بعد مضي عام كامل علي انعقاد قمة التغير المناخي في كوبنهاجن، يجتمع المفاوضون من جميع دول العالم الآن في المكسيك للعمل مجدداً علي مواجهة هذه القضية. وهنا يتوقع الكثيرون أن علينا تخفيض سقف توقعاتنا لنتائج قمة كانكون، لكن هذا سيكون خطأ. متزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، تزداد أيضا حدة التحديات التي يواجهها البشر الأشد فقرًا في العالم، أي النساء، ولا سيما تلك اللواتي يعيشن في البلدان النامية. فالمرأة هي التي تعيش علي الخطوط الأمامية لجبهة التغير المناخي، وهي مستعدة للعمل كشريكة ناشطة في مجال التعامل مع هذه القضية، ومن ثم ينبغي لمفاوضات قمة كانكون أن تتيح الفرصة لتمكين المرأة، وأن تقدم التزامات محددة قادرة علي بلورة بعض الوعود المبذولة في مفاوضات سابقة، في وثيقة قانونية عادلة وملزمة. فتعرض تأثيرات التغير المناخي حياة النساء والفتيات لمزيد من الخطر، سواء من حيث نقص الغذاء أو تدهور الغابات أو المخاطر الصحية الجديدة والأكثر تعقيداً، فضلاً عن احتمال زيادة الصراع علي الموارد. ومثلما تحمل كثير من النساء علي أكتافهن العبء الأكبر للتغير المناخي بسبب دورهن في رعاية الأسرة، فهن النساء ذاتهن اللواتي طورن الحلول التي من شأنها إنقاذ عالمنا من آثار ظاهرة الاحتباس الحراري. ولنأخذ علي سبيل المثال التحدي المتمثل في ضمان تحول عالمنا تجاه مستقبل 'منخفض الكربون، ويعتمد نجاح الدول النامية في مجال الاستثمار علي التنمية المبنية علي الوقود الأحفوري، علي التعاون المحلي والقدرة الميدانية. وهنا تلعب المرأة دوراً حاسماً. وعلي سبيل المثال، ساعدت رابطة النساء العاملات لحسابهن الخاص في الهند، في توفير القروض الصغيرة والتدريب اللازم لأكثر من 150 ألف امرأة بفضل مبادرة التكنولوجيا الخضراء. كذلك تعمل النساء من أفقر قطاعات الاقتصاد الهندي علي خفض انبعاثات أكسيد الكربون بانهاء اعتمادهن علي الفحم، وإعادة استخدام النفايات الصلبة، والترويج لمزايا الطاقة البديلة، في حين يتحدث العالم المتقدم عما ينبغي فعله. وبالمثل، تثبت المرأة أنها قوة إيجابية للتغيير المستدام حيثما تكون قادرة علي صنع القرارات بشأن استخدامات الأراضي والموارد، فقد زرعت حركة الحزام الأخضر في كينيا، وعلي رأسها النساء، عشرة ملايين شجرة، بغية استعادة البدائل المحلية وتقليل الاعتماد علي وقود الخشب الثمين من الموارد الغابية المحدودة. وفي مالاوي، تجمعت المزارعات في "نوادي المزارعين" حيث يتبادلن المعلومات حول تقنيات زراعة البذور القادرة علي التكيف مع تدهور التربة والتغيرات في أنماط هطول الأمطار الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، وهو ما يقلل من تعرضها لموجات الجفاف الطويلة وضياع المحاصيل جراء التغير المناخي. لكن المرأة لا تحمل علي عاتقها التحديات المتثملة في التغير المناخي في البلدان النامية فحسب، فقد برهنت البحوث الجارية في أمريكا الشمالية وأوروبا علي أنهن يلممن بقدر كبير من المعرفة عن هذا التغيير ويبدين اكتراثا أكبر بتداعياته، وأنهن أكثر استعداداً لتبني السياسات التي تهدف لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري. وعلي الصعيد