في الوسط الصحفي هذه الأيام حكايات لها العجب يجب أن يتوقف عندها الصحفيون ليعيدوا النظر في أسلوب حياتهم النقابية أما الحكومة فمسئوليتها أخطر لأن عليها أن تواجه الواقع الصحفي الجديد المتطور، أما مجلس الشوري المالك للصحف القومية فإن الأمر لا يعنيه لأنه في غيبوبة! في انتخابات نقيب الصحفيين التي ستجري هذا الشهر نجد ستة مرشحين لمنصب النقيب وكانت التقاليد قد جرت خلال ربع قرن أو أكثر أن يكون هناك مرشحان لمنصب النقيب أحدهما يرأس مجلس إدارة صحيفة قومية والآخر معارض. ولماذا يفوز رئيس مجلس إدارة الصحيفة أو المؤسسة القومية لأنه يمنح الصحفيين العاملين في الصحيفة التي يديرها علاوة 40 جنيهاً شهرياً تحت مسمي غريب وهو أنها بدل كتب أو للتكنولوجيا. والمهم أنه بمجرد أن يمنح الصحفيون في »مؤسسته« العلاوة تضطر باقي الصحف القومية ثم كل الصحف إلي منح العلاوة نفسها. وإذا حدث أن انتظر قرار العلاوة حتي تجري الانتخابات ويفوز رئيس مجلس إدارة الصحيفة القومية بمنصب النقيب فإن العلاوة تمنح للصحفيين ولكنها تجيء من مجلس الشوري كل شهر مما يقطع بأن النقيب الجديد له نفوذ وأنه مرشح الحكومة وأن مجلس الشوري ينزل عن رغبة الحكومة. ووضعت لجنة انتخابات نقابة الصحفيين أغرب قاعدة انتخابية وهي أن كل مؤسسة صحفية لها لجنة انتخابية بحيث يعرف مرشح الحكومة بعد الانتخابات عدد أصوات زملائه الذين لم يمنحوه أصواتهم فيبدأ البحث عنهم رغم أن التصويت سري ولكن يبدأ الصحفيون »الجواسيس« يتحسسون أخبار المتخاذلين الذين لم يعطوا أصواتهم لرئيس مجلس الإدارة الذي يملك كل شيء في الصحيفة، المكافآت والحوافز.. والعقوبات أيضاً. وكان النقيب يزهو بأنه فاز بالمنصب أكثر من مرة لأنه يتمتع بثقة الصحفيين مع أن الحقيقة هي أنه يتمتع بثقة الحكومة. وعندما لم يرشح رئيس مجلس إدارة صحيفة قومية نفسه لمنصب النقيب في الانتخابات الماضية وأناب عنه كاتباً مرموقاً ولكن باعتبار أنه مرشح الحكومة سقط الكاتب وفاز المعارض. والصحفيون يلحون علي اللجنة المشرفة علي الانتخابات أن تكون لجنة التصويت حسب الحروف الأبجدية لا حسب الصحيفة التي ينتمي إليها أعضاء اللجنة. ولعل اللجنة تستجيب لهذا الرجاء في الانتخابات الحالية مادام لا يوجد بين المرشحين رئيس لصحيفة قومية لأن رؤساء هذه الصحف القدامي انسحبوا من الترشيح هذه المرة فهم يعلمون أن الصحفيين يصوتون مضطرين لصاحب المنصب لا لصاحب الأغلبية الشعبية. *** ومن المشاهد العجيبة في الوسط الصحفي الآن ذلك الصراع أمام النائب العام بين اثنين من الصحفيين. أحدهما يتهم الآخر بأنه استولي علي جزء ضخم من أموال المؤسسة لنفسه باعتبارها حقاً له كمرتب حدده لنفسه وكعمولة وبلغ الرقم عدة ملايين من الجنيهات شهرياً. وقال الاتهام: هذا لا يجوز رد