمؤسسة الشمال القومية الصحفية ، وبسبب ذلك التفاوت "المجنون" انقسم المجتمع الداخلي لمؤسسة الشمال الي طبقتين متنافرتين متباعدتين ،الأولي طبقة اصحاب المناصب القيادية العليا من الصحفيين والاداريين اصحاب الدخول الشهرية غير الطبيعية ، والثانية طبقة الصحفيين وموظفي الادارة الذين يمثلون عصب العمل الرئيسي في المؤسسة الصحفية .. ويبدو الأمر كأن المؤسسة العريقة تضم طبقتين .. طبقة "الأسياد" النبلاء ، وطبقة "العبيد" الكادحين .. هل يمكن تصور دخل شهري لبعض "الأسياد" من كبار الصحفيين ذوي المراكز القيادية للاصدارات السياسية اليومية والأسبوعية يدخل في خانة الأصفار الخمسة وعلي يسارها رقم ، وهل يمكن تصور دخل شهري لبعض "اسياد" اخرين في القطاع الاداري لنفس المؤسسة من اصحاب المراكز القيادية الادارية يدخل في خانة الأصفار الأربعة وعلي يسارها رقم ، ويتساوي معهم - وقد يزيد - الدخل الشهري لمندوبي الاعلانات حديثو الانضمام لقطاع الاعلانات .. هذا في الوقت الذي "يصارع" فيه الصحفي - صاحب الأساس في اخراج الصحيفة - الحياة من اجل راتب لا يرجو منه الا العيش بكرامة ، دون الاضطرار الي اللجوء الي احد المكاتب الصحفية العربية طلباً لنشر خبر او مقال لقاء مائتي جنيه علي اكثر تقدير .. بينما مؤسسته تزخر بالموارد المالية والثروات التي كان من المفترض ان يكون له نصيب شرعي منها يصون كرامته الصحفية والانسانية ، ويحفظ ماء وجهه امام المجتمع .. وهكذا اصبحت هناك فئة من قيادات الصحفيين تتحصل علي الملايين كشأن معظم لاعبي كرة القدم الآن ، وفي نفس المؤسسة الصحفية هناك فئة اغلبية تتحصل، بالكاد، علي قوت الحياة اليومي لها ولكل افراد اسرهم!! الآن اصبح عندنا في مهنة الصحافة فريق لعيبة من الصحفيين دخولهم السنوية بالملايين كمثل لعيبة الساحرة المستديرة !! لا ابحث عن المسئول عمن خلق ذلك النظام المالي المتردي المؤسف والمحزن الذي يعاني منه الصحفي داخل مؤسسته ، فقد ذهب واختفي ، وما اقره من نظام استعبادي بقي بعده ، يحافظ علي بقائه حياً فاعلاً مستمراً حتي الآن "الأسياد" المستفيدون من خلقه .. ولكن ادعو الي "تغيير" ذلك النظام الجائر المجحف الذي يمارس فيه الصحفي عمله كعبد من العبيد يموت علي مكتبه ، ليعيش اسياد المؤسسة علي انقاض جسمانه الهزيل .. ولا يسألن احدكم بعد ذلك عن اسباب تدهور المستوي المهني لصحافة مؤسسات الشمال الصحفية القومية ، كما لا تسألن عن ذلك الاحباط الذي اصاب الصحفيين فيها فأصاب مراكز التفكير الابداعية في ادمغتهم وشل موجات الابتكار والتجديد لديهم .. السبب واضح وقائم وفاعل يصيب الصحفيين العاملين صغاراً وكباراً دون تفرقة ، فيجعل الصغار عجائز وهم في سن الحيوية والشباب ، ويدفع الكبار نحو حافة الموت الصحفي وهم في اجمل سنوات العطاء .. اول واهم خطوات النهوض بمؤسسات الشمال الصحفية القومية العريقة ، هو اعادة توزيع الثروات توزيعاً عادلاً علي ابنائها من الصحفيين وكل باقي العاملين ، ويتم القضاء نهائياً علي ذلك التفاوت الرهيب في الدخول الصحفية والذي لا اجد له اي تبرير منطقي لفعاليته حتي الآن .. ذلك التفاوت الظالم الذي قسم الجمع الصحفي داخل المؤسسة الواحدة الي طبقتين .. اسياد يعيشون الرفاهية المطلقة ، وعبيد يموتون في سبيل تحقيق تلك الرفاهية .. رئيس تحرير مجلة أبطال اليوم الصادرة عن مؤسسة أخبار اليوم