العالمي، تأتي القيادات النسائية في طليعة شبكات المجتمع المدني الحريصة علي ضمان تنفيذ الحكومات والمؤسسات الدولية والقطاع الخاص لوعودها بشأن الإجراءات المناخية. ومع ذلك، وبالرغم من استعداد المرأة لاتخاذ إجراءات سياسية وفردية، فلا تزال قضية عدم المساواة المتأصلة بين الرجل والمرأة تشكل عقبة حاسمة في الجهود العالمية للتصدي للتغير المناخي. والواقع هو أن حتي أكثر الأفران كفاءة في استهلاك الوقود لن يفعل شيئاً يذكر لوضع حد لإزالة الغابات أو لخفض انبعاثات الكربون إذا كانت النساء لا يحصلن علي التدريب اللازم لاستخدامها، وعلي القروض الصغيرة اللازمة لشرائها، وعلي الحرية المالية الواجبة لإدارة نفقات الأسرة المعيشية. وعلي سبيل المثال، تبين أن المواقد الشمسية المستخدمة في زيمبابوي في التسعينيات فشلت في مساعي تعميمها علي نطاق واسع بسبب اعتراض الرجال علي أن تشتريها النساء أو تتعلم كيفية استخدامها. كما لا تملك المرأة في أنحاء كثيرة من العالم، سندات ملكية الأرض التي يعيشن فيها، سواء كانت جماعية أو فردية، هذا الحرمان يسفر عن تقليص قدراتهن علي استخدام أساليب الزراعة المستدامة أو تكييف استراتيجيات إدارة الغابات التي تسهم في التخفيف من التغير المناخي، جراء عدم الإنصات لأصواتهن لدي اتخاذ القرارات. ومن شأن ذلك أيضا أن يعوق قدراتهن علي المشاركة الفاعلة في برامج مثل الآلية العالمية الجديدة لخفض الانبعاثات الناتجة من إزالة الغابات وتدهورها، التي توفر الحوافز المالية لتحقيق هذه الغاية، وهو البرنامج الذي سينجح صناع السياسة في تنفيذه فقط بالتعلم من نساء القاعدة الشعبية. ونحن بحاجة أيضاً إلي الأخذ في الاعتبار حقوق المجتمعات المحلية في الأرض والفحم وسبل معيشة الأهالي في المجتمعات المحلية، والقضايا المتصلة بالحكم الرشيد، المرأة تحتاج إلي أن تكون جزءا من عملية صنع القرار، لكنها تعتبر حاليا ممثلة تمثيلا ناقصا إلي حد كبير في أدوار صنع القرار. وعندما أعلن الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في مارس من هذا العام عن تشكيل الفريق المعني بقضايا تمويل المناخ بغية حشد 100 مليار دولار سنويا لمساعدة الأهالي الأكثر تضررا من التغير المناخي، اتضح أن هذا الفريق المكون من 19 شخصا لا يضم امرأة واحدة بين أعضائه. هذا أمر غير مقبول، فلا ينبغي فقط أن تكون المرأة ممثلة في فريق تمويل المناخ، بل يجب أيضا بذل جميع الجهود الممكنة لضمان حصولها علي التدريب والتعليم والموارد المالية اللازمة لاعتماد التكنولوجيات المستدامة والمشاركة في الاقتصاد الأخضر. كما تحتاج النساء والفتيات إلي حقوق الأرض والموارد لتنفيذ برامج الغابات والأنشطة الزراعية، وأخيرا وليس آخراً، تحتاج المرأة إلي حقوق الديمقراطية الأساسية التي تمكنها من التصويت ومن تعزيز السياسات الخضراء علي الصعيد المحلي والوطني والدولي. المواطنون في كل مكان ينتظرون إجراءات فعلية بشأن التغير المناخي، وإذا كان المجتمع الدولي جادا بشأن التصدي للتغيير المناخي، فيجب عليه الاعتراف بأن المرأة هي جزء أساسي من الحل. *كندية حاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 2004 نقلا عن وكالة انتر بريس سيرفيس