انتهت معركة انتخابات مجلس الشعب بما لها وما عليها، بإعلان اللجنة العليا للانتخابات للنتائج النهائية، ورغم ما شاب بعض دوائرها من مخالفات ينظرها القضاء، إلا أن العملية الانتخابية في مجملها تمنح المدقق معطيات تبرهن علي عدة حقائق ومشكلات تتطلب حلولاً جذرية لتنقية البيئة السياسية من شوائبها سعياً لديمقراطية حقيقية منشودة. ابرز تلك الحقائق: ضعف المشاركة السياسية وغياب الوعي الانتخابي لدي القطاع الأكبر من الجماهير ففي حين بلغت نسبة المشاركة في الجولة الأولي 30% فإنها لم تتجاوز في الجولة الثانية 25% وذلك رغم حالة الزخم السياسي في الشارع المصري والمحاولات المستميتة من جميع المرشحين لحشد الناخبين، الأمر الذي يتطلب بحثًا جديا لهذه الظاهرة، علما بأن تلك النسب تعبر عن متوسط التصويت، الذي تجاوزها بكثير في المناطق القبلية والريفية، ويقل عنها بكثير في الحضر، ولذلك مؤشرات عدة. الأمر الذي يستوجب تثقيف سياسيا للجمهور وحثاً علي المشاركة بآليات غير مقصورة علي إعلانات تليفزيونية موسمية عقيمة، مطلوب برامج تربوية تعليمية كأن يتم إضافة مناهج للمراحل التعليمية المختلفة، تبدأ من مرحلة التعليم الأساسي " أ-ب" سياسة علي أن تقدم جرعات للمراحل المختلفة تناسب المرحلة العمرية وتشتمل علي أساسيات حول دور المجالس النيابية والمحليات وتشكيلاتها، وآليات الاختيار بين المرشحين علي أساس البرامج، وتقييم الأداء علي أساس ما حققه النائب من برنامجه وما أضافه للصالح العام وخطورة الانسياق خلف المتاجرين بالدين في المنافسات السياسية وأصحاب النعرات الطائفية والقبلية. والحقيقة الثانية: أن توجهات التصويت حكمتها القبلية والمصالح الشخصية وسيطرت رأس المال فيما جاء الاحتكام للبرامج السياسية الحزبية في مرتبة متأخرة، والدليل أن الدوائر المرتفع بها الطبقات المثقفة الأقل حضوراً ومشاركة، ولعل الحزب الوطني هو الوحيد الذي ركز علي برنامج ومع ذلك تعامل مع الواقع باستراتيجية الدفع الثنائي والثلاثي بمرشحيه علي المقعد الواحد للحشد القبلي واحتواء احتمالات الانشقاقات والأصوات الاحتجاجية التي تصب في صناديق المعارضة انتقاما منه لا قناعة بها. تلك النتيجة نابعة من هشاشة الأحزاب التي صرخت معترضة علي النتائج رغم أن كل المعطيات تنتهي بها إلي أسوأ مما حصلت علية، ففي حين يبلغ عدد أعضاء الأحزاب في مصر 4ملايين عضوا فإن الوطني وحده يستحوذ علي 22 مليونًا منها فإن المتبقي يتقاسمه 23 حزبا مع العلم أن اغلب تلك العضويات غير فاعلة بينما 76 مليون مواطن مستقلون، فيما أن حزب مثل الوفد دفع بفنانين ورياضيين لشهرتهم الإعلامية في المعترك السياسي رغم حداثة عهدهم بعضوية الحزب والعمل السياسي، فيما دفع بقيادة مثل منير فخري عبد النور بدائرة لم يزورها منذ 30 عاما، فيما راهن علي أموال رامي لكح في دائرة أخري فجني نتيجة كوارث ترشيحاته فلجأ للانسحاب من منافسة لم يحسن الإعداد لها . وكان طبيعيا أن تحتل كتلة المستقلين المرتبة الثانية بعد الوطني فيما جاء تمثيل أحزاب المعارضة ضعيفا يناسب قدراتها في الشارع، بينما لجأ البعض للبلطجة والبحث عن التواجد بنفوذ المال، فهل ستسعي الأحزاب لمراجعة نفسها والعمل علي التواجد فعليا في الشارع؟ وهل ستعمل الدولة علي تكثيف دورها في تنمية الوعي السياسي للمواطن، والعمل علي وضع ضوابط وآليات تحد من حجم التجاوزات لتحقيق مستقبل أفضل للوطن؟