رئيس المؤسسة الصحفية بتقديم بلاغ يتهم فيه الصحفي بالقذف في حقه وقال: أريد أن يقتصر تحقيق النائب العام علي تهمة القذف وحدها لا علي الوقائع التي أوردها الصحفي. وقال أيضاً: بفرض ثبوت الوقائع فالصحفي ليس موظفاً حكومياً، والموظف الحكومي إذا ثبتت ضده الوقائع فلا توجد تهمة قذف بل تنهار هذه التهمة من أساسها. وأنا هنا لا أناقش الوقائع وصحتها، أو عدم صحتها، بل أناقش مسألة واحدة وهي أن الاتهامات حول أموال المؤسسة الصحفية والتفريط فيها والاستيلاء عليها. وقالت الاتهامات ما معناه: لو أن رئيس مجلس الإدارة جعل المؤسسة الصحفية تربح فربما التمسنا العذر لرئيس مجلس الإدارة في أن يتقاضي الكثير ولكنه ترك المؤسسة مدينة بأكثر من مليار جنيه مصري. ومرة أخري لا أناقش الوقائع ولكن ما أناقشه هو ما فعله مجلس الشوري بشأن أموال مؤسسة صحفية يملكها بحكم القانون مجلس الشوري. ترك مجلس الشوري الصحفيين يتصارعان حول أموال يملكها المجلس وكأن الأمر لا يعنيه. لم يتدخل في البلاغات أمام النائب العام. ولم يكن مجلس الشوري هو الحريص علي أموال مؤسسة صحفية يملكها، بل التزم المجلس بالصمت الرهيب وكأن الأمر لا يعنيه. واكتفي المجلس بأن يصرح بأنه لن يسمح بالتفريط في أموال المؤسسات الصحفية. وقال المجلس: الجهاز المركزي للمحاسبات لم يقدم إلينا تقريراً عن انحرافات في المؤسسات وكأن مجلس الشوري يقول للصحافة، وللرأي العام: كل شيء تمام.. تمام يا افندم! *** وفي مؤسسة صحيفة أخري. حرص رئيس مجلس الإدارة علي أن يحدد لنفسه عمولة حصتها أكثر من مائة ألف جنيه في الشهر. وحرص علي أن يخصص منطقة تتولي أمور الإعلانات لا لحساب المؤسسة بل لحساب رئيس مجلس الإدارة. تنشر في صحف المؤسسة إعلانات تصدر عنها فواتير لا تحصل لأن الموظفة تمزق الفواتير ولا راد لكلمتها فهي تتمتع بتأييد رئيس مجلس الإدارة، وتمنح أمام كل الموظفين والصحفيين والعمال علاوات وحوافز ضخمة، ونفوذها يجعل الجميع يرهبونها. وبعد أن »عزل« رئيس مجلس الإدارة عقب 17 سنة من المنصب والنفوذ قالت موظفة الإعلانات: أطلب إحالتي إلي المعاش. فهي لا تريد أن تبقي في عملها لحظة واحدة وإلا تحاسب. أما ماذا كان يدفع المعلن مقابل نشر الإعلانات فإنه كان يقدم الأدوات الكهربائية والأثاث والسيارات لأولاد رئيس مجلس الإدارة دون أن يدفع ثمنها فالثمن هو الإعلانات »المجانية«. وحتي أوراق عمولة رئيس مجلس الإدارة فإنها كانت تحرر بأسماء لا وجود لها وبعض الأوراق أو كثير منها أحرق. والمؤسسة مدينة ب450 مليون جنيه ستسددها الصحيفة والعاملون فيها ويتحمل عبء السداد والمسئولية رذيس مجلس الإدارة الجديد. ويتدخل مجلس الشوري ليستمر نشر مقالات رئيس مجلس الإدارة المقال رغم هذا كله حتي يبقي في الصورة وفي الواجهة. ويزهو