الفنان القدير كرم مطاوع، الذي ولد في السابع من ديسمبر سنة 1933، مجمع من المواهب والقدرات، فهو يجمع بين الإخراج المسرحي والتمثيل في السينما والتليفزيون، ويتسلح بالثقافة الرفيعة التي تمنحه رؤية ثاقبة، وتضفي علي اختياراته خصوصية تبرهن علي الجدية والتميز. ينتمي كرم إلي ذلك الجيل المسرحي الجميل الذي بدأت رحلته الفنية في سنوات صعود ثورة يوليو، حيث الاهتمام الطاغي بفن المسرح، وهو ما انعكس إيجابيًا علي الواقع الثقافي في صورة بعثات متعددة، ومنشآت ومعاهد جديدة، وتوجهات تثمر ازدهارا لافتًا وصل إلي ذروته في عقد الستينيات، ثم انكسر وتدهور بعد هزيمة يونيه 1967، وصولاً إلي هاوية سحيقة بلا قرار، تقترب من التلاشي والسقوط. لم يكن الفنان الموهوب قد تجاوز الثلاثين إلا بسنوات ثلاث، عندما قام بدور البطولة السينمائية المطلقة في فيلم «سيد درويش»، الذي أخرجه أحمد بدرخان سنة 1966. وقد اختلف النقاد كثيرًا حول القيمة الفنية والموضوعية للفيلم، لكن أحدا منهم لم يختلف حول براعة كرم، ليس لأنه يحمل بعض الملامح الشكلية قريبة الشبه بفنان الشعب الخالد، بل لأنه عايش الشخصية بإتقان، واستطاع أن يترجم مشاعرها وانفعالاتها، ويندمج في ذلك العالم الداخلي الذي تضن معرفته إلا علي من يجمعون بين الموهبة الفطرية والدراسة معا، وإلي هذه المدرسة الاستثنائية ينتمي كرم مطاوع. كانت بداية كرم تنبئ بوعود كثيرة مبشرة، في السينما والمسرح علي حد سواء، لكن الأزمة المجتمعية الموضوعية طالته، وانعكست سلبا علي مسيرته الذاتية، فمنذ منتصف السبعينيات لم يجد المخرج الكبير - إلا نادرًا - عملاً مسرحيا يليق بطموحه، أما أدواره السينمائية والتليفزيونية فكانت أقرب إلي الأنماط السهلة التي لا مجال فيها للتفوق والتألق. بعد معاناة عسيرة مع المرض العضال، رحل كرم مطاوع وهو يختزن الكثير مما لم يقدمه، ولعل ذلك الشعور بالجوع الفني قد انعكس علي أسلوبه في سنواته الأخيرة، فثمة شيء في أدائه ينبئ بغياب الارتياح والإشباع والاقتناع!