المصرية للاتصالات ترحب بكم وتعمل علي راحتكم وتجاهد في سبيل إسعادكم وتستمتع بسماع أصواتكم، تكلفة هذه المكالمة خمسون قرشًا، يمكنك الاستعلام عن أحوال الطقس، أسعار العملة، سوق الذهب، مواعيد القطارات» ويكمل صوت المطربة التليفونية: المصرية للاتصالات شبكة واحدة تقربنا كلنا.. ويستطرد لحن الشركة: «اتكلم أرضي يا ابن بلدي.. صوتك بقي واضح أوي عندي» (هذا وكأنك تسرح مع أغنية للأخت سيلين ديون حاليًا أو الشقيقة إديث بياف سابقًا)! وتستأنف المطربة الشدو الذي يذكرك بفيروز أو نجاة: اتكلم أرضي يا ابن بلدي... إلخ، ضمن جو شاعري يأخذك بعيدًا تجاه القمر الليلي أو في أقل القليل القمر الصناعي: عرب سات!! ثم: «صوتك بقي واضح أوي عندي.. استعلم عن الأغاني والأخبار وشعبولا وأبو الليف ولاعب القرن: جدو، واستفسر عن حكاية الست التي أكلت ذراع جوزها والشركة التي شفطت جيب العميل». ويتكرر البيان بطريقة ألف ليلة وليلة.. والتكلفة خمسون قرشًا، ثم موسيقي، ولحن شرقي ثم موسيقي.. وفجأة صوت مذيع يذكرك بالباشمهندس أحمد سعيد أيام صوت العرب.. وصاح يا رجال.. يقول: السلامو عليكم.. شركة كذا ترحب بكم وتشكر اتصالكم وتهنأ بطلباتكم وتشكر لكم حسن تعاونكم.. ثم موسيقي.. ثم سلامو عليكو... وموسيقي. وتكاد أعصابي تنفلت.. لكن بماذا أعلق والذي أسمعه تسجيلات يتخيل مؤلفها أنها تضارع السيمفونية السابعة للمرحوم بيتهوفن، أو كونشرتو البيانو للرفيق باخ، أو في أقل القليل: بحيرة البجع للعزيز تشايكوفسكي.. أو في أكثر الكثير ألحان خالد الذكر سيد درويش، وبعد كبت وضغط وهم أزلي، سألت المذيع التليفوني: من فضلك نمرة كذا؟ رد بشفافية: تحت أمرك يا فندم، معاك فلان، سلامو عليكو.. حاضر يا افندم.. الرقم المطلوب سوف تسمعه سيادتكم بعد الموسيقي يا افندم (تاني.. وكأننا في الموسيقي العربية مع الدكتورة سميحة الخولي).. ثم يعود صوت المطربة شيرين آه يا ليل: الرقم المطلوب هو: صفر .. 7 .. 5.. أربعة.. إلخ.. ثم . إذا أردت الاستعلام باللغة الإنجليزية اضغط علي الرقم 1 وباللغة العربية الرقم 2، والذهب 5 (وكعادتي بما حباني الله من ذكاء، بالإضافة للنكد البلدي والغم السرمدي: ضغطت طبعًا علي الرقم أربعة..). وآملاً الخلاص ضغطت ثانية علي الرقم ثمانية.. ومع هذا جاء الصوت الشاعري: إذا أردت طلب الرقم المطلوب اضغط علي رقم 3 وإذا لم ترد ذلك عليك بالضغط علي دمك.. ثم: المصرية للاتصالات تسعد.. وتبارك.. وتهنئ.. وتبادر.. إلخ مع الألحان (والأحزان ربما)... يقول الكيميائي: محمود ميتو «دا كلام أرضي فعلاً». وبانتهاء التجربة القاسية أخذت أردد: تري من هو العبقري الذي ابتكر واخترع كل هذا الهوان؟ غالبًا العملية تقليد لدول الغرب.. لكن هناك تطلب دليل التليفونات، يرد الموظف شركة كذا.. نعم (فقط لا غير) دون موسيقي ولا محاضرات ولا أغانٍ ولا توجيهات، كأن المواطن في مسرح منوعات أو ربما حصة حساب، أو امتحان قدرات أو اتكلم بلدي يا ابن أرضي. إذا كان المطلوب خمسين قرشا.. الأمر لله.. هي مجرد «فردة» (بكسر الفاء) مثل المئات غيرها.. ونذكر منها فاتورة الغاز أو الكهرباء! والمياه حيث يجد المواطن بنودا سيريالية مثل: دمغات، ضريبة، مبيعات، إيجار عداد، (دفع المواطن ثمنه بالكامل مضاعفا ومقدما).. إلخ.. مجرد فردة.. قبلنا.. وافقنا مرغمين.. لكن ما الداعي لإضاعة وقت الناس بهذه السذاجة المرة وإذلالهم بهذا السيناريو الممل، والدعاية الفجة لشركة مفروضة علي الجميع؟ ما الداعي؟ ما المانع أن أدفع خمسين قرشًا، وتوفر لي الخدمة فورًا.. مجرد رقم تليفون. وليس مسرحية غنائية للأخوين رحباني.. مذيعة.. موسيقي.. مطربة، مذيع، متوالية عددية، لغات، إعلان.. ما كل هذا؟ أم أن كل واحد «تطق» في دماغه فكرة يتحفنا بها وخلاص؟ دون مراعاة أعصاب وأوقات الناس، ودون مراجعة من أحد، أو أخذ رأي مخلوق؟ لماذا تفرض علي كل مرة أسأل فيها عن رقم ما.. سماع الجوقة المملة لدرجة القهر؟ ألا يكفي عقاب الخمسين قرشا.. مع غيرها من خدمات تكلفتها مضاعفة بكل الجشع؟ وبالإكراه؟ يا سادة ارحمونا من الترحيب وسماع ألحانكم، يكفي الناس ما فيها من هموم الأسعار والعنوسة والعلاج والتعليم والإسكان وغيرها.. ومع شكي في أي استجابة من مسئولي الشركة المذكورة أجدني أكرر مضطرًا: ارحمونا يرحمكم الله.. هذا إذا كان هناك بصيص أمل في وعي أو منطق!!.. أحوال طقس إيه وعملة إيه وذهب إيه يا حاج؟! الله يصلح حالك!! عموما.. الشركة مجرد نموذج لشركات وجهات أخري عديدة.. مجرد نموذج.. ليس إلا.