الرئيس المقال بأنه جعل المؤسسة تصدر مجلات كثيرة ويقول في بعض قنوات التليفزيون: انظروا إلي إصداراتي وبعض هذه الإصدارات تبيع 500 نسخة أسبوعياً. ومعني ذلك أنها تخسر والخسارة حجة وأغلب المؤسسات الصحفية أصدرت مجلات لا تباع ولكن الهدف »الفشخرة«. والهدف الأهم أنه كانت هناك حاجة لشراء مطابع جديدة تتكلف الواحدة 600 مليون جنيه. والمطابع تم شراؤها بقروض من البنوك ولا يمكن للبنوك أن تصبر كثيراً علي عدم سداد القروض، خاصة أن بعض هذه البنوك ستتم خصخصتها، ولا يجب لصاحب رأس المال الجديد أن يوافق علي استمرار قروض لا تسدد. وكان رؤساء البنوك تحت تهديد وابتزاز رؤساء مجالس إدارات الصحف وحملاتهم. وكان رؤساء البنوك يقرضون رجال الأعمال أيضاً. ولكن بعض رجال الأعمال حوكموا وسجنوا، أما رؤساء مجالس إدارات الصحف فمازلوا يتربعون علي عروش المؤسسات الصحفية، بدعوي أنهم كتاب.. وما هم بكتاب! *** كان مصطفي أمين أحد صاحبي دار أخبار اليوم. والشريك هو أخوه التوأم الذي انتقل إلي رحمة الله. وجاءت مناسبة مهمة وهي مرور نصف قرن علي صدور أخبار اليوم ومصطفي أمين علي قيد الحياة. وفي كل الحفلات التي اقيمت داخل الدار كان يتصدرها رئيس مجلس الإدارة ولم يدع مصطفي أمين إلي حفل واحد!! والسبب ونستطيع أن نتخيله وهو أن رئيس مجلس الإدارة وليس مصطفي أمين هو »صاحب الدار«. بقي أن تعرف أن مرتب مصطفي أمين كان 2000 جنيه شهرياً. ولمن يمنح علاوة أو حافز. بل بقي المرتب 2000 جنيه. قارن هذا بالملايين ومئات الألوف التي يتقاضاها الآخرون. وأغرب ما في الحكايات أن رؤساء مجالس الإدارة »المقالين« تقدموا بطلبات للرؤساء الجدد قالوا فيها: نريد نفس مرتباتنا وعمولاتنا، وهناك قرارات صدرت من مجالس الإدارة تنص علي ذلك. وطالبوا بتسوية مكافآتهم عن نهاية الخدمة علي أساس هذه الملايين. وإذا لم تستح كرئيس مجلس إدارة صحيفة قومية فخذ ما شئت وأطلب ما شئت. *** وحتي نعرف إلي أين وصلت الأموال السيئة في عهد رؤساء مجالس إدارة صحف ظلوا يرأسونها سنوات فاقرأ هذه القصة. حرص رئيس مجلس إدارة أثناء توليه منصبه علي أن يضع أمام قصره 22 سيارة وأكرر 22 سيارة ليستمتع بمشهدها يومياً. وبعد »إقالته« سئل: كيف فعلتها؟ قال وبراءة الل.. في عينيه: طلب مني مدير جراج المؤسسة أن احتفظ له بها. قيل: وما السبب؟ قال: جراج المؤسسة لا يتسع لهذا العدد ولكن المساحة أمام قصره تتسع! *** وبعد... مرت شهور ثلاثة تقريباً علي التغييرات الصحفية. وخلال هذه الشهور لم يتحرك مجلس الشوري. ويعتقد الكثيرون أنه لن يتحرك. والزمن كفيل بإسدال الستار علي ما جري. وفي مصر حكمة تقول: »هذا بلد كل شيء ينسي فيه بعد حين« ولكن انتخابات الصحفيين هذا الشهر ستثير هذه القضية! =================== الوفد 20 سبتمبر 2005